[ ص: 79 ] الضمير في قوله : إليك للنبي صلى الله عليه وسلم ، أي أنزلنا علامات واضحات دالة على نبوتك .
وقوله : إلا الفاسقون قد تقدم تفسيره ، والظاهر أن المراد جنس الفاسقين ، ويحتمل أن يراد اليهود لأن الكلام معهم .
والواو في قوله : أوكلما للعطف دخلت عليها همزة الاستفهام كما تدخل على الفاء ، ومن ذلك قوله تعالى : أفحكم الجاهلية يبغون أفأنت تسمع الصم أفتتخذونه وذريته وكما تدخل على ثم ، ومن ذلك قوله تعالى : أثم إذا ما وقع وهذا قول سيبويه .
وقال الأخفش : الواو زائدة .
وقال : إنها " أو " حركت الواو تسهيلا . الكسائي
قال ابن عطية : وهذا كله متكلف ، والصحيح قول والمعطوف عليه المحذوف ، والتقدير أكفروا بالآيات البينات ، وكلما عاهدوا . سيبويه
قوله : نبذ فريق قال : أصل النبذ الطرح والإلقاء ، ومنه سمي اللقيط منبوذا ، ومنه سمي النبيذ وهو التمر والزبيب إذا طرحا في الماء ، قال ابن جرير أبو الأسود :
نظرت إلى عنوانه فنبذته كنبذك نعلا أخلقت من نعالكا
وقال آخر :إن الذين أمرتهم أن يعدلوا نبذوا كتابك واستحل المحرم
تميم بن زيد لا تكونن حاجتي بظهر فلا يعيا علي جوابها
وقوله : كأنهم لا يعلمون تشبيه لهم بمن لا يعلم شيئا مع كونهم يعلمون علما يقينا من التوراة بما يجب عليهم من الإيمان بهذا النبي ، ولكنهم لما لم يعملوا بالعلم بل عملوا عمل من لا يعلم من نبذ كتاب الله وراء ظهورهم كانوا بمنزلة من لا يعلم .
قوله : واتبعوا ما تتلو الشياطين معطوف على قوله : نبذ أي نبذوا كتاب الله واتبعوا ما تتلو الشياطين من السحر ونحوه .
قال : ( اتبعوا ) بمعنى فعلوا . الطبري
ومعنى تتلو تتقوله وتقرؤه و على ملك سليمان على عهد ملك سليمان ، قاله وقيل : المعنى في ملك الزجاج ، سليمان ، يعني في قصصه وصفاته وأخباره .
قال الفراء : تصلح " على " و " في " في هذا الموضع ، والأول أظهر .
وقد كانوا يظنون أن هذا هو علم سليمان وأنه يستجيزه ويقول به ، فرد الله ذلك عليهم وقال : وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا ولم يتقدم أن أحدا نسب سليمان إلى الكفر ، ولكن لما نسبته اليهود إلى السحر صاروا بمنزلة من نسبه إلى الكفر لأن السحر يوجب ذلك ، ولهذا أثبت الله سبحانه كفر الشياطين فقال : ولكن الشياطين كفروا أي بتعليمهم .
وقوله : يعلمون الناس السحر في محل نصب على الحال ، ويجوز أن يكون في محل رفع على أنه خبر بعد خبر .
وقرأ ابن عامر والكوفيون سوى عاصم " ولكن الشياطين " بتخفيف " لكن " ورفع " الشياطين " ، والباقون بالتشديد والنصب .
: هو ما يفعله الساحر من الحيل والتخييلات التي تحصل بسببها للمسحور ما يحصل من الخواطر الفاسدة الشبيهة بما يقع لمن يرى السراب فيظنه ماء ، وما يظنه راكب السفينة أو الدابة من أن الجبال تسير ، وهو مشتق من سحرت الصبي : إذا خدعته ، وقيل : أصله الخفاء ، فإن الساحر يفعله خفية ، وقيل : أصله الصرف لأن السحر مصروف عن جهته ، وقيل : أصله الاستمالة لأن من سحرك فقد استمالك . والسحر
وقال الجوهري : السحر الأخذة ، وكل ما لطف ودق فهو سحر .
وقد سحره يسحره سحرا ، والساحر : العالم ، وسحره أيضا بمعنى خدعه .
وقد اختلف هل له حقيقة أم لا ؟ فذهبت المعتزلة وأبو حنيفة إلى أنه خداع لا أصل له ولا حقيقة .
وذهب من عداهم إلى أن له حقيقة مؤثرة .
وقد صح أن لبيد بن الأعصم النبي صلى الله عليه وسلم سحر ، سحره اليهودي حتى كان يخيل إليه أنه يأتي الشيء ولم يكن قد أتاه ، ثم شفاه الله سبحانه ، والكلام في ذلك يطول .
وقوله : وما أنزل على الملكين أي ويعلمون الناس ما أنزل على الملكين ، فهو معطوف على السحر ، وقيل : هو معطوف على قوله : ما تتلو الشياطين أي واتبعوا ما أنزل الله على الملكين .
وقيل : إن " ما " في قوله : وما أنزل على الملكين نافية ، والواو عاطفة على قوله : وما كفر سليمان وفي الكلام تقديم وتأخير ، والتقدير : وما كفر سليمان وما أنزل على الملكين ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ببابل هاروت وماروت ، فهاروت وماروت بدل من الشياطين في قوله : ولكن الشياطين كفروا ذكر هذا وقال : فإن قال لنا قائل : وكيف وجه تقديم ذلك ؟ قيل : وجه تقديمه أن يقال : واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك ابن جرير سليمان وما كفر سليمان وما أنزل الله على الملكين ولكن الشياطين كفروا [ ص: 80 ] يعلمون الناس السحر ببابل هاروت وماروت ، فيكون معنيا بالملكين جبريل وميكائيل ، لأن سحرة اليهود فيما ذكر كانت تزعم أن الله أنزل السحر على لسان جبريل وميكائيل إلى سليمان بن داود ، فأكذبهم الله بذلك وأخبر نبيه صلى الله عليه وسلم أن جبريل وميكائيل لم ينزلا بسحر ، وبرأ سليمان مما نحلوه من السحر ، وأخبرهم أن وأنها تعلم الناس ذلك السحر من عمل الشياطين ، ببابل ، وأن الذين يعلمونهم ذلك رجلان أحدهما هاروت والآخر ماروت فيكون هاروت وماروت على هذا التأويل ترجمة عن الناس وردا عليهم . انتهى .
وقال القرطبي في تفسيره بعد أن حكى معنى هذا الكلام ورجح أن هاروت وماروت بدل من الشياطين ما لفظه : هذا أولى ما حملت عليه الآية وأصح ما قيل فيها ولا يلتفت إلى سواه ، فالسحر من استخراج الشياطين للطافة جوهرهم ودقة أفهامهم ، وأكثر ما يتعاطاه من الإنس النساء وخاصة في حال طمثهن ، قال الله : ومن شر النفاثات في العقد ثم قال : إن قيل كيف يكون اثنان بدلا من جمع والبدل إنما يكون على حد المبدل ؟ ثم أجاب عن ذلك بأن الاثنين قد يطلق عليهما الجمع ، أو أنهما خصا بالذكر دون غيرهما لتمردهما ، ويؤيد هذا أنه قرأ ابن عباس والضحاك والحسن الملكين بكسر اللام ، ولعل وجه الجزم بهذا التأويل مع بعده وظهور تكلفه إلى أرضه فتنة لعباده على ألسن ملائكته . تنزيه الله سبحانه أن ينزل السحر
وعندي أنه لا موجب لهذا التعسف المخالف لما هو الظاهر ، فإن لله سبحانه أن يمتحن عباده بما شاء كما امتحن بنهر طالوت ، ولهذا يقول الملكان : إنما نحن فتنة قال : وذهب كثير من السلف إلى أنهما كانا ملكين من السماء ، وأنهما أنزلا إلى الأرض فكان من أمرهما ما كان ابن جرير وبابل قيل : هي العراق ، وقيل : نهاوند ، وقيل : نصيبين ، وقيل : المغرب .
وهاروت وماروت اسمان أعجميان لا ينصرفان .
وقوله : وما يعلمان من أحد حتى يقولا قال : تعليم إنذار من السحر لا تعليم دعاء إليه ، قال : وهو الذي عليه أكثر أهل اللغة والنظر ، ومعناه : أنهما يعلمان على النهي فيقولان لهم : لا تفعلوا كذا ، و من في قوله : من أحد زائدة للتوكيد ، وقد قيل : إن قوله : ( يعلمان ) من الإعلام لا من التعليم ، وقد جاء في كلام العرب تعلم بمعنى أعلم كما حكاه الزجاج ابن الأنباري وهو كثير في أشعارهم كقول وابن الأعرابي ، : كعب بن مالك
تعلم رسول الله أنك مدركي وأن وعيدا منك كالأخذ باليد
تعلم أن بعد الغي رشدا وأن لذلك الغي انقشاعا
أي إنما نحن ابتلاء واختبار من الله لعباده ، وقيل : إنه استهزاء منهما لأنهما إنما يقولانه لمن قد تحققا ضلاله وفي قولهما : فلا تكفر أبلغ إنذار وأعظم تحذير ، أي أن هذا ذنب يكون من فعله كافرا فلا تكفر ، وفيه دليل على أن وظاهره عدم الفرق بين المعتقد وغير المعتقد ، وبين من تعلمه ليكون ساحرا ومن تعلمه ليقدر على دفعه . تعلم السحر كفر
وقوله : فيتعلمون فيه ضمير يرجع إلى قوله : من أحد قال : التقدير فهم يتعلمون ، قال : ومثله كن فيكون وقيل : هو معطوف على موضع ما يعلمان ، لأنه وإن كان منفيا فهو يتضمن الإيجاب . سيبويه
وقال الفراء : هي مردودة على قوله : يعلمون الناس السحر أي يعلمون الناس فيتعلمون ، وقوله : ما يفرقون به بين المرء وزوجه في إسناد التفريق إلى السحرة وجعل السحر سببا لذلك دليل على أن للسحر تأثيرا في القلوب بالحب والبغض والجمع والفرقة والقرب والبعد .
وقد ذهبت طائفة من العلماء إلى أن من التفرقة ، لأن الله ذكر ذلك في معرض الذم للسحر وبين ما هو الغاية في تعليمه ، فلو كان يقدر على أكثر من ذلك لذكره . الساحر لا يقدر على أكثر مما أخبر الله به
وقالت طائفة أخرى : إن ذلك خرج مخرج الأغلب ، وأن الساحر يقدر على غير ذلك المنصوص عليه ، وقيل : ليس للسحر تأثير في نفسه أصلا لقوله تعالى : وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله والحق أنه لا تنافي بين قوله : فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وبين قوله : وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله فإن المستفاد من جميع ذلك أن للسحر تأثيرا في نفسه ، ولكنه لا يؤثر ضررا إلا فيمن أذن الله بتأثيره فيه .
وقد أجمع أهل العلم على أن له تأثيرا في نفسه وحقيقة ثابتة ، ولم يخالف في ذلك إلا المعتزلة وأبو حنيفة كما تقدم ، وقوله : ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم فيه تصريح بأن ولا يجلب إليه منفعة بل هو ضرر محض وخسران بحت ، واللام في قوله : ولقد جواب قسم محذوف ، وفي قوله : السحر لا يعود على صاحبه بفائدة لمن اشتراه للتأكيد و ( من ) موصولة وهي في محل رفع على الابتداء ، والخبر قوله : ما له في الآخرة من خلاق وقال الفراء : إنها شرطية للمجازاة .
وقال : ليس هذا بموضع شرط ، ورجح أنها موصولة كما ذكرنا . الزجاج
والمراد بالشراء هنا الاستبدال أي من استبدل ما تتلو الشياطين على كتاب الله .
والخلاق : النصيب عند أهل اللغة ، كذا قال . الزجاج
والمراد بقوله : ما شروا به أنفسهم أي باعوها .
وقد أثبت لهم العلم في قوله : ولقد علموا ونفاه عنهم في قوله : لو كانوا يعلمون واختلفوا في توجيه ذلك فقال قطرب والأخفش : إن المراد بقوله : ولقد علموا الشياطين ، والمراد بقوله : لو كانوا يعلمون الإنس .
وقال : إن الأول للملكين وإن كان بصيغة الجمع فهو مثل قولهم : الزيدان قاموا . الزجاج
والثاني المراد به علماء اليهود ، وإنما قال : لو كانوا يعلمون لأنهم تركوا العمل بعلمهم .
وقوله : ولو أنهم آمنوا أي بالنبي صلى الله عليه وسلم وما جاء به من القرآن واتقوا ما وقعوا فيه من السحر والكفر ، واللام في قوله : لمثوبة جواب " لو " ، والمثوبة : الثواب .
