الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

غيرتي شديدة تعيق قبولي الزواج من متزوج رغم كبر سني

السؤال

السلام عليكم
جزاكم الله خيراً على كل الجهود التي تبذلونها بهذا الموقع، أسأل الله أن يجعل كل ذلك في ميزان حسناتكم.

أنا فتاة ملتزمة ذات خلق ودين، جميلة ومتعلمة، محبوبة من الجميع، وأعمل كذلك، وبعمر ٣٧ عاماً، ولم أتزوج بعد، لحكمة أرادها الله، والحمد لله أولاً وآخراً.

هل أقبل بالزواج من متزوج؟ أعرف أني بعمر لا يتيح لي كثيراً من الخيارات، وأن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه)، لكني نفسياً أرفض فكرة الزواج من متزوج، بسبب غيرتي الشديدة، والتي قد تدمر حياتي الزوجية مستقبلاً، وقد كانت لي تجربة، إذ خطبت منذ سنوات لمتزوج، ولم نكمل لأسباب معينة، ولا أستطيع نسيان تلك المشاعر التي كنت أحملها لزوجته، وغيرتي الشديدة منها.

منذ فترة تقدم لي شخص متزوج، ولم أستطع تقبل الفكرة، لكني تذكرت حديث (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه)، فلم أرفض خوفاً من الله، وقبلت مبدئياً بالفكرة، لكني ضللت أدعو الله أن لا يتم الموضوع لأي سبب من الأسباب، غير رفضي، وبالفعل لم يتم الموضوع.

الله وحده يعلم أن سبب عدم قبولي الزواج بمتزوج خارج عن إرادتي، ولا أستطيع تحمل مشاعر الغيرة والكراهية التي سأكنها للزوجة الأولى، ولا أستطيع أن أعيش في أجواء مليئة بالقلق والتوتر، أو مكايدات النساء، ولا أستطيع تخيل أن يكون لزوجي امرأة غيري.

عندما أوازن بين الأمرين، أفكر أن أضل بدون زواج مرتاحة البال خير من حياة زوجية كهذه، لكن شعور الوحدة والحاجة لشريك حياة يعفني عن الحرام يجعلني أدعو الله أن يهبني قلباً غير قلبي هذا يتسع للزواج بمتزوج.

استشارتي أوجهها للاختصاصيين النفسيين، فهل يمكن أن تتغير مشاعري هذه إذا تزوجت بمتزوج؟ أعتقد أن تجربتي مع خطيبي السابق أثرت بي كثيراً، بالإضافة إلى طبعي الغيور.

هل سيعاقبني الله عز وجل عندما أرفض الزواج بمتزوج، إذا شعرت أن هذا الأمر فوق طاقتي؟

أسألكم الدعاء، شرح الله صدوركم، وسدد خطاكم، وجزاكم عنا خير الجزاء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ اسمهان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أنتم جزاكم الله خيراً على تواصلكم مع موقع الشبكة الإسلامية؛ وكان الله في عونكم ويسر أمركم.

مما ننصحك به التالي:
-عليك الأخذ بأسباب تيسير الزواج، والتي منها الاستعانة بالله تعالى؛ والتضرع إليه بالدعاء في أن يسير لك ذلك؛ ومن ذلك المداومة على العمل الصالح من صلاة وصيام وصدقة ونحوه، (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً) ومما يعين كثرة الذكر والاستغفار؛ والإكثار من قول: لا حول ولا قوة الا بالله؛ وسيأتي الفرج بإذن الله تعالى؛ وأرجو أن لا تقلقي من فوات قطار الزواج؛ فما زال الأمر ممكناً إذا قويت صلتك بالله؛ وأحسنت الظن به.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة حق على الله تعالى عونهم: المجاهد في سبيل الله والمكاتب الذي يريد الأداء والناكح الذي يريد العفاف) رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع 3050.

أما التجربة السابقة التي مررت بها في الزواج؛ ولم يحصل فيها إتمام أمر الزواج؛ أنت لم تذكري أسباب ذلك؛ والذي ننصح به هو عدم التفكير فيما سبق؛ وإدخال تلك التجربة طي النسيان، وحاولي من جديد، ولذلك سأجيبك على الأسئلة التي أوردتها.

- هل أقبل بالزواج من متزوج؟
الجواب عن ذلك لك أن تقبلي بالزواج من متزوج؛ فهذا أمر مشروع ومباح؛ قال تعالى: (فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا) سورة النساء آية ٣؛ وهناك نساء كثيرات قبلن بالزواج من متزوج؛ وحياتهن مستقرة، وفي خير وستر.

أنت ذكرت كلاماً جميلاً يدل على راجحة عقلك؛ وأنك تفكرين في المصلحة الراجحة، بعيداً عن العواطف، حيث قلت: ( أعرف أني بعمر لا يتيح لي كثيراً من الخيارات)، وبما أن السن قد تقدم بك؛ وقد لا تجدين من يتقدم لك إلا وهو متزوج بأخرى؛ فلذلك يمكن أن يكون قبول الزواج بمتزوج هو الخيار الأنسب، والله أعلم.

- هل يمكن أن تتغير مشاعري هذه إذا تزوجت بمتزوج؟
الجواب عن هذا: إن المرأة خلقها الله وجعل في فطرتها الغيرة؛ وأنها لا تريد أن تشاركها امرأة أخرى في زوجها؛ وهذه مشاعر كل أثنى، وهي مشاعر محمودة.

هذه المشاعر لا يمكن أن تذهب؛ ولكن يمكن أن تهذب ويمكن للمرأة أن تقبل الزواج بمتزوج؛ وتعيش حياة مستقرة آمنة؛ إذا هذبت غيرتها؛ وذلك بأن تعلم أن الزواج بمعدد يعفها، وتنجب منه ذرية صالحة خير من أن لا تكون متزوجة؛ أو قد تفكر في الحرام والعياذ بالله؛ فنصف زوج خير من لا زوج؛ أو عشيق خبيث؛ وتهذب الغيرة أيضاً بالدعاء وتقوية الإيمان بالله؛ والرضا بما قدر الله، وهذا الذي جرى خير للمرأة؛ وتهذب الغيرة بالممارسة الطبيعة في الحياة الزوجية، وترك التفكير في الأمر بأن زوجها معدد؛ وأن هناك ضرة معها؛ بل تحول تلك المشاعر إلى جانب إيجابي؛ وأنها يمكن أن تحب ضرتها، لأن تلك الضرة معينة لك في تحمل أعباء الحياة الزوجية، فهي تحمل عنك نصف المسؤولية التي تلزم نحو الزواج.

- هل سيعاقبني الله عز وجل عندما أرفض الزواج بمتزوج، إذا شعرت أن هذا الأمر فوق طاقتي؟
الجواب عن هذا؛ ليس عليك إثم ولا حرج؛ ولا يعاقبك الله على رفض الزواج بمتزوج؛ فتعدد الزوجات إنما هو مباح شرعاً؛ ليس واجباً؛ ولا يأثم تاركه.

أحب أن أنبه أنه قد يكون القبول بالزواج متزوج أمراً لازماً؛ إما مستحباً أو واجباً؛ إذا كانت المرأة قد تصل إلى العنوسة ولا تجد زوجاً غير معدد؛ وتخشى على نفسها من الوقوع في الحرام؛ ففي هذه الحالة لابد من التفكير في التعدد، وأن فيه مصالح تزيد على ما تتوقعه المرأة من المفاسد؛ ويمكن أن يكون في طاقة المرأة إذا قررت أن تجعله في قدرتها وطاقتها إذا رأت المصالح الظاهرة من تعدد الزوجات.

وفقكم الله لمرضاته.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً