الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الاستئذان في السنة النبوية

الاستئذان في السنة النبوية

الاستئذان في السنة النبوية

حرصت الشريعة الإسلامية على تحصيل مقاصد عليا ومصالح كلية، تنتظم بها حياة الناس ويتحقق لهم الخير والفلاح في الدنيا والآخرة.
ومن هذه المقاصد السامية حفظ الأعراض ورعاية الحقوق والحرمات؛ فقد جاء الإسلام بتشريعات وآداب تحفظ بها الأعراض وترعى بها الحرمات، وتسود من خلالها الفضيلة في المجتمع المسلم، ومن الآداب التي تحقق هذا المقصد الرفيع: أدب الاستئذان، وقد اشتملت السنة النبوية على حظ وافر من التشريعات والتعاليم التي تقرر هذا الأدب وتحث عليه، وتدل الناس على التأدب به بالطريقة المثلى والأداء القويم.

تعريف الاستئذان:
الاستئذان لغة: طلب الإذن، وهو مصدر (استأذن).
وفي الاصطلاح: قال الجرجاني في التعريفات : الإذن: فك الحجر وإطلاق التصرف لمن كان ممنوعا شرعا. أ.هـ ، وعلى هذا فالاستئذان: طلب فك الحجر وإطلاق التصرف لمن كان ممنوعا شرعا.
وقال ابن حجر في فتح الباري: هو طلب الإذن في الدخول لمحل لا يملكه المستأذن أ.هـ، وهذا التعريف هو لأحد أنواع الاستئذان.

الحكمة من تشريع الاستئذان:
يتبين مما قدمناه أن الحكمة من تشريع الاستئذان هو حفظ الأعراض كيلا تهتك، وصيانة الحقوق والحرمات كيلا تستباح، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذه الحكمة بقوله: كما في البخاري: «إنما جُعل الاستئذان من أجل البصر».
قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري عند شرحه لهذا الحديث: إنما جُعِل -أي الاستئذان- خوفَ النظر إلى عورة المؤمن وما لا يحل منه. أ.هـ

أهمية الاستئذان:
تتجلى أهمية الاستئذان من خلال كثرة النصوص الواردة في تقريره وذكر آدابه وصوره كما سيأتي.
وكذا من خلال النهي عن الإخلال بالاستئذان، كما عند البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا يحل لامرئ مسلم أن ينظر إلى جوف بيتٍ حتى يستأذن؛ فإن فعل فقد دخل» قال ابن حجر في فتح الباري : أي صار في حكم الداخل.

كما تتجلى أيضا في التوبيخ والتقريع واستحقاق العقوبة لمن لم يلتزم بهذا الأدب الرفيع، ومن ذلك ما أخرجه مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم، فقد حل لهم أن يَفْقَئُوا عينَه».

مجالات الاستئذان:
تعددت المجالات والمناسبات التي شرع الاستئذان لها في السنة النبوية ، فمن ذلك:

استئذان الجليسين جليسَهما الثالث ليتناجيا، ودليله ما أخرجه أحمد وصححه الأرناؤوط عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث إلا بإذنه، فإن ذلك يُحْزِنه».

الاستئذان عند الجلوس إلى اثنين يتناجيان، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إذا تناجى اثنان فلا تجلس إليهما حتى تستأذنهما»، أخرجه أحمد وحسنه الأرناؤوط.

الاستئذان للجلوس بين شخصين، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا يحل لرجل أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما»، أخرجه أبو داود وصححه الألباني، وإنما نهي عن ذلك وأمر بالاستئذان في هذا المقام؛ لأنه قد يكون بينهما محبة ومودة وجريان سِرٍّ وأمانة فيشق عليهما التفريق بجلوسه بينهما.

الاستئذان في الإقران في أكل التمر، فعن جَبَلة قال: "كنا بالمدينة، فأصابتنا سنة، فكان ابن الزبير يرزقنا التمر، وكان ابن عمر يمر بنا فيقول: لا تقرنوا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم «نهى عن الإقران، إلا أن يستأذن الرجل منكم أخاه ». أخرجه البخاري
قال ابن الأثير في معنى القِران : وهو أن يقرن بين التمرتين في الأكل.

الاستئذان لدخول البيوت وما يتعلق به:

آداب الاستئذان:

حفلت السنة النبوية بكم كبير من التوجيهات والإرشادات لتحقيق هذا الأدب في واقع المسلمين، وجني ثماره الطيبة التي تعود بالخير على الفرد والمجتمع، وكما حرصت السنة النبوية على بيان مشروعية الاستئذان وأهميته، فقد جعلت له آدابا وتعاليم تتحقق بالتزامها الغاية الشرعية من الاستئذان على أتم وجه وأكمله، فمن هذه الآداب:

تقديم السلام على الاستئذان
: ففي الحديث أن رجلا دخل على النبي صلى الله عليه وسلم فلم يسلم ولم يستأذن؛ فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ارجع فقل: السلام عليكم، أأدخل؟» أخرجه الترمذي وصححه الألباني، وقال -عليه الصلاة والسلام-: «لا تأذنوا لمن لم يبدأ بالسلام»، أخرجه أبو يعلى والبيهقي في شعب الإيمان وصححه الألباني.

الاستئذان ثلاثا، فإن أُذِنَ له وإلا فليرجع: فمن هدي النبي صلى الله عليه وسلم القولي في ذلك: قوله: «إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع» أخرجه البخاري.
ومن هديه العملي: ما رواه قيس بن سعد بن عبادة -رضي الله عنه- قال: « زارنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في منزلنا فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد سعد ردا خفيا، قال قيس: فقلت: ألا تأذن لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: ذره يكثر علينا من السلام، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :السلام عليكم ورحمة الله، فرد سعد ردا خفيا. ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: السلام عليكم ورحمة الله، ثم رجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واتبعه سعد فقال: يا رسول الله إني كنت أسمع تسليمك وأرد عليك ردا خفيا لتكثر علينا من السلام » أخرجه أبو داود وصححه ابن الملقن.

الوقوف في مكان مناسب حال الاستئذان بحيث لا يكشف عورة الدار: وقد دل على هذا الأدب هدي النبي صلى الله عليه وسلم القولي والعملي أيضاً: أما هديه القولي: فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: «لا تأتوا البيوت من أبوابها، ولكن ائتوها من جوانبها، ثم سلموا , فإن أذن لكم فادخلوا، وإلا فارجعوا » أخرجه البزار وصححه الألباني.
وأما هديه العملي: فقد « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه، ولكن من ركنه الأيمن، أو الأيسر، ويقول: السلام عليكم، السلام عليكم » أخرجه أبو داود وصححه الألباني.

أن يخبر باسمه حتى يُعرَف، ولا يقول :(أنا) : فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، قال: «استأذنت على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (من هذا؟) فقلت: أنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا أنا!) كأنه كره ذلك » أخرجه مسلم.

أن لا يقوم من مجلس صاحب الدار حتى يستأذنه: فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: « إذا زار أحدكم أخاه فجلس عنده فلا يقومن حتى يستأذن» أخرجه الضياء في المختارة وصححه الألباني.

أن يكون الإذن مُفْهَماً ولو كان علامة، بحيث يفهم منه المستأذن أنه مأذون له بالدخول، وإلا فلا يدخل: ويدل على ذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم-:«رسول الرجل إلى الرجل إذنه» أخرجه أبو داود وصححه الألباني.
قال المناوي في شرح الجامع الصغير: أي: بمنزلة إذنه له في الدخول، والصبي المميز مُلحَق بالرجل فيُعمَل بقوله في الإذن في دخول الدار. أ.هـ
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إذنك علي أن يُرفَع الحجاب وأن تستمع سِوادي حتى أنهاك» أخرجه مسلم. قال ابن الأثير في النهاية: "السِواد -بالكسر- : السِرار، يقال: ساودت الرجل مساودة إذا ساررته، وقيل هو من إدناء سوادك من سواده: أي شخصك من شخصه. أ.هـ.
وقال النووي في شرح صحيح مسلم: وفيه دليل لجواز اعتماد العلامة في الإذن في الدخول، فإذا جعل الأمير والقاضي ونحوهما وغيرهما رفع الستر الذي على بابه علامة في الإذن في الدخول عليه للناس عامة أو لطائفة خاصة أو لشخص أو جعل علامة غير ذلك جاز اعتمادها والدخول إذا وجدت بغير استئذان، وكذا إذا جعل الرجل ذلك علامة بينه وبين خدمه ومماليكه وكبار أولاده وأهله، فمتى أرخى حجابه فلا دخول عليه إلا باستئذان، فإذا رفعه جاز بلا استئذان، والله أعلم. أ.هـ

عدم إمامة الرجل لأخيه في بيته ومجلسه إلا بإذنه: فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: « ولا يَؤُمَّنَّ الرجلُ الرجلَ في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تَكرِمَتِه إلا بإذنه» أخرجه مسلم.
قال الملا علي القاري في مرقاة المفاتيح: « ولا يَؤُمَّنَّ الرجلُ الرجلَ في سلطانه» أي: في مَظهَر سلطنته ومحل ولايته، أو فيما يملكه، أو في محل يكون في حكمه. أ.هـ

عدم الجلوس في المكان أو الفراش المخصص لصاحب البيت إلا بإذنه: ففي الحديث السابق: «ولا يقعد على تَكرِمَتِه إلا بإذنه»
قال النووي في شرح صحيح مسلم: " قال العلماء: التَّكْرِمة: الفراش ونحوه مما يُـبسَط لصاحب المنزل وَيُخَص به. أ.هـ.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة