الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          ويكره أن يؤم قوما أكثرهم له كارهون ، وقيل : ديانة ، وقيل : أو استويا وأطلق ابن الجوزي وجهين إذا استويا ، وجزم بعضهم : [ ص: 11 ] الأولى تكره قال الأصحاب : يكره لخلل في دينه أو فضله ، اقتصر عليه في الفصول والغنية وغيرهما .

                                                                                                          وقال شيخنا : إذا كان بينهم معاداة من جنس معاداة أهل الأهواء والمذهب فلا ينبغي أن يؤمهم ; لأن [ ص: 12 ] المقصود بالصلاة جماعة إنما يتم بالائتلاف ، ولهذا قال عليه السلام { : لا تختلفوا فتختلف قلوبكم } وقال { : اقرءوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم فإذا اختلفت فقوموا } وقال صاحب المحرر : أو لدنيا ، وهو ظاهر كلام جماعة ، وقيل : تفسد صلاته ( خ ) لخبر أبي غالب عن أبي أمامة مرفوعا { ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم : العبد الآبق حتى يرجع ، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط ، وإمام قوم وهم له كارهون } أبو غالب ضعفه ابن سعيد والنسائي وغيرهما ، ووثقه الدارقطني .

                                                                                                          وقال ابن عدي : لا بأس به ، رواه الترمذي ، وقال : حسن غريب ، وسبق قبل آخر فصل في صفة الصلاة خبر أبي هريرة ، وروى ابن ماجه ، عن محمد بن عبد الرحمن بن هياج . عن يحيى بن عبد الرحمن الأرحبي عن عبيدة بن الأسود ، عن القاسم بن الوليد ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { : ثلاثة لا يقبل الله لهم صلاة ، إمام قوم وهم له كارهون ، وامرأة باتت وزوجها عليها غضبان ، وأخوان متصارمان } ورواه ابن حبان عن الحسن بن سفيان ، [ ص: 13 ] عن أبي كريب ، عن يحيى ، ورواه الطبراني من حديث يحيى ، ورواه أيضا وجعل الثالث { وعبد آبق من مواليه } ورواه الحافظ الضيا في المختارة من طريقه ، وهو حديث حسن ، ورواته ثقات ، وسبق في ستر العورة بعد الصلاة في دار غصب ، صلاة الآبق ، وفي اللباس : هل يلزم من عدم القبول عدم الصحة ؟ نقل أبو طالب ، ينبغي أن يؤمهم .

                                                                                                          وقال شيخنا : أتى بواجب ، ومحرم يقاوم صلاته ، فلم تقبل ، إذ الصلاة المقبولة ما يثاب عليها ، قال في الفصول : تكره له الإمامة ، ويكره الائتمام به ، واستحب القاضي حيث لم يكره أن لا يؤمهم صيانة لنفسه .

                                                                                                          [ ص: 10 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 10 ] الثاني قوله : ويكره أن يؤم قوما أكثرهم [ له كارهون ] قيل : ديانة ، وقيل : أو استويا ، انتهى . قال في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمغني والكافي والمقنع والمحرر وغيرهم : يكره أن يؤم قوما أكثرهم له كارهون ، قال في الخلاصة : يكرهونه لمعنى في دينه .

                                                                                                          وقال في الكافي : فإن كانوا يكرهونه لسنة دينية فلا كراهة .

                                                                                                          وقاله في المغني والشرح .

                                                                                                          وقال في الرعاية الكبرى : ويكره أن يؤم أحد [ ص: 11 ] قوما يكرهه أكثرهم ديانة ، فإن اختلفوا عليه اعتبر قول أكثرهم ، وقيل : ديانة ، نص عليه .

                                                                                                          وقال الشارح بعدما استدل لكلامه في المقنع : فإن استوى الفريقان فالأولى أن لا يؤمهم ، إزالة لذلك الاختلاف ، انتهى .

                                                                                                          وقال في مجمع البحرين : ويكره أن يؤم قوما أكثرهم يكرهه لخلل في دينه أو فضله ، أو لشحناء بينهم في أمر دنيوي ونحوه ، فأما إن كرهوه لسنة أو دينه لميلهم إلى ضده فالأولى أن يصبر ولا يلتفت إلى كراهتهم ولو جهرة ، انتهى ، فهذا كلام الأصحاب في هذه المسألة . إذا علم ذلك ففي أكثر نسخ الكتاب : وقيل ديانة بالواو فيكون المقدم على هذه النسخة : حيث وجدت الكراهة من الأكثر ، أو استووا على القول الآخر كرهت إمامته ، سواء كرهوه ديانة أو لا ، وهو موافق لكلامه في الرعاية الكبرى فيما إذا اختلفوا عليه ، وكجماعة تقدم لفظهم ، وتقدم نقل الأصحاب أن الصحيح من المذهب لا بد أن يكرهوه بحق ، نص عليه ، وعليه الأكثر ، ويؤيد هذا قول المصنف ، قال الأصحاب : يكرهه لخلل في دينه ، أو فضله ، ووجد في بعض النسخ : قيل ديانة بغير واو فيكون هذا القول ليس في مقابلة قول آخر ; لأن قوله : وقيل أو استويا ، عائد إلى قوله : أكثرهم ، وعلى كلا التقديرين ليس في المسألة خلاف مطلق عند المصنف ، لكن في عبارته نوع خفاء ، وبعض نقص ، وهو قوله : له كارهون أو يكرهونه ، ويحتمل على التقدير الثاني أن يكون لنا قول مقابل لما ذكره ، وهو الكراهة مطلقا وهو ظاهر ما قدمه في الرعاية الكبرى ، كما تقدم ، وظاهر كلام جماعة ، وسقط من الكاتب ، فيكون قد أطلق الخلاف ، والله أعلم




                                                                                                          الخدمات العلمية