وأخرج ابن مردويه عن قال : ابن عباس بمكة . نزلت سورة القارعة
بسم الله الرحمن الرحيم
القارعة ما القارعة وما أدراك ما القارعة يوم يكون الناس كالفراش المبثوث وتكون الجبال كالعهن المنفوش فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه فأمه هاوية وما أدراك ما هيه نار حامية
، لأنها تقرع القلوب بالفزع وتقرع أعداء الله بالعذاب ، والعرب تقول : قرعتهم القارعة : إذا وقع بهم أمر فظيع . القارعة من أسماء القيامة
قال : ابن أحمر
وقارعة من الأيام لولا سبيلهم لراحت عنك حينا
وقال آخر :متى نقرع بمروءتكم نسؤكم ولم يوقد لنا في القدر نار
قال : والعرب تحذر وتغري بالرفع كالنصب ، وأنشد قول الشاعر : الزجاج
لجديرون بالوفاء إذا قال أخو النجدة السلاح السلاح
ويؤيده أيضا قوله : وما أدراك ما القارعة فإنه تأكيد لشدة هولها ومزيد فظاعتها حتى كأنها خارجة عن دائرة علوم الخلق بحيث لا تنالها دراية أحد منهم ، وما الاستفهامية مبتدأ ، وأدراك خبرها وما القارعة مبتدأ وخبر ، والجملة في محل نصب على أنها المفعول الثاني ، والمعنى : وأي شيء أعلمك ما شأن القارعة ؟ .
ثم بين سبحانه متى تكون القارعة فقال : يوم يكون الناس كالفراش المبثوث وانتصاب الظرف بفعل محذوف تدل عليه القارعة : أي تقرعهم يوم يكون الناس إلخ ، ويجوز أن يكون منصوبا بتقدير اذكر .
وقال ابن عطية ، ومكي ، وأبو البقاء : هو منصوب بنفس القارعة ، وقيل هو خبر مبتدأ محذوف وإنما التقدير : ستأتيكم القارعة يوم يكون ، وقرأ برفع " يوم " على الخبرية للمبتدأ المقدر . زيد بن علي
والفراش : الطير الذي تراه يتساقط في النار والسراج والواحدة فراشة ، كذا قال أبو عبيدة وغيره .
قال الفراء : الفراش هو الطائر من بعوض وغيره ، ومنه الجراد .
قال وبه يضرب المثل في الطيش والهوج ، يقال : أطيش من فراشة وأنشد :
فراشة الحلم فرعون العذاب وإن يطلب نداه فكلب دونه كلب
وقد كان أقوام رددت حلومهم عليهم وكانوا كالفراش من الجهل
وتكون الجبال كالعهن المنفوش أي كالصوف الملون بالألوان المختلفة الذي نفش بالندف ، والعهن عند أهل اللغة : الصوف المصبوغ بالألوان المختلفة ، وقد تقدم بيان هذا في سورة سأل سائل وقد ورد في الكتاب العزيز أوصاف للجبال يوم القيامة ، وقد قدمنا بيان الجمع بينها .
ثم ذكر سبحانه وتفرقهم فريقين على جهة الإجمال فقال : أحوال الناس فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية قد تقدم القول في الميزان في سورة الأعراف وسورة الكهف وسورة الأنبياء .
وقد اختلف فيها هنا ، فقيل هي جمع موزون ، وهو العمل الذي له وزن وخطر عند الله ، وبه قال الفراء وغيره ، وقيل هي جمع ميزان ، وهو الآلة التي توضع فيها صحائف الأعمال ، وعبر عنه بلفظ الجمع ، كما يقال لكل حادثة ميزان ، وقيل المراد بالموازين الحجج والدلائل ، كما في قول الشاعر :
لقد كنت قبل لقائكم ذا مرة عندي لكل مخاصم ميزانه
قال : أي ذات رضا يرضاها صاحبها ، وقيل عيشة راضية : أي فاعلة للرضا ، وهو اللين والانقياد لأهلها . الزجاج
والعيشة كلمة تجمع النعم التي في الجنة .
وأما من خفت موازينه أي رجحت سيئاته على حسناته أو لم تكن له حسنات يعتد بها فأمه هاوية أي فمسكنه جهنم ، وسماها أمه ؛ لأنه يأوي إليها كما يأوي إلى أمه ، ، وسميت هاوية ؛ لأنه يهوي فيها مع بعد قعرها ، ومنه قول والهاوية من أسماء جهنم : أمية بن أبي الصلت
فالأرض معقلنا وكانت أمنا فيها مقابرنا وفيها نولد
يا عمرو لو نالتك أرماحنا كنت كمن تهوي به الهاوية
والمهوى والمهواة : ما بين الجبلين ، وتهاوى القوم في المهواة : إذا سقط بعضهم في إثر بعض .
قال قتادة : معنى فأمه هاوية : فمصيره إلى النار .
قال عكرمة : لأنه يهوي فيها على أم رأسه .
قال الأخفش : أمه مستقرة .
وما أدراك ما هيه هذا الاستفهام للتهويل والتفظيع بيان أنها خارجة عن المعهود بحيث لا تحيط بها علوم البشر ولا تدري كنهها .
ثم بينها سبحانه فقال : نار حامية أي قد انتهى حرها وبلغ في الشدة إلى الغاية وارتفاع " نار " على أنها خبر مبتدأ محذوف : أي هي نار حامية .
وقد أخرج ، ابن جرير وابن المنذر ، من طرق عن وابن أبي حاتم قال : القارعة من أسماء يوم القيامة . ابن عباس
وأخرج ابن المنذر عنه في قوله : فأمه هاوية قال : كقوله هوت أمه .
وأخرج عن ابن أبي حاتم عكرمة فأمه هاوية قال : أم رأسه هاوية في جهنم .
وأخرج ابن مردويه عن أنس قال : قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : وأخرج إذا مات المؤمن تلقته أرواح المؤمنين يسألونه ما فعل فلان ما فعلت فلانة ؟ فإذا كان مات ولم يأتهم قالوا خولف به إلى أمه الهاوية ، فبئست الأم وبئست المربية ابن مردويه من حديث نحوه . أبي أيوب الأنصاري
وأخرج من حديث ابن المبارك أبي أيوب نحوه أيضا .