الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحس أن أسرتي تظلمني...فهل إحساسي في محله؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

عائلتي متشددة نوعا ما, فأنا لا أمتلك جوالا مثل قريباتي, وحتى الإنترنت ممنوع, لكنني أخذت جوالا بالسر دون علمهم, وانتهيت من دراستي الثانوية, ومنعوني من دخول الجامعة, وأجلس فترات طويلة في البيت -تقريبا شهرين- لا أخرج أبدا, مع العلم أن أبي طيب وحنون ويمازحنا, ويلعب معنا, ولكنه عصبي جدا, على أي شيء تافه يصرخ ويشتم, والألفاظ البذيئة عنده شيء عادي, وأمي شديدة لا تعترف أبدا بشيء اسمه عطف أو حنان, ودائما تردد "أنتم كبرتم ولا أحتاجكم ولا تحتاجوني", وأنا لي أختان: الكبيرة مريضة عقليا, والصغيرة مريضة نفسيا, وأربعة أولاد, وأنا والحمد لله سليمة, ولكني أصبحت سريعة الغضب هذه الأيام, حتى لو مزح أبي معي أرد عليه, ولا أريده أن يمزح معي, وهو بدوره يصرخ في وجهي, وعندما أهدأ أتمنى أنني لم أغضبه ثم أتناسى الأمر, أنا لا أعرف كيف أتعامل معهم؟ أنا والحمد لله أحاول دائما أن أكون إيجابية بقدر المستطاع لكني تعبت، فهل إحساسي بالظلم في محله أم أنني أبالغ فيه؟

تحياتي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ زينة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فالإحساس بالظلم الذي ينتابك هو دليل على عدم الاستقرار النفسي، ومن وجهة نظري هو أمر طبيعي في مثل هذه المواقف، لكنه ليس من الضروري أن يكون تقييمك للأمور صحيحًا، وأقصد بذلك أنه ربما تكون هنالك نوع من المبالغة في هذه الأحاسيس؛ لأن القلق والتوتر وعدم الاستقرار النفسي هو الدافع الرئيسي، لكن الإنسان حين يكون غير مستقر نفسيًا, ويحس أنه متضايق من قبل الآخرين, وأن مساهماته سلبية جدًّا في الحياة, يأتيه الشعور بالظلم، فمن هذه الناحية هذا الشعور شعور طبيعي.

أسأل الله تعالى العافية لأختيك المريضة بالمرض العقلي والمريضة بالمرض النفسي، وأسأل الله تعالى لكم التوفيق على النطاق الأسري.

أنا أنصحك بأن تنظري إلى الجوانب الإيجابية في أسرتك, فأنت وصفت الوالد بأوصاف إيجابية كثيرة، ولكنك في نفس الوقت كان تركيزك على الجانب السلبي وهو كثرة انفعالاته, فيجب أن يتم تجنبه في أوقات الانفعال, أو أن نبتعد تمامًا عن الأمور التي تثيره وتجعله منفعلاً, والوالدة يمكن أن تكسبوا ودها بالتقرب منها, وبالحوار معها، واستشارتها، ومساندتها في الأعمال المنزلية، وتقديم الاقتراحات الجيدة لها من أجل مصلحة الأسرة.

من المهم جدًّا أن تسعي لأن تقبلي من حولك كما هم لا كما تريدين أنت، لأن الإنسان حين يسعى لأن يفرض قيمه وأن يجعل الآخرين يتبعوا هذه القيم وينظر إليهم بهذا المنظور يصاب بالقلق والتوتر وعسر المزاج، وهنا يضيع عليه الطريق تمامًا, لكننا حين نعامل الناس كما هم - أي نقبلهم بأخطائهم ومميزاتهم السلبية - ولا نعاملهم كما نتمنى أن يكونوا، هذا يساعد الإنسان كثيرًا، ويجعلك لا تستغربين لأي مفاجآت أو تصرفات سلبية إذا صدرت من أحد أفراد أسرتك، وفي نفس الوقت هذا المبدأ وهذا الشعور في التعامل يقرب ما بينك وبين أسرتك، مما يتيح لك فرصة لتطوير هذه العلاقات بصورة إيجابية وذلك مع مرور الزمن، وحين تأخذين المبادرات الإيجابية وتكونين متقبلة لأهلك ولذويك هذا أيضًا سوف ينعكس عليك إيجابيًا؛ لأنك سوف تكونين النموذج الجيد الذي يُقتدى به، وهذا سوف يصلح شأن الأسرة كلها.

الأمر الآخر الذي أود أن أنصحك به هو أن نصف لك دواء بسيطًا، دواء مزيلاً للقلق, مزيلاً للمخاوف, ومزيلاً للتوترات؛ لأن العصبية والانفعالات السلبية دائمًا هي مغذية رئيسية للمواقف التصادمية داخل الأسر.

حين أصف لك هذا الدواء لا يعني أنك مريضة، لكني أعتقد أنه سوف يكون عاملاً مساعدًا جيدًا لك لإزالة التوتر وتحسين المزاج مما يسهل عليك التعاطي مع أسرتك.

هنالك دواء يعرف تجاريًا باسم (زولفت) واسمه الآخر تجاريًا هو (لسترال) ويسمى علميًا باسم (سيرترالين) يمكن الحصول عليه دون وصفة طبية من الصيدليات، والجرعة المطلوبة هي أن تبدئي بنصف حبة (خمسة وعشرين مليجرامًا) تناوليها يوميًا لمدة أسبوعين، ويفضل تناولها بعد الأكل، بعد ذلك اجعليها حبة كاملة في اليوم، ومدة العلاج هي ستة أشهر، بعدها تخفض إلى نصف حبة يوميًا لمدة ثلاثة أشهر، ثم يتم التوقف عن تناول الدواء, هذه الجرعة جرعة بسيطة جدًّا؛ لأن هذا الدواء يمكن تناوله حتى مائتي مليجرام - أي أربع حبات - في اليوم، لكنك لست في حاجة لهذا.

الذي أرجوه منك أيضًا هو أن تكوني فعالة، أنت لا عمل لديك، لذا لماذا لا تذهبين إلى مراكز تحفيظ القرآن؟ فهي كثيرة جدًّا بفضل الله تعالى في المملكة العربية السعودية، وهذا يتيح لك فرصة اكتساب العلم والمعرفة, وتحسين التواصل الاجتماعي والعيش في جو مطمئن.

وعليك أيضًا بممارسة أي نوع من الرياضة التي تناسب الفتاة المسلمة، واهتمي بأختك المريضة - أسأل الله لها العافية والشفاء - وأنا أؤكد لك أن الأمراض النفسية أو حتى العقلية مهما بلغت أصبحت هناك الآن طرق كثيرة جدًّا يمكن من خلالها مساعدة المريض، فأرجو الاستمرار بالتواصل مع الطبيب النفسي الذي يُشرف على حالة أختك، والالتزام بتناول العلاج الدوائي مهم جدًّا في حالات المرض العقلي، ولا بد أيضًا أن تساعد هذه الأخت من خلال تأهيلها، وأقصد بذلك أن تشارك في الأعمال المنزلية, وأن تُعطى شيئا من الاعتبار، وأن تستشار، هذا كله يفيدها كثيرًا.

حسّني علاقتك مع والدتك كما ذكرت لك، فهذا أمر ضروري، وسوف يعود بإيجابيات كثيرة جدًّا عليكم كأسرة، وأسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً