الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نصح الأم المتعلقة بالمسلسلات

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. بداية أتوجه بشكري الجزيل لكم على ما تقدمونه من نصائح ومساعدات، فبارك الله فيكم وجزاكم الفردوس الأعلى.

والدتي أدمنت مشاهدة المسلسلات التركية بصفة غير طبيعية، فهي طوال اليوم تتنقل من قناة لأخرى كي لا تفوتها أي حلقة من عدد كبير من المسلسلات التي تذاع يومياً وفي أوقات مختلفة، والأمرّ من هذا أنها تعيد نفس الحلقات في بث الإعادة، ما يجعلها تضيع الكثير من الوقت في تتبع كل هذا الكم الكبير من المحطات والمسلسلات الساقطة.

علماً بأن والدتي تعدت السبعين من العمر، وهي تصلي، لكنها أميّة، حتى الصلاة لا تصليها كما يجب، حاولت أن أعلّمها لكنها ترفض بحجة أنها كبيرة ولا تستطيع التعلم، وبصراحة هي لها ذاكرة قوية نسبياً، لكنها ترفض المحاولة، وهذا منذ زمن بعيد، والله حاولت وفشلت كثيراً، ولا أريد أن أضيّق عليها بالإلحاح حرجاً من أن أقع في عقوقها أو أن أجرحها بطريقة ما، لكنني خائفة عليها كثيراً.

وفي الفترة الأخيرة نصحتها بالتوجه إلى القنوات الخاصة بالبرامج الدينية لكنها ترفض بطريقة الصمت، قلبي حزين جداً عليها، أريدها أن تستغفر وتسبح وتصلي، رغم أنها تصلي نوافل لكن صلاتها ليس فيها خشوع تام؛ فهي تؤدي دون أن تستشعر ذلك، ولكم أن تحكموا بأنفسكم كيف لقلب متعلق بتفاهات الدنيا أن يناله نور الإيمان التام.

لست أدين والدتي أو أتهمها بأشياء سلبية، بالعكس والله هي إنسانة جيدة، لكن كثرة مشاهدتها لهذه المسلسلات جعلها قلقة، وصدرها ضيق، وتثور لأتفه الأسباب، حتى أنني وقعت في مشكلة كبيرة ولم تنتبه لمعاناتي، في حين كنت أحتاجها إلى جانبي، لكني صبرت واحتسبت الأجر عند الله، لكن مواقفها سلبية جداً تجاه إخوتي؛ فهي لا تكاد تشعر بحاجتنا إليها.

خلاصة القول أنها بعيدة عنا وعن الطريق الذي على سيدة في سنها أن تنتهجه، فساعدوني بحل يريحني ويجعلني أوفّق في مساعدتها، ولتعلموا أن أميتها وعدم قدرتها على تقبل النصح حالتا دون مقدرتنا على مساعدتها!

وشكراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Chahla mahmoud حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجزيك خيراً عن أمك، كما نسأله تبارك وتعالى أن يعافيها من هذا التعلق الشديد بتلك المسلسلات والأشياء التي تضيع فيها عمرها بلا فائدة تُذكر، خاصة تلك المسلسلات التركية التي تحرص عليها بصفة دائمة.

وبخصوص ما ورد برسالتك، فإنه يدل دلالة قاطعة إلى أن والدتك بدأت منذ فترة طويلة في مشاهدة تلك المسلسلات التركية وغيرها، وأنها وصلت إلى درجة الإدمان، وإن كان هناك من يُنكر فكرة الإدمان في هذه الأشياء، إلا أن هناك من يؤيدها بأن الإنسان من الممكن أن يدمن عملاً أو مشاهدة مسلسلات أو أفلام معينة، وكذلك أيضاً هناك من يُدمن الدخول على الإنترنت وغير ذلك.

العلاج بداية يكمن في الدعاء لها، والإلحاح على الله سبحانه وتعالى أن يهديها وأن يرزقها حسن الخاتمة، ونحن كما تعلمين نركز على قضية الدعاء؛ لأنه من أعظم عوامل التغيير؛ حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء) وأخبرنا بقوله صلوات ربي وسلامه عليه أيضاً: (لا يرد القضاء إلّا الدعاء) والله تبارك وتعالى وعدنا سبحانه وتعالى جل جلاله أننا إن سألناه أن يعطينا، وإن دعوناه أن يُجيبنا؛ حيث قال سبحانه: (( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ))[غافر:60] وقال أيضاً: (( أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ ))[البقرة:186]، فاجتهدي في الدعاء والإلحاح على الله تعالى أن يغيّر هذا التوجه، وأن يحول الله قلبها عن تلك الأشياء.

الأمر الثاني الذي يعتبر سبيلاً من سبل العلاج: محاولة التواجد معها بصفة كبيرة، بمعنى أن تجلسي معها فترة طويلة، وأن تحاولي أن تتكلمي معها وأن تشغليها عن التعلق بتلك الأشياء من المسلسلات وغير ذلك.

قطعاً هي قد تتبرم في أول الأمر، وقد يضيق صدرها، وقد تثور في وجهك؛ لأنها ستشعر بأنك تريدين حرمانها من هذه الأشياء التي تحبها، ولكن أتمنى أن لا تتواني ولا تقصري؛ لأنها الآن في حالة حرجة تحتاج إلى وقفة حازمة معها، وإذا كلمتك فقولي لها: (يا والدتي أنا ما أردت لك إلا الخير) تقول: أنا أعرف مصلحتي، ولا أرتكب حراماً، ولا أفعل، ولا أفعل، ولكن قولي لها: (أمثالك الآن من المفترض أن يشتغلن بطاعة الله، أن يكنّ من الصالحات القانتات، وأن يكن من العابدات القريبات من الله، وأنا أريد لك ذلك، أريد لك درجة عالية في الجنة، ومنزلة عظيمة عند الله تعالى).

فحاولي أن تتواجدي معها؛ لأنها قد تستحيي منك عندما تجدك جالسة، وتحاولين أنت أن تفتعلي أي موضوعات لجذب انتباهها وإبعاد قلبها وعينها عن مشاهدة تلك المسلسلات أو غيرها.

كذلك أيضاً أنت وأخواتك، فمن الممكن أيضاً أن تتناوبوا معاً على أن يكون هذا الأمر باستمرار موجودا معها أحد من أخواتك مثلاً يشغلها عن التركيز عن هذه الأشياء، حتى تشعر بعد ذلك بالملل.

لا مانع أيضاً بالاستعانة ببعض صديقاتها أو صويحباتها أو قريباتها، القريبات اللواتي لديهنَّ ظروف تسمح بمساعدتكنَّ، مساعدة الوالدة في الجلوس معها فترة من الزمن، بمعنى أنك إن وجدت أحداً كانت تحبها من النساء، وكانت تميل إليها، وغير ذلك، سواء كانت قريبة أو بعيدة، فحاولي أن تدفعيها إلى الجلوس معها، وأن تطلبوا منها أن تتواجد معها ولو بصورة منتظمة، وتقوموا أنتم بالإكرام، إلى غير ذلك حتى تشجّعي صديقاتها أو قريباتها على الجلوس.

أيضاً توفير البديل، حاولي أن تغيّري القناة، وتقولي: (ما رأيك في هذه القناة، وهذه الأشياء جميلة) وتحاولي أن تجتهدي في ذلك.

هذا أعتقد هو الفرصة المتاحة؛ لأن تقدم السن مع الأمية يجعل وجود أي شيء آخر صعب التنفيذ أو التطبيق، ولكن مع الدعاء وهذه الأشياء التي أشرت إليها من الممكن -بفضل الله- أن نحاول أن نقلل ولو بنسبة ما هذا التعلق، وأعتقد أننا مع الدعاء والأخذ بالأسباب العملية سيأتي علينا يوم وقد تمكنا من تخليصها -بإذن الله- من هذا التعلق، نسأل الله لك التوفيق والسداد، وأن يعينكم على مساعدة أمكم في التخلص من هذا التعلق الذي يؤدي إلى ضعف الإيمان، وقد يؤدي إلى سوء الخاتمة، كما نسأله تبارك وتعالى أن يغفر لها وأن يتوب عليها، إنه جواد كريم.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً