الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أجعل أولادي متميزين في جميع المجالات؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أرجو أن تأخذوا موضوعي بأهمية كبيرة، فقد تعبت كثيراً، ولا أشعر بالراحة في حياتي، حتى أصبح هذا الشيء يؤثر على زوجي في كل الأوقات، حيث أحس بأنني لا أحب العيش معه بسبب ضيق الحال، وعدم تدبيري للأمور.

وهذه أسئلتي:
أولاً: أنا غير مدبرة في الأمور المادية في البيت، وأصرف كثيراً، مع أنني على علم بأنه لا يوجد دخل غير راتبي، وعلي ديون كثيرة، وقد أصبحت مريضةً من كثرة التفكير.

ثانياً: كيف أستطيع أن أجعل أولادي متميزين عن الناس في جميع الأمور، أعرف أن الدين هو الذي يجعلهم متميزين، ولكنني أريدهم متميزين بشكل أرقى بكثير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ غدير حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإننا نشكر لك تواصلك معنا، وما ذكرتيه في استشارتك من كون الحياة المادية سببًا لضيق العيش، وقد تسبب البغضاء بين الزوجين أمر صحيح، ونحن نشكر لك إدراكك أهمية هذا الجانب في الحياة الزوجية، وجميل أنك تدركين سبب وقوعكم في هذا وهو كثرة الإنفاق، إذ أن معرفة السبب جزء كبير من العلاج، وبتفادي هذه الأسباب ستحل المشكلة -إن شاء الله-، وعلاجها سهل يسير إذا أنت أخذت بهذه التوجيهات والنصائح التي سوف نضعها بين يديك.

ينبغي أن تعلمي -أيتها الأخت الكريمة- أن الله سبحانه وتعالى أثنى في كتابه ومدح المعتدلين في الإنفاق، فقال سبحانه وتعالى في وصف عباد الرحمن: {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قوامًا}، وفي سورة الإسراء نهى سبحانه وتعالى عن نوعين من الإنفاق: نهى عن بسط اليد كل البسط، أو التقتير الشديد، فقال سبحانه و تعالى: {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملومًا محسورًا} إذا بسطتَ يدك كل البسط وقفت محسورًا، أي عاجزًا عن إكمال السير في الطريق، وإذا ضممت يدك إلى عنقك –وهذا كناية عن الشح والبخل– وقعت في اللوم، فيلومك القريب والبعيد، فخير الأمور الوسط، والله سبحانه وتعالى هو مالك الملك وبيده خزائن السموات والأرض، يقول عن نفسه سبحانه وتعالى: {وإنْ مِن شيءٍ إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم}.

فالاعتدال في الإنفاق سبب أكيد في الحفاظ على المستوى الاقتصادي وتميز الأسرة، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث: (ما عال من اقتصد) فلا يخاف الفقر، ولا ضيق العيش من اقتصد في معيشته، وأنفق النفقات بمقاديرها، ووضع الشيء في موضعه، ولهذا نحن نوصيك بتفادي هذه المشكلة بوصايا ثلاث:

الوصية الأولى: تأجيل غير الضروري من حاجات الأسرة، أو من حاجاتك الخاصة، فأي شيء لا تدعو إليه الحاجة الحالية تدربي أولاً مع نفسك بتأجيله، فإن التسويف والتأجيل سبب في صرف النفس عن التطلع أو التعلق بهذا الشيء، حتى تستطيعي بعد ذلك الاستغناء عن جلبه بالكلية.

الوصية الثانية: التفكير في مشاكل الأسرة واحتياجاتها المستقبلية، فكلما وضعت بين عينيك حاجات الأسرة خلال مدة معينة مستقبلة، فإنك ستجدين الدافع لتوفير المال الذي يدفع هذه المشكلات.

الوصية الثالثة: إنشاء العلاقات بالأسر المشابهة لكم في الوضع المادي، بحيث لا ترتبطون بعلاقات مع أُسر ترتفع عنكم في مستواكم المادي، وتحاولون دائمًا التشبه بهم وشراء ما يشترون، والعيش في مستوى معيشتهم، وفي هذا إرهاق لكم، والله سبحانه وتعالى جعل الخلق مراتب وطبقات في هذا، فلا ينبغي للإنسان أن ينظر إلى من فوقه، بل أوصانا النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن ننظر إلى من تحتنا لنعرف نعمة الله سبحانه وتعالى علينا، وبهذا يعيش الإنسان سعيدًا راضيًا بما في يده، مدركًا نعمة الله عليه، مستشعرًا كثرة النعم وغزارتها التي يتمتع بها.. هذا عن الجزء الأول من الاستشارة، وهي كيفية تدبير أمور المعيشة، ومحاولة التغلب على هذه المشكلة التي أورثت البغضاء بينك وبين زوجك.

أما الشق الثاني من الاستشارة والسؤال الثاني، وهو كيفية جعل الأولاد متميزين عن الناس، فإن التميز مطلوب أيتها الأخت، ونحن نشكر لك شعورك بأهمية تميز أبنائك وحرصك على ذلك، ولكن هذا يحتاج إلى عمل وليس مجرد أمانٍ.

فأول الأمور التي ينبغي أن تحرصي على تميز أبنائك فيها: تميزهم بأخلاقهم وسلوكهم، والتميز بالأخلاق بتعويدهم على الأخلاق الحسنة، وإعانتهم على اختيار الصحبة الطيبة التي يقتدون بها وينتفعون بها، وخير ما يعينهم على هذا تعويدهم على المساجد، وحضور مجالس العلم ومجالس الذكر، وصحبة الصالحين في حلق تحفيظ القرآن الكريم وما شابهها، فإن هذا يُكسبهم أخلاقا عالية وصحبة طيبة، وبهذا يتميزون عن كثير من الناس في هذا الجانب.

الجانب الثاني: التميز العلمي بالحرص على تقوية معرفتهم بدينهم، وإنشاء ثقافة دينية متينة يعرفون أحكام العبادات التي يؤدونها، ومعرفتهم بشيء من الحلال والحرام، وتحفيظهم لكتاب الله تعالى، فهذا التميز يحتاجه كل شاب وكل شابة، وهذا يمكن تحصيله من خلال البرامج العلمية النافعة الموجودة على الشبكة العنكبوتية في المواقع النافعة، مثل: موقع إسلام ويب وغيره من المواقع الإسلامية المفيدة، وأيضًا يمكن تحصيله من خلال حلقات العلم، وحث الأبناء على حضور مجالس المربين والمعلمين في المساجد للاستفادة من علومهم.

من التميز العلمي أيضًا: تقوية مستواهم الدراسي، وحثهم على الجد والاجتهاد في الدراسة، وإعانتهم على فهم المقررات الدراسية التي يدرسونها، وتوجيههم نحو الدراسات التي يميلون إليها ويحبونها، ليبدعوا فيها ويتقنوها، وبهذا سيتميزون في هذا الجانب تميزًا كبيرًا.

الجانب الثالث: تربيتهم على الجدية في أمورهم، سواءً في دراستهم أو غير ذلك، وتعويدهم على طلب معالي الأمور، والترفع عن الصغار والسفاسف، وبهذا سيكونون أشخاصًا جادين يحرصون على ما فيه خيرهم ومنفعتهم ومنفعة أمتهم، وستنالون أنتم ثواب إعدادهم هذا الإعداد المتين النافع لهم ولأمتهم، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل أبناءك قرة عين لك، وأن يصلحك ويصلحهم.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً