الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
عن nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : nindex.php?page=hadith&LINKID=951218من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان . رواه مسلم .
هذا الحديث خرجه مسلم من رواية nindex.php?page=showalam&ids=16836قيس بن مسلم ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16243طارق بن شهاب ، عن أبي سعيد ومن رواية إسماعيل بن رجاء ، عن أبيه ، عن أبي سعيد وعنده في حديث طارق قال : أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان ، فقام إليه رجل ، فقال : الصلاة قبل الخطبة ، فقال : قد ترك ما هنالك ، فقال أبو سعيد : أما هذا فقد قضى ما عليه ثم روى هذا الحديث .
وقد روى معناه من وجه آخر ، فخرجه مسلم من حديث nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951219ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي ، إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ، ويقتدون بأمره ، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ، ويفعلون ما لا يؤمرون ، فمن جاهدهم بيده ، فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بلسانه ، فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بقلبه ، فهو مؤمن ، ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل . [ ص: 244 ] وروى سالم المرادي عن عمرو بن هرم ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11867جابر بن زيد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : سيصيب أمتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم ، لا ينجو منه إلا رجل عرف دين الله بلسانه ويده وقلبه ، فذلك الذي سبقت له السوابق ، ورجل عرف دين الله فصدق به ، وللأول عليه سابقة ، ورجل عرف دين الله ، فسكت ، فإن رأى من يعمل بخير أحبه عليه ، وإن رأى من يعمل بباطل أبغضه عليه ، فذلك الذي ينجو على إبطائه وهذا غريب ، وإسناده منقطع .
وخرج الإسماعيلي من حديث أبي هارون العبدي - وهو ضعيف جدا - عن مولى لعمر ، عن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : توشك هذه الأمة أن تهلك إلا ثلاثة نفر : رجل أنكر بيده وبلسانه وبقلبه ، فإن جبن بيده ، فبلسانه وقلبه ، فإن جبن بلسانه وبيده فبقلبه .
وخرج أيضا من رواية nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي عن عمير بن هانئ ، عن علي سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : سيكون بعدي فتن لا يستطيع المؤمن فيها أن يغير بيد ولا بلسان ، قلت : يا رسول الله ، وكيف ذاك ؟ قال : ينكرونه بقلوبهم ، قلت : يا رسول الله ، وهل ينقص ذلك إيمانهم شيئا ؟ قال : لا ، إلا كما ينقص القطر من الصفا ، وهذا الإسناد منقطع . وخرج nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني معناه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد ضعيف .
[ ص: 245 ] فدلت هذه الأحاديث كلها على وجوب nindex.php?page=treesubj&link=24661إنكار المنكر بحسب القدرة عليه ، وأما إنكاره بالقلب لا بد منه ، فمن لم ينكر قلبه المنكر ، دل على ذهاب الإيمان من قلبه .
وقد روى عن أبي جحيفة ، قال : قال علي : إن أول ما تغلبون عليه من الجهاد الجهاد بأيديكم ، ثم الجهاد بألسنتكم ، ثم الجهاد بقلوبكم ، فمن لم يعرف قلبه المعروف ، وينكر قلبه المنكر ، نكس فجعل أعلاه أسفله .
وسمع nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود رجلا يقول : هلك من لم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود هلك من لم يعرف بقلبه المعروف والمنكر ، يشير إلى أن nindex.php?page=treesubj&link=25448معرفة المعروف والمنكر بالقلب فرض لا يسقط عن أحد فمن لم يعرفه هلك .
وأما nindex.php?page=treesubj&link=20191_20192_20193_20194الإنكار باللسان واليد ، فإنما يجب بحسب الطاقة ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : يوشك من عاش منكم أن يرى منكرا لا يستطيع له غير أن يعلم الله من قلبه أنه له كاره . وفي " سنن أبي داود " عن العرس بن عميرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951223إذا عملت الخطيئة في الأرض ، كان من شهدها فكرهها كمن غاب عنها ، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها ، فمن شهد الخطيئة ، فكرهها قلبه كان كمن لم يشهدها إذا عجز عن إنكارها بلسانه ويده ، ومن غاب عنها فرضيها ، كان كمن شهدها وقدر على إنكارها ولم ينكرها لأن nindex.php?page=treesubj&link=29483الرضا بالخطايا من أقبح المحرمات ، ويفوت به إنكار الخطيئة بالقلب ، وهو فرض على كل مسلم ، لا يسقط ، عن أحد في حال من الأحوال .
[ ص: 246 ] وخرج nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951224من حضر معصية فكرهها ، فكأنه غاب عنها ، ومن غاب عنها ، فأحبها ، فكأنه حضرها وهذا مثل الذي قبله .
فتبين بهذا أن nindex.php?page=treesubj&link=25448الإنكار بالقلب فرض على كل مسلم . في كل حال ، وأما nindex.php?page=treesubj&link=20193الإنكار باليد واللسان فبحسب القدرة ، كما في حديث nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951225ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ، ثم يقدرون على أن يغيروا فلا يغيروا ، إلا يوشك الله أن يعمهم بعقاب خرجه أبو داود بهذا اللفظ ، وقال : قال شعبة فيه : nindex.php?page=hadith&LINKID=951226ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أكثر ممن يعمله .
وخرج أيضا من حديث جرير سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : nindex.php?page=hadith&LINKID=951227ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي ، يقدرون أن يغيروا عليه فلا يغيرون ، إلا أصابهم الله بعقاب قبل أن يموتوا .
وخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ولفظه : nindex.php?page=hadith&LINKID=951228ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أعز وأكثر ممن يعمله ، فلم يغيروه ، إلا عمهم الله بعقاب .
وخرج أيضا من حديث عدي بن عميرة ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : nindex.php?page=hadith&LINKID=951229إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم [ ص: 247 ] قادرون على أن ينكروه فلا ينكرونه فإذا فعلوا ذلك عذب الله الخاصة والعامة .
وخرج أيضا هو nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري ، قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : nindex.php?page=hadith&LINKID=951230إن الله ليسأل العبد يوم القيامة ، حتى يقول : ما منعك إذا رأيت المنكر أن تنكره ، فإذا لقن الله عبدا حجته ، قال : يا رب رجوتك وفرقت الناس .
فأما ما أخرجه الترمذي ، nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه من حديث أبي سعيد أيضا ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في خطبته : nindex.php?page=hadith&LINKID=951231ألا لا يمنعن رجلا هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه ، وبكى أبو سعيد ، وقال : قد والله رأينا أشياء فهبنا . وخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد وزاد فيه : nindex.php?page=hadith&LINKID=951232فإنه لا يقرب من أجل ، ولا يباعد من رزق أن يقال بحق أو يذكر بعظيم .
وكذلك خرج nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه من حديث أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951233لا يحقر أحدكم نفسه قالوا : يا رسول الله ، كيف يحقر أحدنا نفسه ؟ قال : يرى أمر الله عليه فيه مقال ، ثم لا يقول فيه ، فيقول الله له يوم القيامة : ما منعك أن تقول في كذا وكذا ؟ فيقول : خشيت الناس ، فيقول الله : إياي كنت أحق أن تخشى .
[ ص: 248 ] فهذان الحديثان محمولان على أن يكون المانع له من الإنكار مجرد الهيبة ، دون الخوف المسقط للإنكار .
قال nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير : قلت nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس : آمر السلطان بالمعروف وأنهاه عن المنكر ؟ قال : إن خفت أن يقتلك ، فلا ، ثم عدت ، فقال لي مثل ذلك ، ثم عدت ، فقال لي مثل ذلك ، وقال : إن كنت لا بد فاعلا ، ففيما بينك وبينه .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس : أتى رجل nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، فقال : ألا أقوم إلى هذا السلطان فآمره وأنهاه ؟ قال : لا تكن له فتنة ، قال : أفرأيت إن أمرني بمعصية الله ؟ قال : ذلك الذي تريد ، فكن حينئذ رجلا . وقد ذكرنا حديث nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود الذي فيه : nindex.php?page=hadith&LINKID=951234يخلف من بعدهم خلوف ، فمن جاهدهم بيده ، فهو مؤمن الحديث ، وهذا يدل على nindex.php?page=treesubj&link=7854جهاد الأمراء باليد . وقد استنكر nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد هذا الحديث في رواية أبي داود ، وقال : هو خلاف الأحاديث التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها بالصبر على جور الأئمة . وقد يجاب عن ذلك بأن التغيير باليد لا يستلزم القتال . وقد نص على ذلك أحمد أيضا في رواية صالح ، فقال : التغيير باليد ليس بالسيف والسلاح ، وحينئذ فجهاد الأمراء باليد أن يزيل بيده ما فعلوه من المنكرات ، مثل [ ص: 249 ] أن يريق خمورهم أو يكسر آلات الملاهي التي لهم ، ونحو ذلك ، أو يبطل بيده ما أمروا به من الظلم إن كان له قدرة على ذلك ، وكل هذا جائز ، وليس هو من باب قتالهم ، ولا من الخروج عليهم الذي ورد النهي عنه ، فإن هذا أكثر ما يخشى منه أن يقتل الآمر وحده .
وأما nindex.php?page=treesubj&link=7854_20195الخروج عليهم بالسيف ، فيخشى منه الفتن التي تؤدي إلى سفك دماء المسلمين . نعم ، إن خشي في الإقدام على الإنكار على الملوك أن يؤذي أهله أو جيرانه ، لم ينبغ له التعرض لهم حينئذ ، لما فيه من تعدي الأذى إلى غيره ، كذلك قال nindex.php?page=showalam&ids=14919الفضيل بن عياض وغيره ، ومع هذا ، فمتى خاف منهم على نفسه السيف ، أو السوط ، أو الحبس ، أو القيد ، أو النفي ، أو أخذ المال ، أو نحو ذلك من الأذى ، سقط أمرهم ونهيهم ، وقد نص الأئمة على ذلك ، منهم مالك وأحمد وإسحاق وغيرهم .
قال أحمد : لا يتعرض للسلطان ، فإن سيفه مسلول .
وقال ابن شبرمة : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كالجهاد ، يجب على الواحد أن يصابر فيه الاثنين ، ويحرم عليه الفرار منهما ، ولا يجب عليه مصابرة أكثر من ذلك .
فإن خاف السب ، أو سماع الكلام السيئ ، لم يسقط عنه الإنكار بذلك نص عليه nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ، وإن احتمل الأذى ، وقوي عليه ، فهو أفضل ، نص عليه أحمد أيضا ، وقيل له : أليس قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951235ليس للمؤمن أن يذل نفسه أن يعرضها من البلاء ما لا طاقة له به ، قال : ليس هذا من ذلك .
[ ص: 250 ] ويدل على ما قاله ما خرجه أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي من حديث أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951236أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر .
وخرج nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه معناه من حديث أبي أمامة .
[ ص: 251 ] وفي " مسند البزار " بإسناد فيه جهالة nindex.php?page=hadith&LINKID=951237عن nindex.php?page=showalam&ids=5أبي عبيدة بن الجراح ، قال : قلت : يا رسول الله ، أي الشهداء أكرم على الله ؟ قال : رجل قام إلى إمام جائر ، فأمره بمعروف ، ونهاه عن منكر فقتله . وقد روي معناه من وجوه أخر كلها فيها ضعف .
وأما حديث : nindex.php?page=hadith&LINKID=951238لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه ، فإنما يدل على أنه إذا علم أنه لا يطيق الأذى ولا يصبر عليه ، فإنه لا يتعرض حينئذ للآمر ، وهذا حق ، وإنما الكلام فيمن علم من نفسه الصبر ، كذلك قاله الأئمة ، كسفيان وأحمد nindex.php?page=showalam&ids=14919والفضيل بن عياض وغيرهم .
وقد روي عن أحمد ما يدل على الاكتفاء بالإنكار بالقلب ، قال في رواية أبي داود : نحن نرجو إن أنكر بقلبه ، فقد سلم ، وإن أنكر بيده فهو أفضل ، وهذا محمول على أنه يخاف كما صرح بذلك في رواية غير واحد . وقد حكى nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي أبو يعلى روايتين عن أحمد في وجوب إنكار المنكر على من يعلم أنه لا يقبل منه ، وصح القول بوجوبه ، وهذا قول أكثر العلماء . وقد قيل لبعض السلف في هذا ، فقال : يكون لك معذرة ، وهذا كما أخبر الله عن الذين أنكروا على المعتدين في السبت أنهم قالوا لمن قال لهم : أتعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون [ الأعراف : 164 ] ، [ ص: 252 ] وقد ورد ما يستدل به على nindex.php?page=treesubj&link=26932سقوط الأمر والنهي عند عدم القبول والانتفاع به ، ففي " سنن أبي داود nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=hadith&LINKID=951239عن nindex.php?page=showalam&ids=1500أبي ثعلبة الخشني أنه قيل له : كيف تقول في هذه الآية : nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=105عليكم أنفسكم [ المائدة : 105 ] ، فقال : أما والله لقد سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : بل ائتمروا بالمعروف ، وانهوا عن المنكر ، حتى إذا رأيت شحا مطاعا ، وهوى متبعا ، ودنيا مؤثرة ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه ، فعليك بنفسك ، ودع عنك أمر العوام .
وفي " سنن أبي داود " عن nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951240بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ ذكر الفتنة ، فقال : إذا رأيتم الناس مرجت عهودهم ، وخفت أماناتهم ، وكانوا هكذا وشبك أصابعه ، فقمت إليه ، فقلت له : كيف أفعل عند ذلك ، جعلني الله فداك ؟ فقال : الزم بيتك ، واملك عليك لسانك ، وخذ بما تعرف ، ودع ما تنكر ، وعليك بأمر خاصة نفسك ، ودع عنك أمر العامة .
وعن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود قال : إذا اختلفت القلوب والأهواء ، وألبستم شيعا ، وذاق بعضكم بأس بعض ، فيأمر الإنسان حينئذ نفسه ، حينئذ تأويل هذه الآية .
[ ص: 253 ] وعن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : قال : هذه الآية لأقوام يجيئون من بعدنا ، إن قالوا لم يقبل منهم . وقال nindex.php?page=showalam&ids=15622جبير بن نفير عن جماعة من الصحابة ، قالوا : إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه ، فعليك حينئذ بنفسك ، لا يضرك من ضل إذا اهتديت .
وعن مكحول ، قال : لم يأت تأويلها بعد ، إذا هاب الواعظ ، وأنكر الموعوظ ، فعليك حينئذ بنفسك لا يضرك من ضل إذا اهتديت .
وعن الحسن : أنه كان إذا تلا هذه الآية ، قال : يا لها من ثقة ما أوثقها ! ومن سعة ما أوسعها ! .
وهذا كله قد يحمل على أن من nindex.php?page=treesubj&link=26932عجز عن الأمر بالمعروف ، أو خاف الضرر ، سقط عنه ، وكلام nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر يدل على أن من علم أنه لا يقبل منه ، لم يجب عليه ، كما حكي رواية عن أحمد ، وكذا قال nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي : مر من ترى أن يقبل منك .
وقوله صلى الله عليه وسلم في الذي ينكر بقلبه : nindex.php?page=hadith&LINKID=951241وذلك أضعف الإيمان يدل على أن nindex.php?page=treesubj&link=24661الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خصال الإيمان ، ويدل على أن من قدر على خصلة من خصال الإيمان وفعلها ، كان أفضل ممن تركها عجزا عنها ، ويدل على ذلك أيضا قوله صلى الله عليه وسلم في حق النساء : nindex.php?page=hadith&LINKID=951242أما نقصان دينها ، فإنها تمكث الأيام والليالي لا تصلي يشير إلى أيام الحيض ، مع أنها ممنوعة من الصلاة [ ص: 254 ] حينئذ ، وقد جعل ذلك نقصا في دينها ، فدل على أن من قدر على واجب وفعله ، فهو أفضل ممن عجز عنه وتركه ، وإن كان معذورا في تركه ، والله أعلم .
وقوله صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=treesubj&link=20203nindex.php?page=hadith&LINKID=951243من رأى منكم منكرا يدل على أن الإنكار متعلق بالرؤية ، فلو كان مستورا فلم يره ، ولكن علم به ، فالمنصوص عن أحمد في أكثر الروايات أنه لا يعرض له ، وأنه لا يفتش عما استراب به ، وعنه رواية أخرى أنه يكشف المغطى إذا تحققه ، ولو nindex.php?page=treesubj&link=20203سمع صوت غناء محرم أو آلات الملاهي ، وعلم المكان التي هي فيه ، فإنه ينكرها ، لأنه قد تحقق المنكر ، وعلم موضعه ، فهو كما رآه ، ونص عليه أحمد ، وقال : إذا لم يعلم مكانه ، فلا شيء عليه .
وأما nindex.php?page=treesubj&link=20203تسور الجدران على من علم اجتماعهم على منكر ، فقد أنكره الأئمة مثل nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري وغيره ، وهو داخل في التجسس المنهي عنه ، وقد قيل nindex.php?page=showalam&ids=10لابن مسعود : إن فلانا تقطر لحيته خمرا ، فقال : نهانا الله عن التجسس .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي أبو يعلى في كتاب " الأحكام السلطانية " : إن كان في المنكر الذي غلب على ظنه الاستسرار به بإخبار ثقة عنه انتهاك حرمة يفوت استدراكها كالزنا والقتل ، فله التجسس والإقدام على الكشف والبحث حذرا من فوات ما لا يستدرك من انتهاك المحارم ، وإن كان دون ذلك في الرتبة ، لم يجز التجسس عليه ، ولا الكشف عنه .
nindex.php?page=treesubj&link=20200والمنكر الذي يجب إنكاره : ما كان مجمعا عليه ، فأما المختلف فيه ، فمن أصحابنا من قال : لا يجب إنكاره على من فعله مجتهدا فيه ، أو مقلدا لمجتهد تقليدا سائغا .
واستثنى القاضي في " الأحكام السلطانية " ما ضعف فيه الخلاف وكان [ ص: 255 ] ذريعة إلى محظور متفق عليه ، كربا النقد الخلاف فيه ضعيف ، وهو ذريعة إلى ربا النساء المتفق على تحريمه ، وكنكاح المتعة ، فإنه ذريعة إلى الزنا . وذكر عن إسحاق بن شاقلا أنه ذكر أن المتعة هي الزنا صراحا .
عن nindex.php?page=showalam&ids=12998ابن بطة قال : لا يفسخ نكاح حكم به قاض إن كان قد تأول فيه تأويلا ، إلا أن يكون قضى لرجل بعقد متعة ، أو طلق ثلاثا في لفظ واحد ، وحكم بالمراجعة من غير زوج ، فحكمه مردود ، وعلى فاعله العقوبة والنكال .
والمنصوص عن أحمد الإنكار على اللاعب بالشطرنج ، وتأوله القاضي على من لعب بها بغير اجتهاد ، أو تقليد سائغ ، وفيه نظر ، فإن المنصوص عنه أنه nindex.php?page=treesubj&link=10091يحد شارب النبيذ المختلف فيه ، وإقامة الحد أبلغ مراتب الإنكار ، مع أنه لا يفسق بذلك عنده ، فدل على أنه ينكر كل مختلف فيه ضعف الخلاف فيه ، لدلالة السنة على تحريمه ، ولا يخرج فاعله المتأول من العدالة بذلك ، والله أعلم . وكذلك نص أحمد على nindex.php?page=treesubj&link=1542_20201الإنكار على من لا يتم صلاته ولا يقيم صلبه من الركوع والسجود ، مع وجود الاختلاف في وجوب ذلك .
واعلم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تارة يحمل عليه رجاء ثوابه ، وتارة خوف العقاب في تركه ، وتارة الغضب لله على انتهاك محارمه ، وتارة النصيحة للمؤمنين ، والرحمة لهم ورجاء إنقاذهم مما أوقعوا أنفسهم فيه من التعرض لغضب الله وعقوبته في الدنيا والآخرة ، وتارة يحمل عليه إجلال الله وإعظامه ومحبته ، وأنه أهل أن يطاع فلا يعصى ، ويذكر فلا ينسى ، ويشكر فلا يكفر ، وأنه يفتدى من انتهاك محارمه بالنفوس والأموال ، كما قال بعض السلف : وددت أن الخلق كلهم أطاعوا الله ، وأن لحمي قرض بالمقاريض . وكان عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز - رحمهما الله - يقول لأبيه : وددت أني غلت بي وبك القدور في الله عز وجل .
[ ص: 256 ] ومن لحظ هذا المقام والذي قبله ، هان عليه كل ما يلقى من الأذى في الله تعالى ، وربما دعا لمن آذاه ، كما قال ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لما nindex.php?page=hadith&LINKID=951244ضربه قومه فجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول : رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون .
وبكل حال يتعين الرفق في الإنكار ، قال nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري : nindex.php?page=treesubj&link=20196لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا من كان فيه خصال ثلاث : رفيق بما يأمر ، رفيق بما ينهى ، عدل بما يأمر ، عدل بما ينهى ، عالم بما يأمر ، عالم بما ينهى .
وقال أحمد : الناس محتاجون إلى مداراة ورفق الأمر بالمعروف بلا غلظة إلا رجلا معلنا بالفسق ، فلا حرمة له ، قال : وكان أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود إذا مروا بقوم يرون منهم ما يكرهون ، يقولون مهلا رحمكم الله ، مهلا رحمكم الله .
وقال أحمد : يأمر بالرفق والخضوع ، فإن أسمعوه ما يكره ، لا يغضب ، فيكون يريد ينتصر لنفسه .