الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زوجي مقصر في الصلاة ويضيق بالنصح، فيكف أتعامل معه؟

السؤال

السلام عليكم..

أرى في زوجي تقصيراً وتكاسلاً في أداء الصلاة مع الجماعة، وكذلك في المنزل، وإذا كان غاضباً يصرخ في وجهي أنه لن يصلي مرةً أخرى، وكأنه يصلي لي وليس لربه، للعلم كل مرة أنصحه بطريقة غير مباشرة، ومرةً أقول له: أنت القدوة لي وللأولاد، فإذا رب البيت لا يصلي فكيف بالأبناء؟

وأحاول دائماً أن أصلي بالمكان الذي هو موجود فيه؛ حتى يراني أصلي، فربما يقوم ويصلي، ولكن مرات تنفع ومرات لا!

دائماً أبعث له إيميلات عن عقوبة تارك الصلاة، وكل ما يتعلق بالصلاة، ولكن لا جدوى من ذلك!

زوجي من النوع الذي لا يحب النقاش، وأخاف أني أتناقش معه في هذا الموضوع حتى لا تحصل مشاكل بيننا، علماً بأنني كثيرة الدعاء والاستغفار في البيت وخارجه، لدرجة أنه دائماً يسمعني كلاماً جارحاً بسبب الأدعية، وأنا أقول -الحمد لله- هذه نعمة من رب العالمين.

أنا أحب زوجي، وأتمنى أن أغير حياته، وخاصةً الالتزام بالصلاة وقراءة القرآن، وكل ما يتعلق بالعبادة، فما هي الطريقة التي يمكنني اللجوء إليها حتى أغيره؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاطمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

شكر الله لك -أيتها الأخت الكريمة- حرصك على إصلاح زوجك، وإقناعه الاعتناء بصلاته، وهذا إدراك منك لأهمية صلاح الزوج ووالد الأبناء، ونسأل الله تعالى أن يصلح زوجك، وأن يجزيك خيرًا في كل ما تبذلينه من جهد في سبيل إصلاحه، وقد أحسنت في تنويعك لأساليب النصح، وهذا سيكون له الأثر يومًا ما، فلا تسمحي للشيطان بأن يقذف اليأس في قلبك من إصلاح زوجك.

نحن نضع بين يديك -أيتها الكريمة- بعض الخطوات التي ينبغي أن تسلكيها، لعل الله سبحانه وتعالى أن يُصلح هذا الزوج وأن يرده إليه ردًّا جميلاً، وما ذلك على الله بعزيز.

أول هذه الوصايا: الاعتناء بجانب الترغيب، فلا يكفي أن نذكر تارك الصلاة أو المتهاون بها بالعقاب الذي سيتعرض له لو فرط في الصلاة، بل ينبغي الاعتناء كذلك بجانب الترغيب بذكر ثواب الصلاة والأجور التي رتبها الله عز وجل، والمنافع التي يجنيها الإنسان من وراء هذه الصلاة سواء في دنياه هنا، فإن الصلاة سبب للسعادة وطمأنة القلب، ولحفظ الله سبحانه وتعالى للإنسان، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من صلى الصبح فهو في ذمة الله) يعني في عهد عند الله سبحانه وتعالى، وهذا تحذير للناس من الاعتداء عليه أو ظلمه.

والصلاة كذلك تطهير للإنسان من الذنوب والأدران التي يكسبها خلال اليوم والليلة، تذكيره لأهمية الصلاة في القبر، وأنها سببٌ للوقاية من عذاب القبر، تذكيره أيضًا لأهمية الصلاة وثمرتها على عرصات القيامة حين يقوم الناس من القبور، وأن المصلين يحظون بفوائد عظيمة يجنونها من وراء صلاتهم، وتذكيره بأهمية الصلاة حتى بعد دخوله الجنة، وأن الإنسان ترتفع درجاته في الجنة بقدر ركعاته وسجداته، فجانب الترغيب أمر مهم، ولا بد من الاعتناء به.

الوصية الثانية: أن يكون هذا الترغيب من إنسان يحب هو أن يسمع كلامه ويتأثر به، فاحرصي على أن تعرفي الشخصيات التي يتأثر بكلامها من العلماء والدعاةِ، فلا شك ولا ريب أن لديه ميولا إلى بعض الناس دون بعض، وحباً لأن يسمع لبعض الناس دون آخرين، فاحرصي على أن يكون الحديث عن الصلاة وثمار الصلاة ونحو ذلك من الأشخاص الذين هم قريبون من قلبه لأن يستمع لهم وأن يتأثر بكلامهم، مقتنع بطرحهم، فهذا يختصر كثيرًا من الجهد والوقت.

الوصية الثالثة: الرفق به أثناء الحث أو النصح، فإن الرفق ما كان في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه، وأنت قد بذلت شيئًا كثيرًا منه، فاحرصي دائمًا على أن تسلكي هذا المسلك، وتجنبي الغضب أو محاولة استفزاز الزوج بأن تقعي فيما يكرهه منك فيؤدي إلى عناده.

الوصية الرابعة: الاعتدال منك والتوسط في الأمور؛ بحيث تحاولين أن تعطي كل ذي حق حقه، فللزوج حقوق ينبغي أن يجدها منك كحسن التجمل له وحسن التبعل له، ومحادثته بالحديث الذي يُحبه ويُعجبه، حتى لا يمل حديثك الدائم عن الصلاة والذكر والدعاء ونحو ذلك، وهذا الذي ربما لاحظناه من خلال كلامك، أنه ربما يكون سبب إسماعه لك كلامًا جارحًا أنه لا يسمع منك إلا الذكر والدعاء والاستغفار، وإن كنت في الحقيقة تحمدين على هذا وتشكرين عليه، ولكن لضعف في إيمان زوجك الآن، ولقلة رغبة في الخير ربما يجد أنه شيء منفر له منك، فاحرصي على أن تعطيه حظًّا من وقته تتقربين إلى قلبه بما يحب من التجمل وحسن التبعل، والكلمات الجميلة التي يريد أن يسمعها ونحو ذلك، فهذا له أثر بالغ في استحواذك على قلبه وكسبه إليك.

الوصية الخامسة: كثرة الدعاء له، فإن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء، فاحرصي على أن تكثري من الدعاء له، لاسيما في أوقات الإجابة: كالدعاء في السجود، وفي آخر الليل، وبين الأذان والإقامة، ونحو ذلك من الأوقات التي يُظن قبول الدعاء فيها.

الوصية السادسة: محاولة ربطه برجال صالحين من الأقارب، أو إنشاء علاقات أسرية مع الأسر التي فيها رجال طيبون صالحون، فإن الصاحب ساحب، والمرء على دين خليله كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-.

من الوسائل المهمة أن تحرصي على أن يسمع زوجك الحديث عن الدار الآخرة، ليس عن الصلاة بخصوصها، ولكن الحديث عن الجنة، وما أعد الله عز وجل لعباده المؤمنين، والنار وما فيها من العذاب الأليم، الحساب والجزاء والوقوف بين يدي الله سبحانه وتعالى، والقبر وما فيه من أهوال، وما إلى ذلك، فكل هذه المواعظ من شأنها أن ترقق القلب، وتطرد عنه الغفلة، وأن توقظه من السِنَة.

وبهذا نأمل أن يصلح حال زوجك، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجزيك كل خير على كل جهد تبذلينه في إصلاح زوجك، وأن يصلح زوجك وأن يرده ردًّا جميلاً، ويديم الألفة بينكما، إنه على كل شيء قدير.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات