قرأ أبو عمرو وابن كثير ( يدفع ) وقرأ الباقون ( يدافع ) وصيغة المفاعلة هنا مجردة عن معناها الأصلي ، وهو وقوع الفعل من الجانبين كما تدل عليه القراءة الأخرى .
وقد ترد هذه الصيغة ولا يراد بها معناها الأصلي كثيرا مثل عاقبت اللص ونحو ذلك ، وقد قدمنا تحقيقه . وقيل : إن إيراد هذه الصيغة هنا للمبالغة وقيل : للدلالة على تكرر الواقع .
والمعنى : يدافع عن المؤمنين غوائل المشركين وقيل : يعلي حجتهم وقيل : يوفقهم والجملة مستأنفة لبيان هذه المزية الحاصلة للمؤمنين من رب العالمين ، وأنه المتولي للمدافعة عنهم ، وجملة إن الله لا يحب كل خوان كفور مقررة لمضمون الجملة الأولى ، فإن المدافعة من الله لهم عن عباده المؤمنين مشعرة أتم إشعار بأنهم مبغضون إلى الله غير محبوبين له .
قال : من ذكر غير اسم الله وتقرب إلى الأصنام بذبيحته فهو خوان كفور ، وإيراد صيغتي المبالغة للدلالة على أنهم كذلك في الواقع لا لإخراج من خان دون خيانتهم ، أو كفر دون كفرهم الزجاج أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا قرئ ( أذن ) مبنيا للفاعل ومبنيا للمفعول وكذلك ( يقاتلون ) ، قرئ مبنيا للفاعل ومبنيا للمفعول ، وعلى كلا القراءتين فالإذن من الله سبحانه لعباده المؤمنين بأنهم إذا صلحوا للقتال ، أو قاتلهم المشركون قاتلوهم .
قال المفسرون : كان مشركو مكة يؤذون أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بألسنتهم وأيديهم ، فيشكون ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فيقول لهم : اصبروا فإني لم أؤمر بالقتال حتى هاجر ، فأنزل الله سبحانه هذه الآية بالمدينة ، وهي أول آية نزلت في القتال .
وهذه الآية مقررة أيضا لمضمون قوله : ( إن الله يدافع ) فإن إباحة القتال لهم هي من جملة دفع الله عنهم ، والباء في بأنهم ظلموا للسببية أي : بسبب أنهم ظلموا بما كان يقع عليهم من المشركين من سب وضرب وطرد ، ثم وعدهم سبحانه النصر على المشركين ، فقال : وإن الله على نصرهم لقدير وفيه تأكيد لما مر من المدافعة أيضا .
ثم وصف هؤلاء المؤمنين بقوله : الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق ويجوز أن يكون بدلا من الذين يقاتلون ، أو في محل نصب على المدح ، أو محل رفع بإضمار مبتدأ ، والمراد بالديار مكة إلا أن يقولوا ربنا الله قال : هو استثناء منقطع أي : لكن لقولهم ربنا الله . أي أخرجوا بغير حق يوجب إخراجهم لكن لقولهم ربنا الله . سيبويه
وقال الفراء : هو استثناء متصل ، والتقدير الذين أخرجوا من ديارهم بلا حق إلا بأن يقولوا ربنا الله ، فيكون مثل قوله سبحانه : والزجاج وما تنقم منا إلا أن آمنا وقول النابغة :
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب
ولولا دفع الله الناس قرأ نافع ( ولولا دفاع ) وقرأ الباقون ولولا دفع والمعنى : لولا ما شرعه الله للأنبياء والمؤمنين من قتال الأعداء لاستولى أهل الشرك ، وذهبت مواضع العبادة من الأرض ، ومعنى لهدمت لخربت [ ص: 967 ] باستيلاء أهل الشرك على أهل الملل ، فالصوامع : هي صوامع الرهبان ، وقيل : صوامع الصابئين ، والبيع : جمع بيعة ، وهي كنيسة النصارى ، والصلوات هي كنائس اليهود ، واسمها بالعبرانية صلوثا بالمثلثة فعربت ، والمساجد هي مساجد المسلمين .وقيل : المعنى : لولا هذا الدفع لهدمت في زمن موسى الكنائس ، وفي زمن عيسى الصوامع والبيع ، وفي زمن محمد المساجد .
قال ابن عطية : هذا أصوب ما قيل في تأويل الآية . وقيل : المعنى : ولولا دفع الله ظلم الظلمة بعدل الولاة ، وقيل : لولا دفع الله العذاب بدعاء الأخيار ، وقيل : غير ذلك .
والصوامع : جمع صومعة ، وهي بناء مرتفع ، يقال صمع الثريدة : إذا رفع رأسها ، ورجع أصمع القلب أي : حاد الفطنة ، والأصمع من الرجال : الحديد القول ، وقيل : الصغير الأذن . ثم استعمل في المواضع التي يؤذن عليها في الإسلام .
وقد ذكر ابن عطية في ( صلوات ) تسع قراءات ، ووجه تقديم مواضع عبادات أهل الملل على موضع عبادة المسلمين كونها أقدم بناء وأسبق وجودا .
والظاهر من الهدم المذكور معناه الحقيقي كما ذكره وغيره ، وقيل : المراد به المعنى المجازي ، وهو تعطلها من العبادة ، وقرئ لهدمت بالتشديد ، وانتصاب كثيرا في قوله : الزجاج يذكر فيها اسم الله كثيرا على أنه صفة لمصدر محذوف أي : ذكرا كثيرا ، أو وقتا كثيرا ، والجملة صفة للمساجد ، وقيل : لجميع المذكورات ولينصرن الله من ينصره اللام هي جواب لقسم محذوف أي : والله لينصر الله من ينصره ، والمراد بمن ينصر الله من ينصر دينه وأولياءه ، والقوي : القادر على الشيء ، والعزيز : الجليل الشريف قاله وقيل : الممتنع الذي لا يرام ولا يدافع ولا يمانع . الزجاج ،
والموصول في قوله : الذين إن مكناهم في الأرض في موضع نصب صفة لمن في قوله من ينصره قاله : وقال غيره هو في موضع جر صفة لقوله للذين يقاتلون . الزجاج
وقيل : المراد بهم المهاجرون والأنصار والتابعون لهم بإحسان ، وقيل : أهل الصلوات الخمس وقيل : ولاة العدل ، وقيل : غير ذلك ، وفيه إيجاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على من مكنه الله في الأرض وأقدره على القيام بذلك .
وقد تقدم تفسير الآية ، ومعنى ولله عاقبة الأمور أن مرجعها إلى حكمه وتدبيره دون غيره .
وقد أخرج عبد الرزاق وأحمد و عبد بن حميد وحسنه والترمذي والنسائي وابن ماجه والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن قال : ابن عباس مكة قال أبو بكر : أخرجوا نبيهم إنا لله وإنا إليه راجعون [ البقرة : 156 ] ليهلكن القوم ، فنزلت أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا الآية . لما أخرج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من
قال : وهي أول آية نزلت في القتال . قال ابن عباس الترمذي : حسن ، وقد رواه غير واحد عن وليس فيه الثوري ، انتهى . ابن عباس
وقد روي نحو هذا عن جماعة من التابعين .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن قال : ابن عباس الذين أخرجوا من ديارهم أي من مكة إلى المدينة بغير حق ، يعني محمدا - صلى الله عليه وآله وسلم - وأصحابه .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن مردويه عن قال : فينا نزلت هذه الآية عثمان بن عفان الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق والآية بعدها أخرجنا من ديارنا بغير حق : ثم مكناهم في الأرض أقمنا الصلاة وآتينا الزكاة وأمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر فهي لي ولأصحابي .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن قال : إنما أنزلت هذه الآية في أصحاب علي بن أبي طالب محمد ولولا دفع الله الناس الآية : قال لولا دفع الله بأصحاب محمد عن التابعين لهدمت صوامع .
وأخرج عبد بن حميد عن وابن أبي حاتم في قوله : ابن عباس لهدمت صوامع الآية قال : الصوامع التي تكون فيها الرهبان ، والبيع مساجد اليهود ، وصلوات كنائس النصارى ، والمساجد مساجد المسلمين .
وأخرجا عنه قال : البيع بيع النصارى ، وصلوات كنائس اليهود .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن وابن أبي حاتم في قوله : زيد بن أسلم الذين إن مكناهم في الأرض قال : أرض المدينة أقاموا الصلاة قال : المكتوبة وآتوا الزكاة قال : المفروضة وأمروا بالمعروف قال لا إله إلا الله ونهوا عن المنكر قال : عن الشرك بالله ولله عاقبة الأمور قال : وعند الله ثواب ما صنعوا .