الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كلما تبت أعود للذنب لكني أصلي.. هل يغفر الله لي؟

السؤال

السلام عليكم

منذ سنوات كنت أرتكب جملة من الذنوب يعانيها العديد من الشباب، والمشكلة أني كنت أقسم بالله أني سوف أتوب، وبكيت، وكنت أدعو الله ومن ثم أعود للذنوب، أنا أعلم أن الله غفو رحيم، وأنه يغفر الذنوب جميعا إلا أني لا أعلم هل ما فعلته يغفر؛ فقد أقسمت بالتوبة العديد من المرات، وكل مرة أنتهي بالعودة للذنب، ومرة علمت أن الله يراني، لكن حدث ما لم يكن يجب.

أنا والله الآن تبت منذ أكثر من شهر، ولم أقترف هذه الذنوب مجددا، ولم أعد أفكر فيها إلا قليلا، وأصبحت أذهب للجامع وعدت أصلي، وأحاول التقرب من الله، فهل يغفر هذا النوع من الذنوب؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سليم بن حمودة حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نشكرك على تواصلك معنا، ونسأل الله أن يمنّ عليك بالإيمان والتقوى، والجواب على ما ذكرت يمكن في الآتي:

- من المعلوم أن الإنسان بطبعه قد يغفل ويستزله الشيطان الرجيم إلى الوقوع فيما حرم الله تعالى، ولقد أحسنت أنك سارعت إلى التوبة والاستغفار، وهذا هو الواجب علينا كلما أذنبنا أن نسارع إلى التوبة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) رواه أحمد وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم 4515.

واعلم أن من تاب الله، وكان صادقا في توبته، وندم على ما كان من الإثم، وعزم أن لا يعود إلى ذنبه، فقد تقبل الله توبته فيما مضى، ومحا عنه ذنبه، ولا يؤاخذ به بإذن الله تعالى لا في الدنيا والآخرة، فإذا عدت إلى الذنب مرة أخرى فتب إلى الله أيضا، وهكذا فالله غفور رحيم، جاء في الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال تعالى: "إن عبدا أصاب ذنبا، وربما قال: أذنب ذنبا، فقال: رب أذنبت، وربما قال: أصبت، فاغفر لي، فقال ربه: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنبا، أو أذنب ذنبا، فقال: رب أذنبت - أو أصبت - آخر فاغفره؟ فقال: أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله، ثم أذنب ذنبا، وربما قال: أصاب ذنبا، قال: قال: رب أصبت - أو قال: أذنبت - آخر فاغفره لي، فقال: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثلاثا، فليعمل ما شاء" رواه البخاري برقم 7507.

واعلم يقينا أن الله يقبل من جاء إليه تائبا، وعفو الله أعظم من كل ذنوب الإنسان مهما كانت وكثرت.

قال تعالى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم} [الزمر: 53]، فلا تقنط من رحمة الله، فإن الله يقبل من جاء إليه تائبا، مصلحا من حاله، ومهما عدت إلى الذنب فعليك بالتوبة، ولا داعي للحزن والقلق من العودة إلى الذنب؛ لأن الذنوب السالفة قد محيت وأنت أمام الذنب الذي وقع حديثا، والواجب فيه التوبة إلى الله تعالى، واحذر أخي الكريم من هذا الخوف الذي قد يكون من مداخل الشيطان على نفسك، حتى يجعلك قانطا من رحمة الله، وحتى لا تتوب.

- ثم اعلم أخي الكريم أن هناك من العوامل التي تعين الإنسان إلى عدم العودة إلى الذنب والتي منها:

1) المداومة على عمل الصالحات: قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ} [ سورة هود : ١١٤ ]. وروى أحمد والترمذي عن معاذ أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له: ((اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن)).

2) استشعار قبح الذنب وضرره في الدنيا والآخرة.

3) أن يبتعد عن مكان المعصية، والأسباب المهيجة للعودة إلى الذنب، وأن يترك مجالسة رفقاء السوء الذين يعينونه على المعصية، وأن يجالس الرفقة الصالحة، فقد روى مسلم عن أبي سعيد في حديث قاتل المائة: أن العالم الرباني أفتى القاتل: ((... ومن يحول بينه وبين التوبة، انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن بها أناسا يعبدون الله تعالى فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء)) متفق عليه.

4) المداومة على ذكر الله تعالى؛ فالذكر مما يثبت الإنسان على الطاعة وعدم العودة إلى المعاصي.

5) إتلاف الأدوات التي كان يمارس بها المعصية، أو الابتعاد عنها إن وجدت.

6) قراءة الآيات والأحاديث والقصص المخوفة للمذنبين؛ حتى يخاف من الذنوب فلا يعود إليها.

الآن وبعد مجاهدة نفسك طرأ عليك تحسن كبير، وصرت مقبلا على الطاعات، وهذا لاشك من فضل الله عليك الذي منّ عليك بالتوبة، ووفقك إلى طاعته، وما عليك سوى الاستمرار على ما أنت عليه بخير بصدق وإخلاص.

وأخيرا: فقد ذكرت أنك أقسمت بالله في مرات كثيرة على أن لا تعود إلى المعصية، ثم عدت إليها، فلذلك عليك أن تحسب كم أقسمت من المرات، ثم تكفر عن كل واحدة كفارة يمين، وعليك أن لا تعود إلى تلك الأيمان مرة أخرى.

وفقك الله لمرضاته.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً