الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        إذا باع الثمرة بعد [ بدو ] الصلاح ، لزمه سقيها قبل التخلية وبعدها بقدر ما تنمى به الثمار وتسلم من التلف والفساد . فلو شرط كون السقي على المشتري ، بطل البيع ، ثم المشتري يتسلط على التصرف في الثمرة بعد تخلية البائع بينه وبينها من كل وجه . فإن عرضت جائحة من حر أو برد ، أو جراد ، أو حريق ، أو نحوها قبل التخلية ، فهي من ضمان البائع . فإن تلف جميع الثمار انفسخ البيع . وإن تلف بعضها انفسخ فيه . وفي الباقي قولا التفرق . وإن عرضت بعدها ، فإن كان باعها بعد بدو الصلاح ، فقولان . الجديد الأظهر : أن الجوائح من ضمان المشتري . والقديم : أنها من ضمان البائع . ولا فرق على القولين بين أن يشرط القطع ، أم لا . وقيل : إن شرطه ، كانت من ضمان المشتري قطعا ، لتفريطه ، ولأنه لا علقة بينهما ، إذ لا يجب السقي على البائع هنا ، وحكي هذا عن القفال . وقيل : إن شرطه ، كانت من ضمان البائع قطعا ; لأن ما شرط قطعه ، فقبضه بالقطع والنقل ، فقد تلفت قبل القبض .

                                                                                                                                                                        ويتفرع على كونها من ضمان البائع فروع . أحدها : أن المحكوم بكونه من ضمان البائع ، ما تلف قبل وقت الجداد أما ما تلف بعد وقت الجداد وإمكان النقل ، فمن ضمان المشتري على الأظهر . وقيل : على الأصح لتقصيره . وعلى الثاني : من ضمان البائع ، لعدم التسليم التام . قال [ ص: 565 ] الإمام : وهذا الخلاف إذا لم يعد مقصرا مضيعا بتأخيره ، كاليوم واليومين . فإن عد ، فلا مساغ للخلاف .

                                                                                                                                                                        الثاني : لو تلف بعض الثمر ، فالحكم على هذا القول كما لو تلف قبل التخلية . ولو عابت الثمرة بالجائحة ، ثبت الخيار على هذا القول ، كما

                                                                                                                                                                        [ لو ] عابت قبل التخلية . وعلى الجديد : لا يثبت .

                                                                                                                                                                        الثالث : لو ضاعت الثمرة بغصب أو سرقة ، فالمذهب : أنها من ضمان المشتري ، وبه قطع الأكثرون . وقيل : على القولين فالجائحة ، وبه قطع العراقيون .

                                                                                                                                                                        قلت : إذا قلنا بالقديم ، فاختلفا في الفائت بالجائحة ، فقال البائع : ربع الثمرة . وقال المشتري : نصفها ، فالقول قول البائع ; لأن الأصل براءة ذمته وعدم الهلاك .

                                                                                                                                                                        قال في " التتمة " : لو اختلفا في وقوع الجائحة ، فالغالب أنها لا تخفى ، فإن لم تعرف أصلا ، فالقول قول البائع بلا يمين . وإن عرف وقوعها عاما ، فالقول قول المشتري بلا يمين وإن أصابت قوما دون قوم ، فالقول قول البائع بيمينه ; لأن الأصل عدم الهلاك ولزوم الثمن . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        هذا الذي ذكرناه من القولين ، هو في الجوائح السماوية التي لا تنسب إلى البائع بحال . فأما إن ترك السقي وعرضت في الثمار [ آفة ] بسبب العطش . فإن تلفت ، فالمذهب : القطع بانفساخ العقد . وقيل فيه القولان كالسماوية . فإن قلنا : لا انفساخ ، لزم البائع الضمان بالقيمة أو المثل . وإنما يضمن ما تلف ، ولا ينظر إلى ما كان ينتهي إليه لولا العارض . وإن تعيبت ، فللمشترى الخيار . وإن قلنا : الجائحة من ضمانه ; لأن الشرع ألزم البائع تنمية الثمار بالسقي ، فالتعيب الحادث بترك [ ص: 566 ] السقي ، كالعيب المتقدم على القبض . وإن أفضى التعيب إلى تلف ، نظر ، إن لم يشعر به المشتري حتى تلف ، عاد الخلاف في الانفساخ ، ولزم البائع الضمان إن قلنا : لا انفساخ ولا خيار بعد التلف ، كذا قاله الإمام . وإن شعر به ولم يفسخ حتى تلف ، فوجهان . أحدهما : يغرم البائع ، لعدوانه . والثاني : لا ، لتقصير المشتري بترك الفسخ .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        باع الثمر مع الشجر ، فتلف الثمر بجائحة قبل التخلية ، بطل العقد فيه . وفي الشجر القولان . وإن تلف بعد التخلية ، فمن ضمان المشتري بلا خلاف .

                                                                                                                                                                        قلت : ولو كانت الثمرة لرجل ، والشجر لآخر ، فباعها لصاحب الشجرة ، وخلى بينهما ، ثم تلفت ، فمن ضمان المشتري بلا خلاف ، لانقطاع العلائق . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        اشترى طعاما مكايلة ، وقبضه جزافا ، فهلك في يده ، ففي انفساخ البيع وجهان ، لبقاء الكيل بينهما .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        من العوارض ، اختلاط الثمار المبيع بغيرها لتلاحقها . فأما الاختلاط الذي يبقى معه التمييز ، فلا اعتبار به . وأما غيره ، فإذا باع الثمرة بعد بدو الصلاح والشجرة تثمر في السنة مرتين ، نظر ، إن كان ذلك مما يغلب التلاحق فيه ، وعلم أن الحمل الثاني يختلط بالأول ، كالتين والبطيخ والقثاء والباذنجان ، لم يصح البيع ، [ ص: 567 ] إلا أن يشرط أن المشتري يقطع ثمرته عند خوف الاختلاط . وفي قول أو وجه : أنه موقوف . فإن سمح البائع بما حدث ، تبين انعقاد البيع ، وإلا فلا . ثم إذا شرط القطع فلم يتفق حتى اختلط ، فهو كالتلاحق فيما يندر . وإن كان مما يندر فيه التلاحق ، وعلم عدم الاختلاط ، أو لم يعلم كيف يكون الحال ، فيصح البيع مطلقا ، وبشرط القطع والتبقية . ثم إن حصل الاختلاط ، فله حالان .

                                                                                                                                                                        أحدهما : أن يحصل قبل التخلية ، فقولان . أحدهما : ينفسخ البيع ، لتعذر التسليم قبل القبض . وأظهرهما : لا ، لبقاء عين المبيع ، فعلى هذا ، يثبت للمشتري الخيار . وفي قول ضعيف : لا خيار . والاختلاط قبل القبض ، كهو بعده . ثم إن سمح البائع بترك الثمرة الجديدة للمشتري ، سقط خياره على الأصح كما سبق في نعل الدابة . وإن باع الثمرة قبل بدو الصلاح بشرط القطع ، فلم يتفق القطع حتى اختلطت ، جرى القولان في الانفساخ ، ويجريان فيما إذا باع حنطة فانصب عليها مثلها قبل القبض ، وكذا في المائعات . وإن اختلط الثوب بأمثاله ، أو الشاة المبيعة بأمثالها ، فالصحيح الانفساخ . وفي وجه : لا ، لإمكان تسليمه بتسليم الجميع . ولو باع جزة من القت بشرط القطع ، فلم يقطعها حتى طالت ، وتعذر التمييز ، جرى القولان . وقيل : لا ينفسخ هنا قطعا ، تشبيها لطولها بكبر الثمرة والشجرة ، وبنماء الحيوان ، وهو ضعيف ; لأن البائع يجبر على تسليم الأشياء المذكورة بزيادتها ، وهنا لا يجبر على تسليم ما زاد .

                                                                                                                                                                        الحال الثاني : أن يحصل الاختلاط بعد التخلية ، فطريقان

                                                                                                                                                                        أحدهما : القطع بعدم الانفساخ . وأصحهما عند الجمهور : أنه على القولين . فإن قلنا : لا انفساخ ، فإن تصالحا وتوافقا على شيء ، فذاك ، وإلا فالقول قول صاحب اليد في قدر حق الآخر . ولمن اليد في صورة الثمار ؟ فيه أوجه

                                                                                                                                                                        أحدها : للبائع . والثاني : للمشتري . والثالث : لهما . وفي صورة الحنطة للمشتري ، فإن كان المشتري أودعه الحنطة بعد القبض ثم اختلطت ، فالقول قول البائع .

                                                                                                                                                                        [ ص: 568 ] فرع

                                                                                                                                                                        باع شجرة عليها ثمرة للبائع ، وهي مما تثمر في السنة مرتين ، ويغلب تلاحقها ، لا يصح البيع إلا بشرط قطع البائع ثمرته عند خوف الاختلاط ، ويجيء فيه الخلاف المذكور فيما إذا كان المبيع هو الثمرة . ثم إذا تبايع بهذا الشرط ، فلم يتفق القطع حتى اختلطا ، أو كانت الشجرة مما يندر فيها التلاحق والاختلاط ، فاتفق وقوعه ، فطريقان . قال الأكثرون : في الانفساخ القولان . وقيل : لا انفساخ قطعا . فإن قلنا : لا انفساخ ، فسمح البائع بترك الثمرة القديمة ، أجبر المشتري على القبول . وإن رضي المشتري بترك الثمرة الحادثة ، أجبر البائع على القبول وأقر العقد . ويحتمل خلاف في الإجبار ، فإن استمرا على النزاع ، فالمثبتون للقولين قالوا : يفسخ العقد . والقاطعون قالوا : لا فسخ ، بل أيهما كانت الثمرة والشجرة في يده ، فالقول قوله في قدر ما يستحقه الآخر . قال في " التهذيب " : هذا هو القياس ; لأن الفسخ لا يرفع النزاع ، لبقاء الثمرة الحادثة للمشتري . وإن قلنا بالانفساخ ، استرد المشتري الثمن ورد الشجرة مع جميع الثمار ، قاله في " التتمة " .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية