فصل : فإذا ثبت أن الخوف لا يسقط من عدد ركعات الصلاة شيئا ، انتقل الكلام إلى ، كيفية الصلاة وصفة أدائها إن ولاه ظهره واستقبل القبلة ، فينبغي أن يفرق أصحابه فريقين : فريق تجاه العدو ويصلي بالطائفة الأخرى ركعة ، فإذا قام إلى الثانية فارقوه وأموا لأنفسهم والإمام قائم في الثانية ، فإذا فرغوا وقفوا تجاه العدو ، وجاءت تلك الطائفة فصلى الإمام بها الركعة الثانية ثم قاموا فأتموا صلاتهم والإمام جالس في التشهد ينتظرهم ، فإذا فرغوا من الركعة الثانية سلم بهم وهذه صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فإذا كان العدو غير مأمون وقد استقبل القبلة بوجهه واستدبرها المسلمون ولم يأمن الإمام نكاية العدو بذات الرقاع . رواها الشافعي عن مالك عن يزيد بن رومان عن صالح بن خوات عن جبير عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف بذات الرقاع ووصف ما ذكرناه ، ورواه صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة أيضا .
وقال أبو حنيفة : يصلي بإحدى الطائفتين ركعة ثم تمضي فتقف بإزاء العدو ، ثم يصلي بالطائفة الأخرى ركعة ويسلم ، ثم تمضي هذه الطائفة وتقف بإزاء العدو ، ثم تخرج تلك فتتم [ ص: 461 ] صلاتها وتقف بإزاء العدو ، ثم تتم الطائفة الثانية صلاتها ونسبت هذه الصلاة إلى ذات السلاسل وذي قرد ، ورواها سالم عن ابن عمر . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف وساق ما حكاه
، فأما وإذا تقابل الحديثان وجب الاستدلال بترجيح الأخبار وتقديم أحد المذهبين بشواهد الأصول أبو حنيفة فرجح مذهبه بشواهد الأصول من وجهين :
أحدهما : أن قال : وجدت الأصول مبنية على ولا يحصل له من أفعالها ما لم يحصل له ، ومذهبكم يؤدي إلى هذا في الطائفة الأولى . المأموم لا يخرج من الصلاة قبل إمامه
والوجه الثاني من الترجيح أن قال : والأصول مبنية على أن ، ومذهبكم يؤدي إلى هذا في الطائفة الثانية . المأموم ينتظر الإمام ولا يجوز للإمام أن ينتظر المأموم
وما ذهبنا إليه أصح ؛ لأن الكتاب يقتضيه ، والسنة تدل عليه ، والأصول تشهد له ، وأما الكتاب فيقتضيه من وجهين :
أحدهما : لقوله تعالى : وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك [ النساء : 102 ] فأضاف الفعل إليه ، ثم قال تعالى : فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم [ النساء : 102 ] . فأضاف فعل السجود عليهم ، فاقتضى الظاهر انفرادهم به ، ثم أباحهم الانصراف بعد فعله فصار تقدير قوله تعالى : فأقمت لهم الصلاة ، صليت بهم ركعة ، فعبر عنه بالقيام الذي هو ركن فيها ، وقوله تعالى : فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم [ النساء : 102 ] . أي : صلوا الركعة الثانية فلينصرفوا . فعبر عنه بالسجود الذي هو ركن فيها ، فسقط به مذهب أبي حنيفة في الطائفة الأولى .
والثاني : قوله تعالى : ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك [ النساء : 102 ] . فظاهر قوله تعالى : لم يصلوا أي لم يصلوا شيئا منها ، وظاهر قوله تعالى : فليصلوا معك أي جميع الصلاة بكمالها ، فسقط به مذهب أبي حنيفة في الطائفة الثانية .
وأما السنة فما رويناه أولى من وجهين :
أحدهما : أنه أشهر .
والثاني : أن رواته أكثر .
وأما الاستشهاد بالأصول : فهي تشهد على فساد مذهبه من وجهين ، وعلى ترجيح مذهبنا من وجهين .
[ ص: 462 ] فأما الوجهان في إفساد مذهبه .
فأحدهما : أن المشي والعمل إذا كثر في الصلاة في حال الاجتياز أبطلها ومذهبه يقتضيه .
والثاني : أن استدبار القبلة في حال الاجتياز يبطلها ومذهبه يقتضيه .
وأما الوجهان في ترجيح مذهبنا :
فأحدهما : أن تسوية الإمام بين الفريقين أولى ومذهبنا يقتضيه ؛ لأنه يجعل للأولى ركعة ، وإحرام والثانية ركعة وسلام فتساوت الركعتان وكان الإحرام مقابلا للسلام .
والثاني : أن ما كان أبلغ في الاحتراز من العدو كان أولى ومذهبنا يقتضيه من وجهين :
أحدهما : لسرعة الفراغ .
والثاني : أن من يحرس غير مصل يقدر على خوف العدو وقتاله ، فأما ترجيحه الأول : فيفسد بالإمام إذا سبقه الحدث فاستخلف ، وأما ترجيحه الثاني فيفسد بالإمام إذا كان راكعا فانتظر داخلا في الصلاة .