الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أتعامل مع أمي وهي تغضب علي كثيراً بسبب حالتها؟

السؤال

السلام عليكم
بارك الله فيكم، وأحسن إليكم.

أمي دعت علي بأن يبتليني الله بما ابتلاها به، ثلاث مرات بين الأذان والإقامة، ثم ندمت بعد الدعاء مباشرة، وسألت الله بألا يستجيب مرة واحدة.

البلاء الذي ابتلاها به هو أبي، وسوء تعامله معها، وزواجه عليها (مسيار)، ودون عدل، وأمور كثيرة جدًا يشيب لها الرأس، أصابتها بأمراض نفسية شديدة، وأصابتنا كذلك حتى شاب شعر رأسي حقًا!

دعاؤها كان عندما اشتكت من أبي، ودائماً ما تشتكي منه، وأستمع لها بدون تعليق أو أواسيها بكلمات طيبة فتطمئن، لكن كثرة سماعي نفس الحديث والشكوى يومياً، بل في اليوم أكثر من مرة يجعلني أحياناً أتكلم بكلام يغضبها دون قصد مني.

غضبها مني يزداد بسبب أني أكثر أولادها ملازمة لها، فأتعرض لكلام جارح منها بسبب نفسيتها وأتحمل ذلك، والحق أنها عندما تهدأ تعتذر مني، وهي تراني وقد تورّمت جبهتي من كثرة وطول السجود والدعاء لها ولأبي -وإن كان دعائي لا يوفيهما حقهما أبداً ومقصرة معهما كثيراً.

أنا مخطوبة -بدون عقد- وخطيبي يتحلى به خطيبي من صفات الدين والخلق، إضافة إلى تمسكه الشديد بي، خشية أن يستجاب دعاء أمي، فقلت الأفضل عدم الزواج إطلاقاً، فما رأيكم؟ وهل دعاء الشر يبطل إن تراجع الإنسان ودعا بأن لا يستجاب؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مسلمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا وسهلا بك؛ ونسأل الله لك السداد والتوفيق؛ والجواب على ما ذكرت.

بما أنك بارة بأمك وحريصة على رضاها؛ فإن هذا البر سيكون لك خيرا في الدنيا والآخرة؛ فأبشري بخير؛ وما عليك سوى الاستمرار في هذا البر؛ والحرص عليه دائما.

لا شك أن الوالدة تدعو لك كثيراً بالخير؛ ودعاؤها لك مستجاب -بإذن الله تعالى- فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ يُسْتَجَابُ لَهُنَّ لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ".رواه ابن ماجه؛ ومع حرصك على البر ستجدين منها تلك الدعوات المباركة.

جاء نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أن يدعو الوالد أو الوالدة على ولده، فعن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: " لَاتَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى خَدَمِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لَا تُوَافِقُوا مِنَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَاعَةَ نَيْلٍ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبَ لَكُمْ ". رواه أبو داود؛ ففي الحديث (لا توافقوا) نهي للداعي وعلة للنهي أي: لا تدعوا على من ذكر لئلا توافقوا (من الله ساعة نيل) أي: عطاء (فيها عطاء فيستجيب لكم) أي: لئلا تصادفوا ساعة إجابة ونيل فتستجاب دعوتكم السوء.

بما أن دعاء الوالدة قد حصل؛ ولكن لا يلزم أن الله يجيب دعاء الوالدة، لأنها دعت عليك بإثم فلعل الله لا يستجيب دعاءها، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: (لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ)،.رواه مسلم.؛ فمن دعا بإثم فهذا لا يستجاب دعاؤه؛ ولذلك نرجو أن تطمئني.

من المعلوم أن الأم قد تدعو على ابنتها ثم تندم وتدعو لها بخير بعد ذلك؛ ومع هذا ينبغي أن تجعلي الوالدة تدعو لك بالخير؛ وأنت أيضاً تدعين لنفسك بالخير حتى لا يقع عليك ما دعت به الوالدة.

بما أنه قد تقدم لك خاطب صاحب دين وأخلاق حسنة؛ فالأولى أن تسارعي للقبول به؛ ولا داعي للخوف مما سيجري عليك من دعاء الوالدة؛ فلعل تلك الدعوة لن تقع؛ ولا ينبغي أن يفوت عليك هذا الخاطب؛ وينبغي أن تستمري في حياتك بشكل طبيعي.

وفقك الله لمرضاته.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً