قرأ ابن أبي إسحاق ( والبدن ) بضم الباء والدال ، وقرأ الباقون بإسكان الدال وهما لغتان ، وهذا الاسم خاص بالإبل ، وسميت بدنة ؛ لأنها تبدن والبدانة : السمن .
وقال أبو حنيفة ومالك : إنه يطلق على غير الإبل ، والأول أولى لما سيأتي من الأوصاف التي هي ظاهرة في الإبل ، ولما تفيده كتب اللغة من اختصاص هذا الاسم بالإبل .
وقال ابن كثير في تفسيره : واختلفوا في صحة إطلاق البدنة على البقرة على قولين : أصحهما أنه يطلق عليهما ذلك شرعا كما صح في الحديث . جعلناها لكم وهي ما تقدم بيانه قريبا لكم فيها خير أي منافع دينية ودنيوية كما تقدم فاذكروا اسم الله عليها أي على نحوها ، ومعنى ( صواف ) أنها قائمة قد صفت قوائمها ؛ لأنها تنحر قائمة معقولة ، وأصل هذا الوصف في الخيل يقال : صفن الفرس فهو صافن إذا قام على ثلاث قوائم وثنى الرابعة .
وقرأ الحسن والأعرج ومجاهد وزيد بن أسلم ( صوافي ) أي خوالص لله لا تشركون به في التسمية على نحرها أحدا ، وواحد صواف صافة ، وهي قراءة الجمهور . وأبو موسى الأشعري
وواحد ( صوافي ) صافية ، وقرأ ابن مسعود وابن عمر وابن عباس وأبو جعفر ( صوافن ) بالنون جمع صافنة ، والصافنة هي التي قد رفعت إحدى يديها بالعقل لئلا تضطرب ، ومنه قوله تعالى : ومحمد بن علي الصافنات الجياد [ ص : 31 ] ومنه قول عمرو بن كلثوم :
تركنا الخيل عاكفة عليه مقلدة أعنتها صفونا
وقال الآخر :ألف الصفون فما يزال كأنه مما يقوم على الثلاث كسير
واختلف في القانع من هو ؟ فقيل هو السائل ، يقال قنع الرجل بفتح النون يقنع بكسرها إذا سأل ، ومنه قول الشماخ :
لمال المرء يصلحه فيغني مفاقره أعف من القنوع
قال : من العرب من ذكر القنوع بمعنى القناعة ، وهي الرضا والتعفف وترك المسألة . ابن السكيت
وبالأول قال وابنه زيد بن أسلم وسعيد بن جبير والحسن ، وروي عن . وبالثاني قال ابن عباس عكرمة وقتادة .
وأما المعتر ، فقال محمد بن كعب القرظي ومجاهد وإبراهيم والكلبي والحسن أنه الذي يتعرض من غير سؤال . وقيل : هو الذي يعتريك ويسألك .
وقال مالك : أحسن ما سمعت أن القانع : الفقير ، والمعتر : الزائر .
وروي عن : أن كلاهما الذي لا يسأل ، ولكن القانع الذي يرضى بما عنده ولا يسأل ، والمعتر الذي يتعرض لك ولا يسألك . ابن عباس
وقرأ الحسن والمعتري ومعناه كمعنى المعتر ، ومنه قول زهير :
على مكثريهم رزق من يعتريهم وعند المقلين السماحة والبذل
لن ينال الله لحومها ولا دماؤها أي لن يصعد إليه ولا يبلغ رضاه ولا يقع موقع القبول منه لحوم هذه الإبل التي تتصدقون بها ولا دماؤها التي تنصب عند نحرها من حيث إنها لحوم ودماء ولكن يناله أي يبلغ إليه تقوى قلوبكم ، ويصل إليه إخلاصكم له وإرادتكم بذلك وجهه ، فإن ذلك هو الذي يقبله الله ويجازي عليه .
وقيل : المراد أصحاب اللحوم والدماء أي : لن يرضى المضحون والمتقربون إلى ربهم باللحوم والدماء ولكن بالتقوى .
قال : أعلم الله أن الذي يصل إليه تقواه وطاعته فيما يأمر به ، وحقيقة معنى هذا الكلام تعود إلى القبول ، وذلك أن ما يقبله الإنسان يقال قد ناله ووصل إليه ، فخاطب الله الخلق كعادتهم في مخاطبتهم الزجاج كذلك سخرها لكم كرر هذا للتذكير ، ومعنى لتكبروا الله على ما هداكم هو قول الناحر : الله أكبر عند النحر ، فذكر في الآية الأولى الأمر بذكر اسم الله عليها ، وذكر هنا التكبير للدلالة على مشروعية الجمع بين التسمية والتكبير .
