الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تفسير الأحلام شغلي الشاغل مما جعلني أقرب للتغرب عن الذات

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الدكتور الفاضل: محمد عبد العليم، أولا كل عام وأنتم بخير بمناسبة شهر شعبان، وأسأل الله عز وجل أن يبارك لنا في شعبان ويبلغنا رمضان غير فاقدين ولا مفقودين، وأن يجازي خيرا كل من يساهم في هذا الموقع، وأن يجعل الله هذا العمل شفيعا لكم يوم القيامة.

لقد قرأت بعض الاستشارات وردود حضرتك عليها، مما جعلني أتشجع وأقوم بعرض مشكلتي، وأسأل الله عز وجل أن يجعل لي من كل هم مخرجا اللهم آمين.

دكتور مشكلتي بدأت منذ تقريبا ثلاثة شهور أو أربعة شهور، بدأت أشعر بمغص شديد وانتفاخ في البطن، وأشعر أن روحي تنسحب مني، مما تسبب لي في ذعر، وبعد عرضي على دكتور الباطنة، أخبرني أنها أعراض القولون العصبي، وأوصاني بعمل بعض التحاليل ورسم قلب بالمجهود وإيكو، والحمد لله كانت سليمة، وعملت سونارا على البطن، وأخبرني الدكتور أن لدي انتفاخا شديدا في القولون، وأعطاني بعض الأدوية، ولكن بلا فائدة.

وبعد مراجعة الدكتور مرة أخرى أخبرني أن القولون العصبي ليس له علاج، وأنه متعلق بالحالة المزاجية، للأسف مع استمرار بعض الضغوط علي أصبت بحالة شديدة من التوتر وعدم النوم بانتظام، فكنت أنام وأستيقظ بعد ربع ساعة على الأكثر، وأنا مرعوب جدا، وكنت لا أستطيع أن أعاود النوم، بالإضافة للأحلام المخيفة، والتي عندما قمت بتفسيرها كان معناها مخيف وسيء جدا.

ومن هنا بدأت مأساتي الحقيقية، أولا أصبح شغلي الشاغل هو تفسير أي شيء في الحلم، وأصبحت مهووسا بالأحلام وتفسيرها، تطور الأمر أكثر وأصبت بحالة غريبة جدا من الاكتئاب الشديد والتوتر العنيف، أصبحت جالسا في البيت أنتظر الموت وتحقيق الأحلام، لم يعد لدي الرغبة في أي شيء حتى العمل، تقريبا استنفذت كل إجازاتي، وعند الذهاب للعمل أشعر بالتعب والتوتر مما يضطرني إلى الانصراف من العمل على الفور، أصبح شغلي الشاغل هو هل الإنسان يشعر بقرب أجله؟ وأبحث في النت عنها وأقرأ كل شيء باستفاضة شديدة، وأعاود البحث مرات عديدة.

أصبحت تأتيني حالات شديدة جدا من الهلع والفزع والخوف والتعرق وسرعة دقات القلب، وأصبحت تأتيني نوبات التغرب عن الذات، وعن من حولي، وهو شعور سيء جدا.

بعد مرور حوالي ما يقرب من الشهرين بدأت أتحسن تدريجيا مع التزامي بالصلاة والأذكار، وخاصة صلاة الفجر، لم أعد مثلما كنت عليه من قبل، ولكن أحاول أن أعود، ولكن ما يتعبني حاليا هو إحساس التغرب عن الذات الذي يلازمني كثيرا، والدوخة التي تأتيني بشكل مستمر، لدرجة أني عملت أشعة مقطعية على المخ، وكانت سليمة.

وشكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عمر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

جزاك الله خيرًا – أخي الكريم – على كلماتك الطيبة، ونسأل الله تعالى أن يتقبّل مِنَّا ومنكم صالح الأعمال، وأن يبلغنا موسم الطاعات، شهر رمضان المبارك، وأن يتقبَّل مِنَّا ومنكم ومن جميع المسلمين.

