مسألة : قال الشافعي - رضي الله عنه - : " ومتى أبى اللعان فحددته إلا سوطا ثم قال : أنا ألتعن قبلت رجوعه ولا شيء له فيما مضى من الضرب ، كما يقذف الأجنبية ويقول : لا آتي بشهود فيضرب بعض الحد ثم يقول : أنا آتي بهم فيكون ذلك له ، وكذلك المرأة إذا لم تلتعن فضربت بعض الحد ثم تقول : أنا ألتعن ، قبلنا " .
قال الماوردي : وهذا صحيح ، إذا كان له أن يلتعن ، وهكذا امتنع الزوج بعد قذفه من اللعان فحد بعض الحد أو أكثره إلا سوطا ثم أجاب إلى اللعان جاز لها أن تلتعن ، وحكى بعض أصحاب الخلاف عن الزوجة إذا لاعنها وامتنعت من اللعان بعده فحدت بعض الحد ثم أجابت إلى اللعان أبي حنيفة أنه متى أجاب الزوج إلى اللعان بعد الشروع في حده لم يجب إليه ، واستوفي ، وكذلك الزوجة ، وهذا مخالف لأصله لأنه لا يوجب بقذف الزوج حدا عليه ، ويحبسه حتى يلاعن ، ولا يوجب بلعانه حدا عليها ويحبسها حتى تلاعن فإن كان هذا المحكي عنه مذهبا له ناقض أصله ، وإن لم يكن مذهبا له فنستدل على فساده لجواز أن يكون مذهبا لغيره .
والدليل على جواز ، شيئان : اللعان بعد الشروع في الحد
[ ص: 41 ] أحدهما : أن اللعان في إدراء الحد كالبينة ، ثم ثبت أن بينته تقبل بعد الشروع في حده ، فكذلك التعانه يقبل .
والثاني : أنه لما جاز أن يسقط باللعان جميع الحد ، كان إسقاطه بعض الحد به أولى فإن قيل : فاللعان عندكم يمين واليمين إذا نكل عنها المدعى عليه ثم أجاب إليها بعد ردها على المدعي لم يجز أن تعاد إليه ، فهلا كان اللعان بعد النكول عنه كذلك ؟
قيل : الفرق بينهما أن اليمين حجة للمدعى عليه ، فإذا نكل عنها المدعى عليه صارت حجة للمدعي ، فلم يجز أن تعاد إليه ، واللعان حق له لا ينتقل عنه ، فإذا أجاب إليه بعد امتناعه أجيب إليه .