وقال الأخفش : إن الجواب محذوف والتقدير ولو أنهم آمنوا واتقوا لأثيبوا ، [ ص: 81 ] فحذف لدلالة قوله : ( لمثوبة ) عليه ، وقوله : لو كانوا يعلمون هو إما للدلالة على أنه لا علم لهم ، أو لتنزيل علمهم مع عدم العمل منزلة العدم .
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير عن وابن أبي حاتم " ابن عباس قال ابن صوريا للنبي صلى الله عليه وسلم : يا محمد ما جئتنا بشيء يعرف ، وما أنزل الله عليك من آية بينة ، فأنزل الله تعالى في ذلك : ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون " وقال مالك بن الصيف حين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكرهم ما أخذ عليهم من الميثاق وما عهد إليهم في محمد : والله ما عهد إلينا في محمد ولا أخذ علينا شيء ، فأنزل الله أوكلما عاهدوا الآية .
وأخرج عنه في قوله : آيات بينات يقول : فأنت تتلوه عليهم وتخبرهم به غدوة وعشية وبين ذلك ، وأنت عندهم أمي لم تقرأ الكتاب ، وأنت تخبرهم بما في أيديهم على وجهه ، ففي ذلك عبرة لهم وحجة عليهم ابن جرير لو كانوا يعلمون .
وأخرج عن ابن جرير قتادة في قوله : نبذه قال : نقضه .
وأخرج أيضا عن في قوله : السدي مصدقا لما معهم قال : لما جاءهم محمد عارضوه بالتوراة ، واتفقت التوراة والقرآن فنبذوا التوراة وأخذوا بكتاب آصف وسحر هاروت وماروت ، كأنهم لا يعلمون بما في التوراة من الأمر باتباع محمد صلى الله عليه وسلم وتصديقه .
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن قال : إن ابن عباس فإذا سمع أحدهم بكلمة حق كذب معها ألف كذبة ، فأشربتها قلوب الناس واتخذوها دواوين ، فأطلع الله على ذلك الشياطين كانوا يسترقون السمع من السماء ، سليمان بن داود ، فأخذها فدفنها تحت الكرسي ، فلما مات سليمان قام شيطان بالطريق فقال : ألا أدلكم على كنز سليمان الذي لا كنز لأحد مثل كنزه الممنع ؟ قالوا : نعم ، فأخرجوه فإذا هو سحر ، فتناسختها الأمم .
وأنزل الله عذر سليمان فيما قالوا من السحر فقال واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان الآية .
وأخرج النسائي عنه قال : كان وابن أبي حاتم آصف كاتب سليمان ، وكان يعلم الاسم الأعظم ، وكان يكتب كل شيء بأمر سليمان ويدفنه تحت كرسيه ، فلما مات سليمان أخرجته الشياطين ، فكتبوا بين كل سطرين سحرا وكفرا ، وقالوا : هذا الذي كان سليمان يعمل بها ، فأكفره جهال الناس وسبوه ووقف علماؤهم ، فلم يزل جهالهم يسبونه حتى أنزل الله على محمد واتبعوا ما تتلو الشياطين الآية .
وأخرج عنه قال : كان ابن جرير سليمان إذا أراد أن يدخل الخلاء أو يأتي شيئا من شأنه أعطى الجرادة وهي امرأته خاتمه ، فلما سليمان بالذي ابتلاه به أعطى أراد الله أن يبتلي الجرادة ذات يوم خاتمه ، فجاء الشيطان في صورة سليمان فقال لها : هاتي خاتمي ، فأخذه فلبسه ، فلما لبسه دانت له الشياطين والجن والإنس ، فجاء سليمان فقال : هاتي خاتمي ، فقالت : كذبت لست سليمان ، فعرف أنه بلاء ابتلي به ، فانطلقت الشياطين فكتبت في تلك الأيام كتبا فيها سحر وكفر ، ثم دفنوها تحت كرسي سليمان ، ثم أخرجوها فقرءوها على الناس وقالوا : إنما كان سليمان يغلب الناس بهذه الكتب ، فبرئ الناس من سليمان وأكفروه حتى بعث الله محمدا وأنزل عليه وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا وأخرج عنه في قوله : وما تتلو قال : ما تتبع . ابن جرير
وأخرج أيضا عن عطاء في قوله : ما تتلو قال : نراه ما تحدث .
