الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : " وإن نسي صلاة في سفر ، فذكرها في حضر فعليه أن يصليها صلاة حضر ، لأن علة القصر هي النية ، والسفر ، فإذا ذهبت العلة ذهب القصر ، وإذا نسي صلاة حضر فذكرها في سفر فعليه أن يصليها أربعا : لأن أصل الفرض أربع ، فلا يجزئه أقل منها ، وإنما أرخص له في القصر ما دام وقت الصلاة قائما وهو مسافر ، فإذا زال وقتها ذهبت الرخصة " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهو كما قال .

                                                                                                                                            وهذا الفصل يشمل أربع مسائل :

                                                                                                                                            أحدها : أن ينسى صلاة ، ثم يذكرها في حضر ففيها قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : قوله في القديم : يقصرها إن شاء .

                                                                                                                                            وبه قال مالك ، وأبو حنيفة لقوله صلى الله عليه وسلم : " ما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فاقضوا " ، ولأنها صلاة تؤدى وتقصر فوجب أن يكون قضاؤها مثل أدائها ، أصله إذا نسيها في الحضر وذكرها في السفر فإنه يقضيها تامة : لأنها وجبت عليه تامة .

                                                                                                                                            ولأن القضاء بدل ، والأبدال في الأصول مثل مبدلاتها ، أو أخف .

                                                                                                                                            والقول الثاني : وهو قوله في الجديد ونص عليه في " الأم " ، و " الإملاء " : عليه إتمامها [ ص: 379 ] والجمع في السفر أربعة ، وبه قال الأوزاعي ، لأنها صلاة مردودة إلى ركعتين ، فوجب أن يكون الوقت من شرط صحتها كالجمعة ، ولأن العذر المغير للفرض يقتضي أن يكون حكمه مع وجوده كالمرض ، ولأنه مقيم ، فوجب أن لا يجوز له أن يصلي صلاة مسافر . أصله إذا نوى الإقامة في وقت الصلاة ، ولأن المسافر إنما جوز له القصر تخفيفا عليه لما يلحقه من المشقة في التمام ، فإذا صار مقيما فقد زالت المشقة ، فوجب أن يزول التخفيف كالمضطر لما جوز له أكل الميتة لأجل الضرورة حرم عليه أكلها عند زوال الضرورة كـ " المتيمم " ، ولأن السفر يبيح قصر الصلاة إلى شطرها كما يبيح بالتيمم قصر الطهارة إلى شطرها . فلما لم يستبح تيمم السفر بعد انقضاء السفر لم يستبح قضاء السفر بعد انقضاء السفر .

                                                                                                                                            والمسألة الثانية : أن تفوته في سفر ، ثم يذكرها بعد خروج وقتها في السفر ، ففيها قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قوله في القديم ، والإملاء : له قصرها إن شاء وهو أصح ، لأنه لا يخلو أن يكون الاعتبار إما بحال الوجوب أو بحال الأداء ، وأيهما كان جاز له القصر لأنه مسافر في الحالين معا ، ولأنها صلاة تؤدى ، وتقصر ، فوجب أن يكون قضاؤها مثل أدائها ، أصله ما ذكرنا .

                                                                                                                                            والقول الثاني : وهو قوله في الجديد عليه إتمامها أربعا : لأنها صلاة تفعل في غير وقتها قضاء ، فوجب أن لا يجوز له قصرها ، أصله إذا نسيها في الحضر ، ثم ذكرها في السفر ، ولا يدخل عليه الجمع بين الصلاتين في وقت إحداهما ، لأن وقت الجمع وقت لهما معا ، فلذلك جاز قصرها ، ولأنها صلاة مردودة إلى ركعتين ، فوجب أن يكون الوقت من شرط صحتها كالجمعة .

                                                                                                                                            والمسألة الثالثة : أن ينسى صلاة في حضر ثم يذكرها في حضر فلا خلاف أن عليه إتمامها ، وإن سافر فيما بعد ، لأنه إن كان الاعتبار بحال الوجوب فهو فيه حاضر ، وإن كان بحال الأداء فهو فيه حاضر ، ولا اعتبار بحالة حادثة فيما بعد .

                                                                                                                                            والمسألة الرابعة : أن ينسى صلاة في حضر ، ثم يذكرها بعد خروج وقتها في السفر ، فعليه إتمامها أربعا لا يختلف فيه مذهب الشافعي ، وسائر أصحابه ، وكان بعضهم يغلط فيجيز له قصرها اعتبارا بحال الأداء . وهذا خطأ ، لأن الصلاة قد استقر عليها ، فرضها أربعا بخروج الوقت فلم يجز له قصرها وقت القضاء ، كما أن من نسي ظهر الخميس لم يجز له أن يقضيها بصلاة الجمعة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية