الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
263 - وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : لو أن أهل العلم صانوا العلم ووضعوه عند أهله ، لسادوا به أهل زمانهم ، ولكنهم بذلوه لأهل الدنيا لينالوا به من دنياهم ، فهانوا عليهم سمعت نبيكم - صلى الله عليه وسلم - يقول : " من جعل الهموم هما واحدا هم آخرته ، كفاه الله هم دنياه ، ومن تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا ، لم يبال الله في أي أوديتها هلك " . رواه ابن ماجه . ورواه البيهقي في ( شعب الإيمان )

التالي السابق


263 - ( وعن عبد الله بن مسعود قال : لو أن أهل العلم ) : أي : الشرعي ( صانوا العلم ) : أي : حفظوه عن المهانة بحفظ أنفسهم عن المذلة وملازمة الظلمة ومصاحبة أهل الدنيا طمعا لما لهم من جاههم ومالهم ، وعن الحسد فيما بينهم ، ووضع المظهر موضع المضمر تفخيما لشأنه ( ووضعوه عند أهله ) : أي : أهل العلم يعني : الذين يعرفون قدر العلم من أهل الآخرة ويلازمون العلماء ، فإن العلم يؤتى ولا يأتي ( لسادوا به ) : أي : فاقوا بالسيادة وفضيلة السعادة بسبب الصيانة والوضع عن أهل الكرامة دون أهل الإهانة ( أهل زمانهم ) : أي كمالا وشرفا لأن من شأن أهل العلم أن يكون الملوك فمن دونهم تحت أقدامهم وأقلامهم ، وطوع آرائهم وأحكامهم . قال تعالى : يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات قال الطيبي : وذلك لأن العلم رفيع القدر يرفع قدر من يصونه عن الابتذال . قال الزهري : العلم ذكر لا يحبه إلا ذكور الرجال أي : الذين يحبون معالي الأمور ويتنزهون عن [ ص: 332 ] سفسافها اهـ . وفي كلام الزهري إيماء بطريق المفهوم والمقابلة إلى أن الدنيا أنثى لا يحبها إلا ناقص العقل والدين فإنهم يحبون المراتب الدنية والله أعلم . ( ولكنهم بذلوه لأهل الدنيا ) : أي : بأن خصوهم به أو ترددوا إليهم به ( لينالوا به من دنياهم ) : لا لأجل الدين بالنصيحة والشفاعة وغيرهما ( فهانوا ) : أي : أهل العلم ذلوا قدرا ( عليهم ) : أي : مستثقلين على أهل الدنيا ، وفي بعض النسخ " علمهم " بدل " عليهم " وهو تصحيف لأن هان لازم بمعنى ذل ، ولا يصلح أن يصير متعديا إلا أن يقال بنزع الخافض أي في علمهم وبذله إياهم ( سمعت نبيكم - صلى الله عليه وسلم - ) : قال الطيبي ، هذا الخطاب توبيخ للمخاطبين حيث خالفوا أمر نبيهم ، فخولف بين العبارتين افتتانا ( يقول : ( من جعل الهموم ) : أي : الهموم التي تطرقه من محن الدنيا وكدرها ومر عيشها ( هما واحدا ) : قال الطيبي : هم الأمر يهم إذا عزم عليه اهـ . أي : من اقتصر على هم واحد من الهموم وترك سائر المطالب وبقية المقاصد وجعل كأنه لا هم إلا هم واحد ( هم آخرته ) : بدل من هما وهو هم الدين ( كفاه الله هم دنياه ) : المشتمل على الهموم يعني كفاه هم دنياه أيضا ( ومن تشعبت ) : وفي نسخة : تشعب ( به الهموم ) : أي : تفرقت يعني مرة اشتغل بهذا الهم وأخرى بهم آخر وهلم جرا ( [ في ] أحوال الدنيا ) : بدل من الهموم ( لم يبال الله ) : أي : لا ينظر إليه نظر رحمة ( في أي أوديتها ) : أي : أودية الدنيا أو الهموم ( هلك ) : يعني لا يكفيه هم دنياه ولا هم أخراه ، فيكون ممن خسر الدنيا والآخرة . ذلك هو الخسران المبين ( رواه ابن ماجه ) . عن ابن مسعود الحديث بكماله .




الخدمات العلمية