وأخرج أيضا عن في قوله : ابن جريج على ملك سليمان يقول : في ملك سليمان .
وأخرج أيضا عن في قوله : السدي وما أنزل على الملكين قال : هذا سحر آخر خاصموه به ، فإن كلام الملائكة فيما بينهم إذا علمته الإنس فصنع وعمل به كان سحرا .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن وابن أبي حاتم في قوله : ابن عباس وما أنزل على الملكين قال : لم ينزل الله السحر .
وأخرج عن ابن أبي حاتم علي قال : هما ملكان من ملائكة السماء .
وأخرج نحوه ابن مردويه من وجه آخر عنه مرفوعا .
وأخرج في تاريخه البخاري وابن المنذر عن ابن عباس وما أنزل على الملكين يعني جبريل وميكائيل ببابل هاروت وماروت يعلمان الناس السحر .
وأخرج عن ابن أبي حاتم أنه كان يقرؤها : " وما أنزل على الملكين عبد الرحمن بن أبزى داود وسليمان " .
وأخرج عن ابن أبي حاتم الضحاك قال : هما علجان من أهل بابل : وأخرج البيهقي في شعب الإيمان من حديث قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ابن عمر هاروت وماروت ، ثم أهبطا إلى الأرض وركبت فيهما شهوات بني آدم ، ومثلت لهما امرأة فما عصما حتى واقعا المعصية ، فقال الله : اختارا عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة ، فنظر أحدهما لصاحبه قال : ما تقول ؟ قال : أقول إن عذاب الدنيا ينقطع وإن عذاب الآخرة لا ينقطع ، فاختارا عذاب الدنيا ، فهما اللذان ذكر الله في كتابه : وما أنزل على الملكين الآية . أشرفت الملائكة على الدنيا ، فرأت بني آدم يعصون ، فقالت : يا رب ما أجهل هؤلاء ، ما أقل معرفة هؤلاء بعظمتك ، فقال الله : لو كنتم في محلاتهم لعصيتموني ، قالوا : كيف يكون هذا ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ؟ قال : فاختاروا منكم ملكين ، فاختاروا
وأخرج الحاكم وصححه عن أنه كان يقول : أطلعت الحمراء بعد ؟ فإذا رآها قال : لا مرحبا ، ثم قال : إن ابن عمر هاروت وماروت سألا الله أن يهبطهما إلى الأرض ، فأهبطا إلى الأرض فكانا يقضيان بين الناس ، فإذا أمسيا تكلما بكلمات فعرجا بها إلى السماء ، فقيض لهما امرأة من أحسن النساء وألقيت عليهما الشهوة فجعلا يؤخرانها وألقيت في أنفسهما ، فلم يزالا يفعلان حتى وعدتهما ميعادا ، فأتتهما للميعاد فقالت : علماني الكلمة التي تعرجان بها ، فعلماها الكلمة فتكلمت بها فعرجت إلى السماء فمسخت فجعلت كما ترون ، فلما أمسيا تكلما بالكلمة فلم يعرجا ، فبعث إليهما : إن شئتما فعذاب الآخرة وإن شئتما فعذاب الدنيا إلى أن تقوم الساعة على أن تلقيا الله ، فإن شاء عذبكما وإن شاء [ ص: 82 ] رحمكما ، فنظر أحدهما إلى صاحبه فقال : بل نختار عذاب الدنيا ألف ألف ضعف ، فهما يعذبان إلى يوم القيامة . ملكين من الملائكة
وقد رويت هذه القصة عن بألفاظ ، وفي بعضها أنه يروي ذلك ابن عمر عن ابن عمر كما أخرجه كعب الأحبار ، عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب من طريق عن الثوري عن موسى بن عقبة سالم عن عن ابن عمر كعب قال : ذكرت الملائكة أعمال بني آدم وما يأتون من الذنوب ، فقيل : لو كنتم مكانهم لأتيتم مثل ما يأتون ، فاختاروا منكم اثنين ، فاختاروا هاروت وماروت ، فقال لهما : إني أرسل إلى بني آدم رسلا فليس بيني وبينكم رسول ، انزلا لا تشركا بي شيئا ولا تزنيا ولا تشربا الخمر ، قال كعب : فوالله ما أمسيا من يومهما الذي أهبطا فيه حتى استعملا جميع ما نهيا عنه .