وقيل : المراد بالتكبير وصفه سبحانه بما يدل على الكبرياء ، ومعنى على ما هداكم على ما أرشدكم إليه من علمكم بكيفية التقرب بها ، وما مصدرية ، أو موصولة وبشر المحسنين قيل المراد بهم المخلصون ، وقيل : الموحدون .
والظاهر أن المراد بهم كل من يصدر منه من الخير ما يصح به إطلاق اسم المحسن عليه .
وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عبد الله بن عمر قال : لا نعلم البدن إلا من الإبل والبقر .
وأخرج عنه قال : البدن ذات الجوف . ابن أبي حاتم
وأخرج ابن أبي شيبة و عبد بن حميد عن وابن أبي حاتم مجاهد قال : ليس البدن إلا من الإبل ، وأخرجوا عن الحكم نحوه ، وأخرجوا عن عطاء نحو ما قال . ابن عمر
وأخرج عن ابن أبي شيبة نحوه . سعيد بن المسيب
وأخرج عن ابن أبي حاتم الحسن نحوه [ ص: 966 ] أيضا .
وأخرج ابن أبي شيبة عن و عبد بن حميد يعقوب الرباحي عن أبيه قال : أوصى ببدنة ، فأتيت فقلت له : إن رجلا أوصى إلي وأوصى ببدنة ، فهل تجزئ عني بقرة ؟ قال نعم ، ثم قال : ممن صاحبكم ؟ فقلت من بني رباح ، فقال : ومتى اقتنى بنو رباح البقر إلى الإبل ؟ وهم صاحبكم ، إنما البقر للأسد ابن عباس وعبد القيس .
وأخرج عبد بن حميد في الأضاحي وابن أبي الدنيا وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن أبي ظبيان قال : سألت عن قوله : ابن عباس فاذكروا اسم الله عليها صواف قال : إذا أردت أن تنحر البدنة فأقمها على ثلاث قوائم معقولة ، ثم قل بسم الله والله أكبر .
وأخرج الفريابي وأبو عبيد وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة و عبد بن حميد وابن المنذر من طرق عن وابن أبي حاتم في قوله : صواف قال : قياما معقولة ، وفي الصحيحين وغيرهما عنه أنه رأى رجلا قد أناخ بدنته وهو ينحرها ، فقال : ابعثها قياما مقيدة سنة ابن عباس محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - .
وأخرج أبو عبيدة و عبد بن حميد وابن المنذر عن قال : في قراءة ميمون بن مهران ( صوافن ) يعني قياما . ابن مسعود
وأخرج ابن المنذر عن وابن أبي حاتم ابن عباس فإذا وجبت قال : سقطت على جنبها .
وأخرج عنه قال نحرت . ابن أبي حاتم
وأخرج عنه أيضا قال : القانع المتعفف والمعتر السائل . ابن أبي حاتم
وأخرج عن ابن أبي شيبة قال القانع الذي يقنع بما آتيته . ابن عمر
وأخرج عن ابن أبي حاتم قال : القانع الذي يقنع بما أوتي ، والمعتر الذي يعترض . ابن عباس
وأخرج عنه أيضا قال : القانع الذي يجلس في بيته .
وأخرج عبد بن حميد والبيهقي في سننه عنه أنه سئل عن هذه الآية ، فقال : أما القانع فالقانع بما أرسلت إليه في بيته ، والمعتر الذي يعتريك .
وأخرج ابن المنذر عنه أيضا قال : القانع الذي يسأل ، والمعتر الذي يتعرض ، ولا يسأل .
وقد روي عن التابعين في تفسير هذه الآية أقوال مختلفة ، والمرجع المعنى اللغوي لا سيما مع الاختلاف بين الصحابة ومن بعدهم في تفسير ذلك .
وأخرج ابن المنذر وابن مردويه عن قال : كان المشركون إذا ذبحوا استقبلوا الكعبة بالدماء فينضحون بها نحو ابن عباس الكعبة ، فأراد المسلمون أن يفعلوا ذلك ، فأنزل الله لن ينال الله لحومها ولا دماؤها وأخرج عن ابن أبي حاتم نحوه . ابن جريج