الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من وسواس أفقدني إيماني، فكيف أسترجعه وأتخلص من وساوسي؟

السؤال

السلام عليكم..
سأسرد قصتي بكاملها عسى أن جد منكم نصحا وإرشادا.

عمري 25 سنة، أصلي، وأخلاقي حسنة، محبوب عند أهلي وعائلتي، أساعد من يحتاج إلي، وشخصية موسوسة.

مؤخرا تطورت وسوستي إلى وساوس العقيدة بين ليلة وضحاها، تمنيت الموت في البداية, المهم بدأت معي الوساوس كأين الله؟ من خلق الله؟ واسترسلت معها، لم أكن أعلم بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا المجال، بدأت أبحث علي أن أجد الجواب الشافي لكي أتخلص من هذه الوسوسة ولكن دون جدوى، كأنني أصب الزيت على النار!

تكاثرت الوساوس لدي حتى أضعفت إيماني وشككتني في كل شيء، لدرجة أن رأسي أصبح يؤلمني من كثرة التفكير، ومع ذلك لم أقطع الصلاة ولن أقطعها، وعندما يقول لي شخص ذلك محض الإيمان أقول في نفسي أين هو الإيمان لم يعد هناك إيمان.

أصبح صدري وقلبي خال من الإيمان، وقاس في نفس الوقت، كأنني لم أكن مسلما من قبل، ونفسيتي مدمرة، وأصبح كل تفكيري في هذا الأمر، أحلامي تبخرت, عملي لا أركز فيه، صلاتي كأنها عادة يومية؛ لأنها صلاة بدون خشوع، وعندما أقرأ القرآن كأنني أتلو كتابا عاديا.

مؤخرا أصبحت نفسيتي جيدة بعض الشيء؛ كأن الوسواس توقف عني، ولكن لم أعد أقتنع بأي شيء حول الدين كالمعجزات أو الرسول وغير ذلك, لا أعرف السبب؟ هل هو خلل في الدماغ؟ وعندما أبدأ أفكر في شيء يذهب تفكيري إلى أبعد الحدود، حتى أصبحت لا أريد التفكير في شيء يخص الدين، لا أعلم هل ما زلت على الملة رغم كل هذا أم لا؟!

مع ذلك لازلت أصلي، وأقرأ القرآن، وأبر والدي، وأصل الرحم، وأعامل الناس معاملة حسنة، وأتصدق، ولا أقدر فعل المحرمات، أقول في نفسي عسى الله أن يجد لي طريقا للخروج من هذه المعضلة الكبرى.

أعلم أنني إن لقيت الله بهذه الشكوك سأدخل النار لا محالة، لأنها استقرت بقلبي.

تمنيت لو رجعت بي الأيام إلى الوراء لما كنت استرسلت مع هذه الوساوس، وتمنيت أن ترجع بي أيام الإيمان وحب الحياة, مع الوقت أبدأ أتحسر على حالي وأبكي على ما فقدت، وأرى نفسي في جهنم، فكيف أسترجع الإيمان؟ فلا حياة في الحقيقة بلا إيمان؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ahmad حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في الشبكة الإسلامية، وأؤكد لك أن استشارتك قد وجدتْ منَّا اهتمامًا كبيرًا، وبالفعل الذي لديك هو وسواس قهري، لا شك في ذلك، والوساوس بكل أسف كثيرًا ما تتصيَّد الطيبين وأصحاب القلوب والعقول النَّيْرة، والذين لديهم منظومة عالية جدًّا من القيم والأخلاق. هذا الكلام أنا أقوله لك حقيقة علمية.

والوساوس تتنقل من موضوع إلى آخر، أو من فعلٍ إلى آخر، والوساوس تزيد وتنقص، هذه خصائصها، والوساوس كثيرًا ما تكون مستحوذة، وهي تتصادم مع المنظومة القيمية لدى الإنسان، وهذا هو الذي حدث لك وأشعرك بالإحباط - أيها الفاضل الكريم - وقطعًا استرسالك في مناقشة الوسواس، لأن الوسواس أيضًا هو مرض ذكي، يأخذ الإنسان في حبل تفكيرٍ متواصل، وتحليلات وتشريحات، ومحاولة إخضاع الأمور للمنطق دون جدوى، وهذا قطعًا يزيد من الوسواس، وهذا أيضًا هو الذي حدث لك.

البشرى الكبرى التي أنقلها لك - أخي الكريم - أن أصحاب الوساوس من هذا النوع هم من أصحاب الأعذار، كما أفاد علماؤنا جزاهم الله خيرًا.

واعلم - أيها الفاضل الكريم - أن خير القرون قد اشتكوا من الوساوس للرسول صلى الله عليه وسلم، فبعض الصحابة قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "والله لزوال السموات والأرض خيرٌ من أن نقول ما يأتي في نفوسنا"، قطعًا كانوا يقصدون الوساوس ذات المحتوى السخيف مثل الذي أتاك. الرسول صلى الله عليه وسلم طمأنهم أن ذلك من صريح الإيمان ومن صِدْق الإيمان، ونصحهم بأن يقول الواحد (آمنت بالله) ثم ثانيًا عليه أن ينتهي، بمعنى: ألَّا يخوض في هذا الفكر، يغلق الباب أمامه، يُحقِّره، والفكر هذا فكر مُلحّ، لكن بمزيد من الإصرار على إغلاق الباب أمام الفكر الوسواسي، ينتهي إن شاء الله تعالى.

أخي الكريم: إن شاء الله تعالى سوف تعود كما كنتَ سعيدًا ومستأنسًا بعباداتك، وكل الراحبة الفكرة والنفسية التي كنت تستمتع بها سوف تأتي. عالجْ هذا الوسواس من خلال ما ذكرته لك، وبتناول الأدوية المضادة للوساوس.

الآن أثبت العلم الحديث - وهذه نعمة كبيرة - أن الوساوس في معظمها مرتبطة باضطرابات في بعض المواد الدماغية والتي تُسمَّى بالموصِّلات العصبية، وفحص هذه المواد لا يتم في أثناء الحياة، وُجد أن اضطراب هذه المواد هو الذي يُسبب أو يُساعد في استمرارية الوسواس، ونحن ومن مبدأنا الشرعي العظيم الذي علَّمنا إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو: (ما جعل الله من داءٍ إلاَّ جعل له دواء، فتداووا عباد الله، علمه من علمه وجهله من جهله) - على هذا المبدأ العظيم أنا أدعوك بأن تذهب إلى الطبيب النفسي، ليصف لك أحد الأدوية المضادة للوساوس، وهي كثيرة، ومن أفضلها عقار (بروزاك) والذي يُسمَّى علميًا (فلوكستين).

وإن لم يتيسَّر لك - أخي الكريم - الذهاب إلى الطبيب النفسي؛ اتبع ما ذكرته لك، واذهب إلى الصيدلية واطلب هذا الدواء، حيث لا يحتاج لوصفة طبية في معظم الدول، لأنه دواء سليم وبسيط وغير إدماني.

الجرعة من البروزاك في حالتك هي: أن تبدأ بكبسولة واحدة يوميًا لمدة أسبوعين، ثم تجعلها كبسولتين يوميًا لمدة أربعة أشهر، ثم كبسولة واحدة يوميًا لمدة أربعة أشهر أخرى، ثم كبسولة يومًا بعد يومٍ لمدة شهرٍ، ثم تتوقف عن تناول الدواء. قطعًا سوف يفيدك بإذن الله تعالى، والمتابعة مع الطبيب سوف تكون أفيد.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • السعودية المخلوق

    السلام عليكم أول شيء الله يشفيه شفاء عاجل، ثاني شيء عليه بسورة البقرة مفيدة له بإذن الله ، عندي سؤال أريد إرسال موضوع عن مشكلتي ولا أعرف كيف أرسل مشكلتي، ساعدوني.

  • مصر محمد عبد الفتاح احمد

    السلام عليكم و رحمه الله و باركاته اريد ان اقول اني اعاني بمثل ما تعاني انت بالفعل يا اخي بل و ازيد.. اطمئن قلبي عندما قراءت كلامك لاني علمت اني ليس لوحدي اعاني في هذة المشكلة و اعتقد الحال فعلا كما قال الاخ ان نذهب الي الطبيب النفسي و ان شاء الله يتم الشفاء عليك و علي و من ما يعاني من هذة المشكلة اميين يارب العالمين

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً