بسم الله الرحمن الرحيم
ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ألم يجعل كيدهم في تضليل وأرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول
الاستفهام في قوله : ألم تر لتقرير رؤيته صلى الله عليه وسلم بإنكار عدمها .
قال الفراء : المعنى ألم تخبر .
وقال : ألم تعلم ، وهو تعجيب له صلى الله عليه وسلم الزجاج بأصحاب الفيل الذين قصدوا تخريب بما فعله الله الكعبة من الحبشة ، وكيف منصوبة بالفعل الذي بعدها ، ومعلقة لفعل الرؤية والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويجوز أن يكون لكل من يصلح له .
والمعنى : قد علمت يا محمد ، أو علم الناس الموجودون في عصرك ومن بعدهم بما بلغكم من الأخبار المتواترة من قصة أصحاب الفيل وما فعل الله بهم فما لكم لا تؤمنون ؟ والفيل هو الحيوان المعروف ، وجمعه أفيال ، وفيول ، وفيلة .
قال : ولا تقول أفيلة ، وصاحبه فيال ، وسيأتي ذكر قصة ابن السكيت أصحاب الفيل إن شاء الله .
ألم يجعل كيدهم في تضليل أي ألم يجعل مكرهم وسعيهم في تخريب الكعبة واستباحة أهلها في تضليل عما قصدوا إليه حتى لم يصلوا إلى البيت ولا إلى ما أرادوه بكيدهم ، والهمزة للتقرير كأنه قيل : قد جعل كيدهم في تضليل ، والكيد : هو إرادة المضرة بالغير ، لأنهم أرادوا أن يكيدوا قريشا بالقتل والسبي ، ويكيدوا البيت الحرام بالتخريب .
وأرسل عليهم طيرا أبابيل أي أقاطيع يتبع بعضها بعضا كالإبل المؤبلة .
قال أبو عبيدة : " أبابيل " جماعات في تفرقة ، يقال جاءت الخيل أبابيل : أي جماعات من هاهنا وهاهنا .
قال النحاس : وحقيقته أنها جماعات عظام ، يقال فلان وبل على فلان : أي تعظم عليه وتكبر ، وهو مشتق من الإبل ، وهو من الجمع الذي لا واحد له .
وقال بعضهم : واحده أبول مثل عجول .
وقال بعضهم : أبيل .
قال الواحدي : ولم نر أحدا يجعل لها واحدا .
قال الفراء : لا واحد له من لفظه .
وزعم الرؤاسي وكان ثقة أنه سمع في واحدها : إبالة مشددا .
وحكى الفراء أيضا : أبالة بالتخفيف .
قال : كانت طيرا من السماء لم ير قبلها ولا بعدها . سعيد بن جبير
قال قتادة : هي طير سود جاءت من قبل البحر فوجا فوجا مع كل طائر ثلاثة أحجار : حجران في رجليه ، وحجر في منقاره لا يصيب شيئا إلا هشمه .
وقيل كانت طيرا خضرا خرجت من البحر لها رؤوس كرؤوس السباع .
وقيل كان لها خراطيم الطير وأكف كأكف الكلاب .
وقيل في صفتها غير ذلك ، والعرب تستعمل الأبابيل في الطير كما في قول الشاعر :
تراهم إلى الداعي سراعا كأنهم أبابيل طير تحت دجن مسجن
وتستعملها في غير الطير كقول الآخر :كادت تهد من الأصوات راحلتي أن سألت الأرض بالجرد الأبابيل
قرأ الجمهور ترميهم بالفوقية .
وقرأ أبو حنيفة ، وأبو معمر ، وعيسى ، وطلحة بالتحتية ، واسم الجمع يذكر ويؤنث .
وقيل : الضمير في القراءة الثانية لله عز وجل .
قال : الزجاج من سجيل أي مما كتب عليهم العذاب به ، مشتقا من السجل .
قال في الصحاح قالوا : هي حجارة من طين طبخت بنار جهنم مكتوب فيها أسماء القوم .
قال : عبد الرحمن بن أبزى من سجيل من السماء ، وهي الحجارة التي نزلت على قوم لوط ، وقيل : من الجحيم التي هي سجين ، ثم أبدلت النون لاما ، ومنه قول ابن مقبل :
ضربا تواصت به الأبطال سجيلا
وإنما هو " سجينا " .قال عكرمة : كانت ترميهم بحجارة معها ، فإذا أصاب أحدهم حجر منها خرج به الجدري ، وكان الحجر كالحمصة وفوق العدسة ، وقد قدمنا الكلام في سجيل في سورة هود .
فجعلهم كعصف مأكول أي جعل الله أصحاب الفيل كورق الزرع إذا أكلته الدواب [ ص: 1656 ] فرمت به من أسفل ، شبه تقطع أوصالهم بتفرق أجزائه .
وقيل المعنى : أنهم صاروا كورق زرع قد أكلت منه الدواب وبقي منه بقايا ، أو أكلت حبه فبقي بدون حبه .
والعصف جمع عصفة وعصافة وعصيفة ، وقد قدمنا الكلام في العصف في سورة الرحمن فارجع إليه .
وقد أخرج ، عبد بن حميد وابن المنذر ، وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن قال : جاء ابن عباس أصحاب الفيل حتى نزلوا الصفاح فأتاهم عبد المطلب فقال : إن هذا بيت الله لم يسلط عليه أحدا ، قالوا : لا نرجع حتى نهدمه وكانوا لا يقدمون فيلهم إلا تأخر ، فدعا الله الطير الأبابيل ، فأعطاها حجارة سوداء عليها الطين ، فلما حاذتهم رمتهم فما بقي منهم أحد إلا أخذته الحكة ، فكان لا يحك الإنسان منهم جلده إلا تساقط لحمه .
وأخرج ابن المنذر ، والحاكم وأبو نعيم والبيهقي عنه قال : أقبل أصحاب الفيل حتى إذا دنوا من مكة استقبلهم عبد المطلب ، فقال لملكهم : ما جاء بك إلينا ؟ ألا بعثت فنأتيك بكل شيء ؟ فقال : أخبرت بهذا البيت الذي لا يدخله أحد إلا أمن ، فجئت أخيف أهله ، فقال : إنا نأتيك بكل شيء تريد فارجع ، فأبى إلا أن يدخله ، وانطلق يسير نحوه ، وتخلف عبد المطلب ، فقام على جبل فقال : لا أشهد مهلك هذا البيت وأهله ، فأقبلت مثل السحابة من نحو البحر حتى أظلتهم طير أبابيل التي قال الله : ترميهم بحجارة من سجيل فجعل الفيل يعج عجا فجعلهم كعصف مأكول وقصة أصحاب الفيل مبسوطة مطولة في كتب التاريخ والسير فلا نطول بذكرها .
وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن في قوله : ابن عباس ترميهم بحجارة من سجيل قال : حجارة مثل البندق وبها نضح حمرة مختمة مع كل طائر ثلاثة أحجار : حجران في رجليه ، وحجر في منقاره حلقت عليهم من السماء ثم أرسلت عليهم تلك الحجارة فلم تعد عسكرهم .
وأخرج أبو نعيم من طريق عطاء ، والضحاك عنه أن أبرهة الأشرم قدم من اليمن يريد هدم الكعبة ، فأرسل الله عليهم طيرا أبابيل - يريد مجتمعة - لها خراطيم تحمل حصاة في منقارها وحصاتين في رجليها ، ترسل واحدة على رأس الرجل فيسيل لحمه ودمه ويبقى عظاما خاوية لا لحم عليها ولا جلد ولا دم .
وأخرج ، ابن جرير وابن المنذر ، والبيهقي في الدلائل عنه أيضا فجعلهم كعصف مأكول يقول : كالتبن .
وأخرج في السيرة ابن إسحاق ، والواقدي وابن مردويه ، وأبو نعيم ، والبيهقي عن عائشة قالت : لقد رأيت قائد الفيل وسائسه بمكة أعميين مقعدين يستطعمان .
وأخرج نحوه عن الواقدي . أسماء بنت أبي بكر
وأخرج أبو نعيم والبيهقي عن قال : ابن عباس ولد النبي صلى الله عليه وسلم عام الفيل .
وأخرج ، ابن إسحاق وأبو نعيم ، والبيهقي قيس بن مخرمة قال : ولدت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل . عن