مسألة : قال الشافعي - رضي الله عنه - : " ، وقال بعض الناس : لا يلاعن ، وإن طلق وباع بإيماء أو بكتاب يفهم جاز . قال : وأصمتت ويلاعن الأخرس إذا كان يعقل الإشارة فقيل لها : لفلان كذا ولفلان كذا فأشارت أن نعم ، فرفع ذلك فرأيت أنها وصية " . أمامة بنت أبي العاص
قال الماوردي : الخرس على ضربين :
أحدهما : أن يكون من أصل الخلقة .
والثاني : أن يكون لعلة ، فإن كان من أصل الخلقة موجودا مع الولادة ، فهذا مستقر لا يرجى زواله ، فيكون هذا الأخرس في الأحكام المتعلقة بأقواله معتبرا بها حال الإشارة ، فإن لم يصح منه عقد ولا قذف ولا لعان ، وإن كان مفهوم الإشارة ، مقروء الكتابة صحت عقوده اتفاقا . كان غير مفهوم الإشارة ، ولا مقروء الكتابة
واختلف في صحة قذفه ولعانه ، فذهب الشافعي إلى صحة قذفه بالإشارة ولعانه بها .
وقال أبو حنيفة : لا يصح منه قذف ولا لعان ، واستدل على بطلان قذفه بأن الإشارة كناية . والقذف لا يثبت بالكنايات ، واستدل على أن لعانه لا يصح بأن اللعان عنده شهادة ، والشهادة لا تصح من الأخرس .
[ ص: 24 ] وتحريره قياسا : أن تورع بأن قال ما افتقر إلى لفظ الشهادة لم يصح من الأخرس كالشهادة .
ودليلنا : هو أن من صح طلاقه وظهاره صح قذفه ولعانه كالناطق ، ولأن ما اختص به من الحقوق تقوم إشارته فيه مقام نطقه كالعقود ، ولأنه لما صح منه النكاح مع تأكيده بالولي والشاهدين ، فأولى أن يصح منه ما هو أخف من القذف واللعان ، ولأنه لما صح منه الطلاق مع جواز نيابة وكيله فيه فأولى أن يصح منه ما لا تجوز النيابة فيه من قذف ولعان ، ولأن الخرس أن لا تمنع من اليمين فوجب أن لا تمنع من اللعان كالطرش .
فأما الجواب عن استدلالهم بأن الإشارة بالقذف كناية ولا يثبت بها ، فهو أنها كناية من الناطق ، وصريح من الأخرس ، كما يصح النكاح بإشارته وإن لم يصح بالكناية .
وأما الجواب عن استدلالهم بالشهادة . فاللعان عندنا يمين ، ويمين الأخرس تصح بالإشارة ، والشهادة فقد جوزها أبو العباس بن سريج بإشارته ، فيكون الأصل على قوله غير مسلم ، والذي عليه جمهور أصحابنا : أنه لا تصح شهادته وإن صح قذفه ولعانه لوقوع الفرق بينهما من وجهين :
أحدهما : أن غيره يقوم مقامه في الشهادة ، ولا يقوم مقامه في القذف .
والثاني : أن القذف واللعان يختصان به ، فدعت الضرورة إلى إمضائه بإشارته ، كالنكاح والطلاق ، والشهادة لا تختص به فلم تدع الضرورة إلى إمضائها بإشارته ، والله أعلم .