قال ابن كثير : وهذا أصح ، يعني من الإسنادين اللذين ذكرهما قبله .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصححه عن قال : إن هذه الزهرة تسميها العرب الزهرة ، والعجم أناهيد ، وذكر نحو الرواية السابقة عن علي بن أبي طالب عند ابن عمر الحاكم .
قال ابن كثير : وهذا الإسناد رجاله ثقات وهو غريب جدا .
وقد أخرج عبد بن حميد والحاكم وصححه عن قال : كانت الزهرة امرأة . ابن عباس
وأخرج عبد الرزاق عنه : أن المرأة التي فتن بها الملكان مسخت ، فهي هذه الكوكبة الحمراء : يعني الزهرة . وعبد بن حميد
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عنه فذكر قصة طويلة ، وفيها التصريح بأن الملكين شربا الخمر وزنيا بالمرأة وقتلاها .
وأخرج عن ابن جرير ابن مسعود هذه القصة وقالا : إنها أنزلت إليهما الزهرة في صورة امرأة وأنهما وقعا في الخطيئة . وابن عباس
وقد روي في هذا الباب قصص طويلة وروايات مختلفة استوفاها السيوطي في الدر المنثور ، وذكر ابن كثير في تفسيره بعضها ثم قال : وقد روي في هاروت وماروت عن جماعة من التابعين قصة كمجاهد والسدي والحسن البصري وقتادة وأبي العالية والزهري والربيع بن أنس وغيرهم وقصها خلق من المفسرين من المتقدمين والمتأخرين . ومقاتل بن حيان
وحاصلها راجع في تفصيلها إلى أخبار بني إسرائيل ، إذ ليس فيها حديث مرفوع صحيح متصل الإسناد إلى الصادق المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى وظاهر سياق القرآن إجمال القصة من غير بسط ولا إطناب فيها ، فنحن نؤمن بما ورد في القرآن على ما أراده الله تعالى ، والله أعلم بحقيقة الحال . انتهى .
وقال القرطبي بعد سياق بعض ذلك : قلنا : هذا كله ضعيف وبعيد عن وغيره ، لا يصح منه شيء ، فإنه قول تدفعه الأصول في الملائكة الذين هم أمناء الله على وحيه وسفراؤه إلى رسله لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون . ثم ذكر ما معناه : أن العقل يجوز وقوع ذلك منهم ، لكن وقوع هذا الجائز لا يدرى إلا بالسمع ولم يصح . انتهى . ابن عمر
وأقول : هذا مجرد استبعاد ، وقد ورد الكتاب العزيز في هذا الموضع بما تراه ، ولا وجه لإخراجه عن ظاهره بهذه التكلفات ، وما ذكره من أن الأصول تدفع ذلك ، فعلى فرض وجود هذه الأصول فهي مخصصة بما وقع في هذه القصة ولا وجه لمنع التخصيص ، وقد إبليس يملك المنزلة العظيمة وصار أشر البرية وأكفر العالمين . كان
وأخرج عن ابن جرير قتادة في قوله : إنما نحن فتنة قال : بلاء .
وأخرج البزار بإسناد صحيح والحاكم وصححه عن قال : ابن مسعود محمد " . " من أتى كاهنا أو ساحرا وصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على
وأخرج البزار عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عمران بن حصين . من تطير أو تطير له ، أو تكهن أو تكهن له ، أو سحر أو سحر له ، ومن عقد عقدة ، ومن أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد
وأخرج عبد الرزاق عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صفوان بن سليم قليلا أو كثيرا كان آخر عهده من الله من تعلم شيئا من السحر .
وأخرج عن ابن جرير في قوله : من خلاق قال : قوام . ابن عباس
وأخرج عنه قال : من خلاق من نصيب ، وكذا روى ابن أبي حاتم عن ابن جرير مجاهد .
وأخرج عبد الرزاق عن وابن جرير الحسن : ما له في الآخرة من خلاق قال : ليس له دين .
وأخرج ابن جرير عن وابن أبي حاتم في قوله : السدي ولبئس ما شروا به قال : باعوا .
وأخرج عبد الرزاق عن وابن جرير قتادة في قوله : لمثوبة قال : ثواب .