9842 زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت : أم سلمة ابنة أبي أمية بن المغيرة الحبشة جاورنا بها خير جار ، أمنا على ديننا ، وعبدنا الله وحده النجاشي لا نؤذى ، ولا نسمع شيئا نكرهه ، فلما بلغ ذلك لما نزلنا أرض [ ص: 25 ] قريشا ، ائتمروا أن يبعثوا إلى فينا رجلين جلدين ، وأن يهدوا النجاشي هدايا مما يستطرف من متاع للنجاشي مكة ، وكان أعجب ما يأتيه منها الأدم ، فجمعوا له أدما كثيرا ، ولم يتركوا من بطارقته بطريقا إلا أهدوا له هدية ، وبعثوا بذلك مع عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي - ، ، وأمروهما أمرهم ، وقالوا لهما : ادفعوا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلموا وعمرو بن العاص بن وائل السهمي فيهم ، ثم قدموا النجاشي هداياه ، ثم اسألوه أن يسلمهم إليكم قبل أن يكلمهم ، قالت : فخرجا فقدما على للنجاشي ، ونحن عنده بخير دار ، وخير جار ، فلم يبق من بطارقته بطريق إلا دفعا إليه هديته قبل أن يكلما النجاشي ثم قالا لكل بطريق منهم : إنه قد ضوى إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء ، فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينكم ، وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم ، وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم ليردهم إليهم ، فإذا كلمنا الملك فيهم فأشيروا عليه أن يسلمهم إلينا ، ولا يكلمهم ، فإن قومهم أعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليهم ، فقالوا لهما : نعم . ثم قربوا هداياهم إلى النجاشي فقبلها منهم ثم كلماه ، فقالا له : أيها الملك ، قد صبا إلى بلدك منا غلمان سفهاء ، فارقوا دين قومهم ، ولم يدخلوا في دينك وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنت ، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأبنائهم وعشائرهم ; لنردهم إليهم ، فلهم أعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليهم ، وعاتبوهم فيه . ولم يكن شيء أبغض إلى النجاشي عبد الله بن أبي ربيعة ، من أن يسمع وعمرو بن العاص كلامهم ، فقالت بطارقته حوله : صدقوا أيها الملك قومهم أعلى بهم عيبا ، وأعلم بما عابوا عليهم ، فأسلمهم إليهم ، فليرداهم إلى بلادهم وقومهم . فغضب النجاشي ، وقال : لا ها الله ، ايم الله ، إذا لا أسلمهم إليهما ، ولا أكاد قوما جاوروني ونزلوا بلادي واختاروني على من سواي حتى أدعوهم فأسألهم عما يقول هذان في أمرهم ، فإن كانوا كما يقولان أسلمتهم إليهما ، ورددتهم إلى قومهم ، وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهما ، وأحسنت جوارهم ما جاوروني . قالت : ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدعاهم فلما جاءهم رسوله اجتمعوا فقال بعضهم لبعض : ما تقولون في الرجل إذا جئتموه ؟ قالوا : نقول والله ما علمنا وما أمرنا [ ص: 26 ] به نبينا - صلى الله عليه وسلم - كائن في ذلك ما هو كائن ، فلما جاءوه ، وقد دعا النجاشي أساقفته فنشروا مصاحفهم حوله ، سألهم فقال : ما هذا الدين الذي قد فارقتم فيه قومكم ، ولم تدخلوا في ديني ولا في دين أحد من هذه الأمم ؟ قالت : وكان الذي كلمه النجاشي - عليه السلام - قال : أيها الملك ، كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، ويأكل القوي منا الضعيف ، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه ، فدعانا إلى الله عز وجل ; لنوحده ، ونعبده ، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دون الله من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ، ونهانا عن الفواحش ، وشهادة الزور ، وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة ، وأمرنا أن نعبد الله لا نشرك به شيئا ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة . - قالت : فعدد عليه أمور الإسلام - فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به ، فعبدنا الله وحده لا نشرك به شيئا ، وحرمنا ما حرم علينا ، وأحللنا ما أحل لنا ، فغدا علينا قومنا فعذبونا ، وفتنونا عن ديننا ; ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله عز وجل ، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث ، فلما قهرونا وظلمونا ، وشقوا علينا ، وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلدك ، واخترناك على من سواك ، ورغبنا في جوارك ، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك . قالت : فقال جعفر بن أبي طالب : هل معك مما جاء به عن الله من شيء ؟ قالت : فقال له النجاشي جعفر : نعم . قالت : فقال له : فاقرأه . فقرأ عليه صدرا من : ( كهيعص ) قالت : فبكى والله النجاشي حتى أخضل لحيته ، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم ، ثم قال النجاشي : إن هذا والله والذي جاء به النجاشي موسى ليخرج من مشكاة واحدة . انطلقا فوالله لا أسلمهم إليكم أبدا ولا أكاد .
قالت : فلما خرجا من عنده ، قال أم سلمة : والله لآتينه غدا أعيبهم عنده بما استأصل به خضراءهم ، فقال له عمرو بن العاص عبد الله بن أبي ربيعة - وكان أتقى الرجلين فينا - : لا تفعل فإن لهم أرحاما ، وإن كانوا قد خالفونا . قال : والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى بن مريم - عليه السلام عبد - قالت : ثم غدا عليه الغد ، فقال : أيها الملك ، إنهم يقولون في عيسى بن مريم قولا عظيما . فأرسل إليهم فسلهم عما يقولون فيه ؟ ! [ ص: 27 ] قالت : فأرسل إليهم يسألهم عنه ، قالت : ولم ينزل بنا مثلها ، واجتمع القوم ، فقال بعضهم لبعض : ما تقولون في عيسى إذا سألكم عنه ، قالوا : نقول والله ما قال الله - عز وجل - وما جاء به نبينا - صلى الله عليه وسلم - كائن في ذلك ما هو كائن ، فلما دخلوا عليه قال لهم : ما تقول في عيسى بن مريم ؟ فقال له : نقول فيه الذي جاء به نبينا - صلى الله عليه وسلم - : " هو عبد الله ورسوله وروحه ، وكلمته ألقاها إلى جعفر بن أبي طالب مريم العذراء البتول " . قال : فضرب يده إلى الأرض فأخذ منها عودا ثم قال : ما عدا النجاشي عيسى بن مريم ما قلت هذا العود . فتناخرت بطارقه حوله حين قال ما قال . فقال : وإن نخرتم والله ، اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي - والسيوم : الآمنون - من سبكم غرم ، ثم من سبكم غرم ، ثم من سبكم غرم . ما أحب أن لي دبرا ذهبا ، وأني آذيت رجلا منكم - والدبر بلسان الحبشة : الجبل - ردوا عليهما هداياهما فلا حاجة لي فيهما ، فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي ، فآخذ فيه الرشوة ، وما أطاع الناس في ، فأطيعهم فيه . فخرجا من عنده مقبوحين مردودا عليهما ما جاءا به ، وأقمنا عنده في خير دار مع خير جار ، فوالله إنا لعلى ذلك إذ نزل به - يعني : من ينازعه في ملكه - قالت : والله ما علمنا حزنا قط كان أشد من حزن حزناه عند ذلك ; تخوفا أن يظهر ذلك على ، فيأتي رجل لا يعرف من حقنا ما كان النجاشي يعرف منه . النجاشي
قالت : وسار وبينهما عرض النيل ، قالت : فقال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من رجل يخرج حتى يحضر وقيعة القوم ثم يأتينا ؟ قالت : فقال النجاشي : أنا ، قالت : وكان من أحدث القوم سنا . قالت : فنفخوا له قربة فجعلوها في صدره فسبح عليها حتى خرج إلى ناحية النيل التي بها ملتقى القوم ، ثم انطلق حتى حضرهم ، قالت : ودعونا الله عز وجل الزبير بن العوام بالظهور على عدوه ، والتمكين له في بلاده . واستوسق عليه أمر للنجاشي الحبشة ، فكنا عنده في خير منزل حتى قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بمكة . رواه وعن أحمد ، ورجاله رجال الصحيح غير إسحاق ، وقد صرح بالسماع .