الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

!التأتأة ومستقبلي المجهول

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لا أدري كيف أبدأ في سرد استشارتي هذه، ولا أدري من أي المداخل أدخل بها إليكم، ولكن بالتأكيد سأدخل بدون مقدمات تذكر، أنا طالب في المرحلة الثانوية، وبعد أسبوعين - بإذن الله - سأتخرج من الثانوية بعد معاناة دراسية صعبة جداً، واجهت فيها الكثير من الظروف، ولا أكذب عليكم أنني فكرت في ترك الدراسة، ولكن ضغوط الأهل هي من أجبرتني على الإكمال، طبعاً كل هذا بسبب التأتأة التي بدأت في تدميري منذ سن مبكرة، وها هي تقتل أحلامي رويداً رويداً، في الصغر كنت أقول حينما أكبر ستختفي، لأتفاجأ أنها تزيد وتزيد آلامي معها،

أنا بطبعي لا أحب أن اشعر بالنقص، ولكن قمة الألم عندما يسألك مدرسك عن سؤال وأنت تعرف إجابته ولكن تتهرب من الإجابة بقول ( لا أدري )، وقمة القهر عندما يكون في خاطرك سؤال لم تفهمه وتفضل الصمت قهراً.

أصبحت أخشى حتى من قول اسمي، فكيف بالله تريدونني أن أكمل دراستي بعد الثانوية؟! والمشكلة أن الأهل يزيدونني قهراً وتحسراً على نفسي عندما يكررون أنك ستتخرج كطبيب وستكمل دراستك بالخارج! آه ثم ألف آه، هذا حلمي ولكن التأتأة تبكيني ولا أدري ماذا أفعل.

طبعاً هذا الكلام شيء بسيط من معاناتي مع التأتأة واختصرته في المرحلة التعليمية، أما الحياة الاجتماعية فـحدث ولا حرج، دائماً أتهرب من سخريتهم بالضحك، ولكن في داخلي ألف دمعة، لا أعترض على قدر الله بل مؤمن به، ولكن ألا يوجد حل فعلي لهذا المرض؟ وهل تنصحونني أن أفاتح أخي الأكبر بهذه المشكلة كي يساعدني على حلها؟ فأنا أصاب بالحرج ودائماً أتهرب منه!

مشكلتي أيضاً أنني أعتقد أنه ليس لها علاج، وكل ما يكتب في النت لم أقتنع به، والله حالتي أصبحت سيئة، أرجوكم أفيدوني، ويعلم الله أنني لا أفكر في الاختبارات القادمة بقدر ما أفكر فيما بعد الاختبارات، وكيف سأذهب للدراسة الجامعية، كيف؟ وكيف؟

هذه كلمات من خاطري بدون تنسيق وترتيب، وأنا أكتبها قبل الخلود للنوم، وأعتذر عن الإطالة، أنتظر إجابتكم على أحر من الجمر.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

أود أن أطمنئك بأنك قد شرحت حالتك بصورة واضحة وجلية جدًّا، وأنا أود أن أبدأ معك بدعاء سيدنا موسى عليه السلام: { رب اشرح لي صدري * ويسر لي أمري * واحلل عقدة من لساني * يفقهوا قولي } هذا النص القرآني دليل قاطع أن عثرة اللسان (التلعثم والتأتأة) هي جزء من حياة بعض البشر، والذين وصلوا لهذه المقامات العليا كسيدنا موسى عليه السلام وجدوا أن الحل في الدعاء، لذا أنا أوصيك بالدعاء، ونأخذ بالأسباب العلاجية وهي الآن كثيرة جدًّا، وأنا أبشرك بأنه توجد أدوية علاجية تفيد الآن، وذلك بجانب التوجيهات الأخرى التي ربما تكون ثقتك فيها مهزوزة فيها بعض الشيء، لأنك ذكرت أنك لا تحس بفائدة كبيرة مما يُذكر في النت.

حالة التأتأة التي لديك يظهر أنها قد اختلطت بشيء من الرهاب الاجتماعي الذي جعلك تُكثر من التجنب لمواجهة المواقف الاجتماعية، وهذا قطعًا هو الذي أشعرك بالإحباط وافتقاد الكفاءة الذاتية بالرغم من مقدراتك المتوفرة، وأنا سعيد جدًّا أنك مقبل على إكمال المرحلة الثانوية، والتعليم لابد أن يكون هدفًا ساميًا، وفي نفس الوقت أنا أقدر حجم الإحباط الذي أصابك من هذه التأتأة.

أولاً: توجد الآن أدوية فعالة جدًّا مفيدة، وهذه الأدوية تعمل من خلال تخفيض القلق والخوف، والذي هو من الدوافع الرئيسية والمسببات أو العوامل التي لا يمكننا أن نتجاهلها حينما نتحدث عن التأتأة.

يوجد دواء يعرف تجاريًا باسم (رزبريادال) ويعرف علميًا باسم (برزبريادون) أريدك أن تتناوله بجرعة واحد مليجرام ليلاً، ومدة العلاج هي ستة أشهر على هذا الدواء، وهنالك دواء آخر يعرف تجاريًا باسم (زيروكسات) ويعرف علميًا باسم (باروكستين) هو دواء ممتاز أيضًا لعلاج المخاوف والقلق ويساعد كثيرًا في مثل حالتك، ابدأ في تناول الزيروكسات بجرعة نصف حبة - أي عشرة مليجرام - تناولها يوميًا لمدة شهر، بعد ذلك ارفعها إلى حبة كاملة واستمر عليها لمدة ستة أشهر، ثم بعد ذلك خفضها إلى نصف حبة يوميًا لمدة شهرين، ثم نصف حبة يومًا بعد يوم لمدة شهر.

أنا على ثقة كاملة أنك - إن شاء الله تعالى - بعد شهرين إلى ثلاثة من بداية هذه الأدوية سوف تحس بتحسن كبير فيما يخص قدرتك على التفاعل مع الآخرين، وسوف تخف هذه التأتأة، وما بقي منها لن تحس بتحرج حولها، فلا تحرم نفسك من هذه الأدوية، حيث إنها فاعلة وجيدة وسليمة، هذا في المقام الأول.

ثانيًا: أنصحك بتطبيق تمارين الاسترخاء، حيث إنها أثبتت جدواها، وللتدرب على هذه التمارين يمكن أن تتصفح أحد المواقع على الإنترنت، وهنالك طريقة تسمى جاكبسون من الطرق المفيدة جدًّا.

ثالثًا: لا تراقب نفسك أثناء الحديث، أعرف أن ذلك ليس بالسهل، لكنه ليس بالمستحيل، وعليك أن تحدد الكلمات والحروف التي تجد فيها صعوبة في نطقها، وحاول أن تكتبها في ورقة وتكررها عدة مرات.

رابعًا: عليك أن تصنع مواقف تتخيل فيها أنك تقوم بإلقاء درس أو محاضرة أو خطبة أمام تجمع كبير جدًّا من الناس، قم بتخيل هذا الموقف، وقم بتنفيذه حقيقة، قف في الغرفة وتخيل أنك أمام هذا الجمع، وابدأ بدرسك أو محاضرتك أو خطبتك، وقم بتسجيلها في المسجل، وبعد ذلك استمع لما تقوم بتسجله، كرر هذا بصفة لا أقول لك دائمة، ولكن متواصلة لمرتين أو ثلاثة في الأسبوع، وسوف تجد - إن شاء الله تعالى - فيه فائدة كبيرة جدًّا.

سيكون من الأفضل لك أيضًا أن تقابل أخصائي التخاطب، سوف يدربك على أمور مفيدة جدًّا، خاصة أن تربط ما بين الشهيق والزفير والكلام، فهذا فيه فائدة كبيرة جدًّا، ويا حبذا أيضًا لو تواصلت مع الشيخ في المسجد لتعلم مخارج ومداخل الحروف ونطقها بصورة صحيحة، حيث إن ذلك يساعد كثيرًا في إزالة التأتأة، ويا حبذا لو تطور الأمر والتحقت بحلقة من حلق القرآن، فهذه فيها الطمأنينة والسكينة ولا أحد سوف يستصغرك أو يستهزأ بك حتى وإن ظهرت هذه التأتأة، والتي لا أتوقع أن تظهر في مثل هذه المواقف.

أنا لا أريدك أبدًا أن تحس بإحباط، فالأمل والرجاء معقود إن شاء الله تعالى، وأقول لك مرة أخرى: أسأل الله أن يحلل عقدة من لسانك، وأن يحقق لك أمانيك، وأن تصبح طبيبًا بارعًا أو أي أمنية أخرى تتمناها.

لمزيد من الفائدة يمكنك الاطلاع على الاستشارات حول علاج التلعثم والتأتاة سلوكيا (265295 - 266962 - 280701 - 2102145) .

أسأل الله لك التوفيق والسداد، وأشكرك على تواصلك مع إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً