[ ص: 268 ] دخول المشرك المسجد
مسألة : قال الشافعي ، رضي الله عنه : " ولا بأس أن يبيت المشرك في كل مسجد إلا المسجد الحرام لقول الله جل وعز : فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا [ التوبة : 28 ] . ( قال المزني ) : فإذا بات فيه المشرك فالمسلم الجنب أولى أن يجلس فيه ، ويبيت ، وأحب إعظام المسجد عن أن يبيت فيه المشرك أو يقعد فيه " .
قال الماوردي : وهذا صحيح .
وجملة المشركين ضربان :
أحدهما : أن يكونوا ممن قد شرط عليهم في عقد ذمتهم وقبول حريتهم أن لا يدخلوا مساجدنا فهؤلاء ليس لهم دخول مسجد بحال .
والضرب الثاني : أن لا يكونوا ممن لا يشترط ذلك عليهم فقد اختلف الناس في ذلك على ثلاثة مذاهب :
أحدها : وهو مذهب الشافعي أنه يجوز لهم أن يدخلوا مساجدنا بإذننا إلا الحرم ، ومساجده ، فلا يجوز لهم دخوله .
والثاني : وهو قول مالك لا يجوز لهم دخول مسجد بحال لا الحرم ولا غيره .
والثالث : وهو قول أبي حنيفة : يجوز لهم دخول المسجد كلها في الحرم وغيره .
والدلالة عليهما قوله تعالى : فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا [ التوبة : 28 ] فسقط بصريح الآية قول أبي حنيفة ، لأن الله تعالى منعهم من دخول المسجد ، وأبو حنيفة أجازه لهم ، وسقط بدليلها قول مالك ، لأنه خص منعهم بالمسجد الحرام يعني : الحرم فدل على أن غير الحرم مخالف له في الحكم المعلق به ، وليس نصه على الحرم تنبيها على غيره ، لأنه لو أراد ذلك لنص على ما دونه في الحرم ، ثم من الدليل على مالك رواية عثمان بن أبي العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم أنزل وفد ثقيف في المسجد " وروي أن مشركي قريش لما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم في فدي أسراهم أنزلهم في المسجد . قال جبير بن مطعم : فكنت فيهم حيث أسمع قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وروي أنه صلى الله عليه وسلم شد ثمامة بن أثال على سارية من سواري المسجد " ، فأما المزني : فإنه منع المشرك من دخول المسجد ، والمبيت فيه بكل قال : لأنه لو جاز ذلك له لكان الجنب المسلم أولى به لموضع حرمته وتشريفه فلما لم يجز للمسلم المبيت فيه كان المشرك أولى .
[ ص: 269 ] والفرق بينهما من وجهين :
أحدهما : كتاب الله عز وجل ، الوارد بالفرق بين حاليهما . قال الله تعالى : ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا [ النساء : 43 ] وقال تعالى : وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله [ التوبة : 6 ] ففرق الله سبحانه بينهما فلم يجز لأحد أن يجمع بينهما .
والثاني : أن معنى المشرك الذي هو ممنوع من أجله يرجى زواله بدخول المسجد ومقامه فيه إذا سمع كلام الله تعالى وظهور حجته ، فربما أسلم من شركه ولا يرجى لمقام الجنب فيه زوال جنابته ، وارتفاع حدثه إلا بالغسل ، والمساجد لم تبن للغسل ، وإنما بنيت لذكر الله سبحانه والصلاة .