أيها الفاضل الكريم: القولون العصبي - أو ما يسمَّى بالقولون العُصابي - فعلاً هو مزعج، لكنه ليس خطيرًا، والدراسات كلها تُشير أن حوالي سبعين إلى ثمانين بالمائة من الذين يُعانون من هذه الحالة يكون لديهم قلق نفسي أو اضطرابات مزاجية، والقلق النفسي يعني وجود توتر نفسي داخلي، وهذا التوتر يتحول إلى توتر عضلي، وأكثر أعضاء الجسم التي تُصاب هي عضلات القولون، وعضلات القفص الصدري، وأيضًا الرأس، لذا يشتكي الكثير من الناس من الضيقة أو الكتمة في الصدر والصداع، وحتى عضلات أسفل الظهر أيضًا ينعكس التوتر النفسي عليها ليحولها إلى توتر عضلي، واطلعتُ على دراسة تُشير إلى أن حوالي ستين بالمائة من الذين يشتكون من آلام الظهر ويذهبون لأطباء العظام في الحقيقة القلق هو المسبب لحالتهم وليس أي مرضٍ عضوي.

أخي الكريم: -إن شاء الله- الأمر سهل، وأنت الآن بدأت مرحلة التعافي من خلال جهدك العلاجي المقدّر جدًّا، وأنا حقيقةً أنصحك بشيء مهم، وهو: الإيجابية، وحسن التوقعات، هذه مهمَّةٌ جدًّا، والإصرار على التحسُّن، هذه إرادات مهمَّةٌ للإنسان، أن يكون دائمًا حسن التوقُّع، وأن يُحسن الظنَّ بالله، وأن تعيش على الأمل والرجاء.

وفي ذات الوقت – أخي الكريم – تقوم ببعض التطبيقات اليومية المهمة، وأهمها ممارسة الرياضة، النوم الليلي المبكر، هذا مفيد جدًّا، تطبيق تمارين الاسترخاء، حسن التواصل الاجتماعي، هذه – يا أخي – كلها علاجاتٍ مهمَّة، وتصرف الانتباه عن القلق وعن الخوف وعن الوسوسة.

نصيحتي لك – أخي الكريم – هو الابتعاد التام عن الأحلام وتفسيرها، هذا الأمر تتعامل معه حسبما ورد في السنة المطهرة: لا تحكي هذه الأحلام، واتفل على شقك الأيسر ثلاثًا، واستعذ بالله من شرِّها وشر الشيطان الرجيم، واسأل الله تعالى خيرها.

وأريدك أن تُنظِّم نومك حقيقة بأن تتجنب النوم النهاري، ممارسة الرياضة سيكون لها أثر إيجابي جدًّا عليك حتى في النوم، وبالطبع سيكون لها أثر على أعراض القولون العصبي والتوتر النفسي الداخلي.

تثبيت وقت النوم ليلاً يُساعد أيضًا على تحسين النوم، مع تجنب المثيرات كالشاي والقهوة مثلاً في فترة المساء.

النوم المبكر يؤدي إلى الاستيقاظ المبكر، والاستيقاظ المبكر يجعل الإنسان يعيش بركة البكور؛ لأن البكور فيه بركة كثيرة، وقد أثبت الآن أن كل المواد الكيميائية الدماغية تُفرز بصورة أكثر فعالية في فترة الصباح.

هذا – يا أخي – الذي أنصحك به، وأريدك أيضًا أن تتناول أدوية بسيطة تُساعدك -إن شاء الله- في بقية الأعراض التي تشتكي منها، أنا أرى تناول عقار (دوجماتيل) والذي يُسمَّى علميًا (سلبرايد)، يُضاف إليه جرعة بسيطة من عقار (سيرترالين) والذي يُسمَّى تجاريًا (لسترال) أو (مودابكس) بمصر، سيكون جيدًا بالنسبة لك، خاصة أنها أدوية سليمة وجرعتها صغيرة.

الدوجماتيل تتناوله بجرعة كبسولة واحدة فقط في الصباح (خمسين مليجرامًا) وليس أكثر من ذلك، وبهذه الجرعة -إن شاء الله تعالى- لن تكون عرضة لأي آثار سلبية من هذا الدواء، تناوله لمدة ثلاثة أشهر، ثم توقف عنه.

أما السيرترالين فتبدأ في تناوله بجرعة نصف حبة – أي خمسة وعشرون مليجرامًا – ليلاً لمدة عشرة أيام، ثم اجعلها حبة واحدة ليلاً لمدة أربعة أشهر، ثم اجعلها نصف حبة يوميًا لمدة أسبوعين، ثم نصف حبة يومًا بعد يومٍ لمدة أسبوعين آخرين، ثم توقف عن تناول الدواء.

هذه الخطة العلاجية المهمة جدًّا، والجرعة صغيرة، والدواء سليم، وأسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً