الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من أخلاق الدعاة .. (3) الرفق والليــن

من أخلاق الدعاة .. (3) الرفق والليــن

بعض الناس تجده قبل الالتزام مرحـًا وخفيفـًا وبشوشـًا يجلس مع والديه وإخوانه يمازحهم ويضاحكهم ، فإذا ما من الله عليه بالالتزام قطب جبينه وعبس وكشَّر ، وخاصمت البسمة وجهه ، وأخذ ركنـًا وحده ، واعتزل أهل البيت ، إذا خرج أحس أهل البيت براحة كبيرة وبهم قد انزاح عن قلوبهم ، وإذا دخل سكت المتكلم ، وأمسك المبتسم ، وانكمش الأولاد في زاوية البيت ، كلامه أوامر ، وخطابه شديد ..، ..

هذا النوع من الملتزمين يتمنى أهله ألو بقي طيلة عمره بعيدًا عن الالتزام ، وعن هؤلاء المتشددين الذين خربوا عليهم الولد أو الرجل ، ومثل هذا يضر أكثر مما ينفع لجهله بالدين ، وأخلاقيات المسلمين ، وبكيفية الدعوة إلى رب العالمين .
اسمع إلى الله تعالى يقول لنبيه - صلى الله عليه وسلم - : (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ )(آل عمران/159) ، وقال تعالى : (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَة)(النحل/125) ، وقال تعالى : (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)(العنكبوت/46) .

وانظر إلى إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - يقول لأبيه وهو يدعوه : ( يَا أَبَتِ.. يَا أَبَتِ .. يَا أَبَتِ ) .. ونوح - عليه السلام - يقول لابنه : (يَا بُنَيَّ) .. وكل نبي يقول لقومه ( يَا قَوْمِ ).
فهي نداءات تحمل معنى الحب والقرب والصلة بين الداعي والمدعوين ، ففيها إشارة لمدى الرحمة بهم والخوف على المخالف والشفقة على المعارض ، فليس مقصد الداعي الاستعلاء بدعوته ، وإنما المقصد استنقاذ أكبرِ قدرٍ من الناس من الهلاك .

روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم قال : " إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد نارًا ، فجعل الجنادب والفراشات يقعن فيها وهو يَذُبَّهنَّ عنها ، وأنا آخذ بِحُجَزكم ، وأنتم تفلتون مني ، تقحمون فيها " .

ولما رجع - صلى الله عليه وسلم - من ثقيف وجاءه ملك الجبال فقال له : إن شئت أن أُطْبقَ عليهم الأخشبين ؟ فقال : بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئـًا .(متفق عليه) .

وهكذا كان سبيله في دعوته - صلى الله عليه وسلم - اللين والرفق بالمدعوين . كما روى مسلم عن أنس بن مالك - رضي الله عليه - قال : " بينما نحن في المسجد مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد فقال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مه مه ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : لا تزرموه - لا تقطعوا عليه بوله فتضروه - دعوه ، فتركوه حتى بال ، ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعاه فقال له : إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول والقذر ، إنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن ، قال : وأمر رجلاً من القوم فجاء بدلوٍ من ماءٍ فسنَّه عليه - أي صبَّه عليه - " .

وروى مسلم عن معاوية بن الحكم السُلمي قال : " بينما أن أصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ عطس رجل من القوم فقلت : يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم ، فقلت : واثكل أماه ، ما شأنكم تنظرون إليَّ ؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت ، فلما صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فبأبي وأمي ما رأيت معلمـًا قبله ولا بعده أحسن تعليمـًا منه ، فوالله ما نهرني ، ولا ضربني ، ولا شتمني ، ثم قال : إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ، وإنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن " .

وجاء رجل إلى هارون الرشيد فقال : إني ناصحك بمغلظ لك في النصيحة ؟ قال : لا ، إن الله بعث من هو خير منك إلى من هو شر مني ، فقال له : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى)(طـه/44) .

فباللين تستلين قلوب الناس ، وبالرفق تجتذبهم إلى طريق الحق .
......................

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة