[ ] ( و ) الثانية ( استشكل الحسن ) الواقع جمعه في كلام اجتماع الصحة والحسن الترمذي كثيرا وغيره ( مع الصحة في متن ) واحد ، كهذا حديث حسن صحيح ; لما تقرر من أن الحسن قاصر عن الصحيح ، ففي الجمع بينهما في حديث واحد جمع بين نفي ذلك القصور وإثباته ، ويقال في الجواب : لا يخلو إما أن يكون هذا القائل أراد الحسن الاصطلاحي أو اللغوي . كالبخاري
( فإن لفظا يرد ) أي : فإن يرد القائل به اللفظ ; لكونه مما فيه بشرى للمكلف ، وتسهيل عليه ، وتيسير له ، وغير ذلك مما تميل إليه النفس ، ولا يأباه القلب ، وهو اللغوي ، فهو كما قال غير مستنكر الإرادة ، وبه يزول الإشكال . ابن الصلاح
ولكن قد تعقبه ابن دقيق العيد بأنه إن أريد حسن اللفظ فقط ، ( فقل صف به ) [ ص: 122 ] أي : بالحسن ( الضعيف ) ولو بلغ رتبة الوضع ، يعني كما هو قصد الواضعين غالبا ، وذلك لا يقوله أحد من أهل الحديث إذا جروا على اصطلاحهم ، بل صرح البلقيني بأنه لا يحل إطلاقه في الموضوع ، يعني ولو خرجوا عن اصطلاحهم ; لأنه ربما أوقع في لبس ، وأيضا فحسن لفظه معارض بقبح الوضع أو الضعف .
لكن أجاب بمنع وروده بعد الحكم عليه بالصحة ، الذي هو فرض المسألة ، وهو حسن ، ولذلك تبعه شيخنا وغيره فيه .
على أنه قد يدعي أن الترمذي بالإسناد ; حيث قال : إنما أردنا به بحسن إسناده - يدفع إرادة حسن اللفظ ، ولكن لا يأتي هذا إذا مشينا على أن تعريفه إنما هو لما يقول فيه ، حسن فقط . تقييد
وأما قول ابن سيد الناس في دفع كلام : حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - كله حسن الألفاظ ، بليغ المعاني ، يعني فلم يخص بالوصف بذلك بعضه دون بعض ، فهو كذلك جزما ، لكن فيه ما هو في الترهيب ونحوه ; كـ ابن الصلاح وما هو في الترغيب والفضائل ; كالزهد والرقائق ونحو ذلك ، ولا مانع من النص في الثاني ونحوه على الحسن اللغوي . من نوقش الحساب عذب
ورد بأن المطابق للواقع في الترمذي غير محصور فيه ، والانفصال عنه - كما قال البلقيني - أن الوصف بذلك ، ولو كان بالترهيب باعتبار ما فيه من الوعيد والزجر بالأساليب البديعة .
وحينئذ فالإشكال باق ، ( أو ) إن ( يرد ما يختلف سنده ) ; بأن يكون الحديث [ ص: 123 ] بإسنادين : أحدهما حسن ، والآخر صحيح ، فيستقيم الجمع بين الوصفين باعتبار تعدد الإسنادين . وهذا الجواب أيضا . لابن الصلاح
وقد تعقبه ابن دقيق العيد أيضا بأنه وإن أمكن فيما روي من غير وجه لاختلاف مخرجه ( فكيف ) يمكن ( إن ) حديث ( فرد وصف ) بذلك ؟ ! كما يقع التصريح به في كلام الترمذي نفسه ; حيث يقول في غير حديث : إنه ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، أو لا نعرفه إلا من حديث فلان . حسن صحيح
وتبعه في رد هذين الجوابين تلميذه ابن سيد الناس ، قال : وأيضا فلو أراد أي : الجامع بين الوصفين واحدا منهما ، لحسن أن يأتي بواو العطف المشتركة ، فيقول : حسن وصحيح ; لتكون أوضح في الجمع بين الطريقين ، أو السند والمتن .
( ولأبي الفتح ) التقي محمد بن علي بن وهب بن مطيع بن أبي الطاعة القشيري المنفلوطي ثم القاهري المالكي ثم الشافعي ، عرف بابن دقيق العيد ، وهو الحافظ العلامة الشهير أعلم أهل عصره بفقه الحديث وعلله ، وقوة الاستنباط منه .
ومعرفة طرق الاجتهاد ، مع تقدمه في الزهد والورع والولاية ; بحيث كان يتكلم على الخواطر ، وناهيك بأنه هو القائل : ما تكلمت بكلمة ، ولا فعلت فعلا ، إلا أعددت لذلك جوابا بين يدي الله تعالى .
ذو التصانيف الكثيرة في الفنون ، وأحد من ولي قضاء مصر ، وفاق في القيام بالحق ، والصلابة في الحكم ، وعدم المحاباة ، بل كان إذا تخاصم إليه أحد من أهل الدولة ، بالغ في التشدد والتثبت ، فإن سمع ما يكرهه عزل نفسه ، فعل ذلك مرارا وهو يعاد .
وكان يقول : ضابط ما يطلب مني مما يجوز شرعا لا أبخل به . واستمر في القضاء حتى مات في صفر سنة اثنتين وسبعمائة ( 702 هـ ) ، ودفن بالقرافة ، ومولده في شعبان سنة خمس وعشرين وستمائة ( 625 هـ ) ( في كتابه الاقتراح ) في علوم الحديث الذي نظمه الناظم وشرحته ، بعد ردهما - كما [ ص: 124 ] تقدم - في الجواب عن الإشكال ما حاصله ( أن انفراد الحسن ) في سند أو متن ، الحسن فيه ( ذو اصطلاح ) أي : الاصطلاحي المشترط فيه القصور عن الصحة .
( وإن يكن ) الحديث ( صح ) أي : وصف مع الحسن بالصحة ( فليس يلتبس ) حينئذ الجمع بين الوصفين ، بل الحسن حاصل لا محالة تبعا للصحة .
وشرح هذا وبيانه : أن ههنا ، ولتلك الصفات درجات بعضها فوق بعض ; كالتيقظ والحفظ والإتقان مثلا ، ووجود الدرجة الدنيا كالصدق مثلا وعدم التهمة بالكذب - لا ينافيه وجود ما هو أعلى منه ; كالحفظ والإتقان ، فإذا وجدت الدرجة العليا ، لم يناف ذلك وجود الدنيا ; كالحفظ مع الصدق . صفات للرواة تقتضي قبول الرواية
فيصح أن يقال في هذا : إنه حسن باعتبار وجود الصفة الدنيا ، وهي الصدق مثلا ، صحيح باعتبار الصفة العليا ، وهي الحفظ والإتقان ، قال : وعلى هذا ( كل صحيح حسن لا ينعكس ) أي : وليس كل حسن صحيحا ، ويتأيد الشق الأول بقولهم : هذا حديث حسن ، في الأحاديث الصحيحة ، كما هو موجود في كلام المتقدمين .
وسبقه ابن المواق ، فقال : لم يخص الترمذي - يعني في تعريفه السابق - الحسن بصفة تميزه عن الصحيح ; فلا يكون صحيحا إلا هو غير شاذ ، ولا يكون صحيحا حتى تكون رواته غير متهمين ، بل ثقات .
قال : فظهر من هذا أن الحسن عنده صفة لا تخص هذا القسم ، بل قد يشركه فيها الصحيح ، فكل صحيح عنده حسن ولا ينعكس ، ويشهد لهذا أنه لا يكاد يقول في حديث يصححه إلا : حسن صحيح .
( و ) لكن قد ( أوردوا ) أي : ابن سيد الناس ومن وافقه على ذلك - كما أشير إليه أول القسم - ( ما صح من ) أحاديث ( أفراد ) ، أي : ليس لها إلا إسناد واحد ; لعدم اشتراط التعدد في الصحيح ( حيث اشترطنا ) في الحسن ( غير ما إسناد ) أي : غير إسناد ، فانتفى حينئذ - كما [ ص: 125 ] قال كالترمذي ابن سيد الناس - أن يكون كل صحيح حسنا . قال : نعم قوله : وليس كل حسن صحيحا ، صحيح .
قال شيخنا : وهو تعقب وارد ، ورد واضح . انتهى .
لكن قد سلف قول ابن سيد الناس نفسه : أن الترمذي عرف نوعا خاصا من الحسن ; يعني : فما عداه لا يشترط فيه التعدد ، كالصحيح .
وحينئذ فالعموم الذي أشار إليه ابن دقيق العيد بالنسبة إليه مطلق ، وبالحمل عليه يستقيم كلامه ، وأما إذا كان وجيها فالإشكال باق .
هذا مع أن شيخنا صرح بأن جواب ابن دقيق العيد أقوى الأجوبة عن هذا الإشكال ، ولكن التحقيق ما قاله أيضا - كما سبق بيانه عند تعريف الخطابي - أنهما متباينان ، ولذا مشى في توضيح النخبة على ثاني الأجوبة ، إذا لم يحصل التفرد .
وذكر آخر عند التفرد أصله لابن سيد الناس ، وعبارته : ومحصل الجواب في الجمع بينهما أن اقتضى للمجتهد ألا يصفه بأحد الوصفين ، فيقال فيه : " حسن " باعتبار وصفه عند قوم ، " صحيح " باعتبار وصفه عند قوم ، وغاية ما فيه أنه حذف حرف التردد ; لأن حقه أن يقول : حسن أو صحيح ، وهذا كما حذف حرف العطف ، يعني من الآخر . تردد أئمة الحديث في حال ناقله
وعلى هذا فما قيل فيه : حسن صحيح ، دون ما قيل فيه : " صحيح " ; لأن الجزم أقوى من التردد ، وهذا حيث التفرد ، وإلا فإطلاق الوصفين معا على الحديث يكون باعتبار إسنادين : أحدهما صحيح ، والآخر حسن .
وعلى هذا فما قيل فيه : حسن صحيح فوق ما قيل فيه : " صحيح " فقط ، إذا كان فردا ; لأن كثرة الطرق تقويه . والله أعلم .