الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الإعلام الهادف والتصدي للمشكلات العامة

الإعلام الهادف والتصدي للمشكلات العامة

الإعلام الهادف والتصدي للمشكلات العامة

لم تعد صورة الإعلام هي نفس الصورة النمطية التي كان ينظر بها إلىه قديما على أنه وسيلة تسلية وترفيه وفقط. بل تغيرت تلك النظرة وتحولت الشاشة من مجرد قنوات تقدم برامج للتسلية والتثقيف لتصبح أدوات للضبط والتحكم السياسي والاجتماعي، تؤثر في الأفراد والجماعات، وتزيّف وعيهم وسلوكهم. لقد تحولت الصورة إلى سلطة حقيقية من يملكها يصبح السيد الحقيقي.

ولا شك أن عصرنا الحاضر يعتبر دون مبالغة هو عصر الإعلام، فقد استولت هذه الوسائل على أوقات الناس، واستقطبت اهتماماتهم، وغدت ظاهرة عالمية لا تقتصر معالمها على مجتمع دون آخر، ولا يصد آثارها الحواجز التقليدية التي تعارف عليها الناس من حدود جغرافية أو اختلافات لغوية أو تباين ثقافي أو سياسي أو اقتصادي».

ولا أحد ينكر الدور الذي لعبه الإعلام في التقلبات السياسية التي شهدتها المنطقة العربية ومازالت، وربما كانت منظومات التواصل الجماهيري (تلفاز، وإنترنت) الأكثر تأثيرًا في صناعة الرأي العام وتغيير المزاج الجماهيري وقولبته على النحو الذي يسعى إليه مستخدمو هذه الأجهزة، أو بصورة أدق المسيطرون عليها ومالكوها.

مظاهر القصور
وقد ظهر من خلال هذه الصراعات السياسية والمشكلات الاجتماعية قصور الإعلام الإسلامي والإعلام الهادف، وعدم حضوره، وقلة جهوزيته فيما يتعلق بالصراعات السياسية والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية على مستوى الدولة والمجتمع، أو في عرض ومناقشة المشكلات الكبرى للأمة؛ فقد بدا إعلاما منفعلا وليس فاعلًا، وليست لديه قدرة على التأثير.. وقد كان من مظاهر ذلك التراجع والقصور:
أ ـالمعالجة السطحية وغير المعمقة للمشكلات والقضايا العامة، وهذا يظهر مثلًا في قلة الوقت المخصص لمناقشة تلك القضايا أو في استضافة شخصيات لا تتمتع بحضور اجتماعي أو سياسي كبير أو مؤثر.

ب ـ قلة وشح القنوات الهادفة والمتخصصة في المجال الإخباري، والتي تزداد أهميتها نظرًا لكثرة النوازل وتجدد الأحداث وتفاقم المشكلات وحاجة الجماهير إلى إعلام صادق يتمتع بقدرات توجيهية كبيرة وغير متحيزة.

جـ ـ رؤية بعض القنوات الهادفة للأحداث والقضايا العامة لا تختلف عن رؤية الداعم (حزبًا كان أو فردًا) أو رؤية النظام القائم في البلد دون أن يكون للعمل المؤسسي حضوره وحريته في تناول تلك المواضيع وعرضها.

د ـ اقتصار تلك القنوات على عرض المشكلات والنوازل دون معالجتها أو التوجيه المباشر لمضمونها بما يتوافق مع الرؤية الشرعية والتوجه الإسلامي المطلوب.

هـ ـ الضعف الفني العام من حيث الإخراج والأداء.

و ـ وقوع بعض القنوات الهادفة في مخالفات شرعية وتجاوزات قيمية سواء في طريقة العرض أو في المضامين المقدمة للجماهير.

كانت هذه بعضًا من مظاهر ضعف تلك القنوات في مجال تغطية النوازل والمشكلات الكبرى للأمة، وهي ملاحظة ومعروفة لكل متابع ومدقق، ولهذه المظاهر أسبابها ويمكن معالجتها إذا ما وجدت الإرادة والعزيمة المؤسسية الجادة.

أهمية وجود الإعلام الهادف المؤثر:
إن أهمية الحديث عن وجود إعلام هادف "خالي من الشوائب والأدران، سواء من حيث الوسيلة أو الغاية التي يعالج بها القضايا السياسية والاجتماعية. يُسخّر في الخير والبناء، وفي تقديم وعي شامل وموجه لجميع فئات المجتمع المسلم، كما يؤدي دوره في تقويم السلوك وتوجيه طاقات الأمة إلى حيث ينبغي أن توجه ـ خصوصا عند نزول الأزمات وتردي الأوضاع السياسية والاجتماعية، والقيام بدورها المنوط بها في التصدي للمشكلات العامة على مستوى الدولة والمجتمع، يعتبر ضرورة ملحة لها وجاهتها وما يبررها.. فمن ذلك:
أولا: القيام بالواجب الإسلامي في البلاغ والبيان؛ فالإسلام دين شامل لجميع جوانب الحياة في حال الحرب والسلم، فإذا كانت الشريعة الإسلامية تملك رؤية وموقفًا في المسائل الشخصية للفرد والأسرة المسلمة فكيف بالقضايا الكبرى التي تهم الأمة بمجموعها وما يتعلق بمستقبلها؟

ولذا «فإن مهمة الإعلام الإسلامي تتجاوز التثقيف والتوعية وفتح القنوات المعرفية أمام أجيال المسلمين، إلى التحفيز ووضع الخطط المناسبة في التصدي للغزو الفكري والثقافي والأخلاقي، وكذا الوقوف أمام الاستبداد السياسي والاقتصادي الذي تتعرض له الأمة الإسلامية، خاصة في ظل شيوع وسائل الإعلام العابرة للقارات، والتي تؤثر في المجتمعات وتنقل أفكار وفلسفات وأخلاقيات شعوب العالم إلى كل مكان».

ثانيا: إشباع حاجة المجتمع المتعلقة بمعرفة حقيقة ما يجري وما الواجب عليه تجاهه، وحماية المعلومة والحقيقة من أن تصل مشوهة أو منقوصة للمجتمع من قنوات ووسائل إعلام مشبوهة وموجهة.

ثالثا: العمل بسنة المدافعة في المجال الإعلامي ومدافعة القنوات المأجورة التي تقف بشكل سلبي ضد أمن المجتمع الفكري والأخلاقي وكذا السياسي والاقتصادي وتشكل تحديًا إعلاميًّا له انعكاساته السلبية على سلوك ووعي مجتمعاتنا المسلمة، إذ «سعت تلك القنوات إلى تسطيح الاهتمامات والتطلعات وافتعال اهتمامات هزيلة لا تبني فكرًا ولا تحيي أمة ولا تؤسس مشروعًا، فقضايا الهوية والتعليم والتنمية ومشكلات الفقر والبطالة ونحوها من القضايا الكبرى غائبة أو مغيبة فيها تمامًا».

رابعا: استشعار أن الأمة تمر بمعركة كبرى، ولها أعداء يتربصون بها على المستوى المحلي والعالمي، ومن غير المقبول أن يغفل المصلحون عن استثمار هذا السلاح الفضائي الفتاك خاصة في أوقات المحن والأزمات.

إن وجود مثل هذا الإعلام المؤثر يحتاج أولا إلى الإحساس بأهميته وضرورة وجوده، ثم يحتاج إلى كثير من العمل المضني والإصرار والجهد، مع تضافر الجهود والبذل السخي، ولكن عواقبه هائلة على الأمة المسلمة في وعيها وفهمها وانفعالها وتأثيرها..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجلة البيان: بتصرف.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة