الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

متعلقة بمعيد بالجامعة وأعلم أنه لا يفكر بي، فبماذا تنصحوني؟

السؤال

السلام عليكم

أنا طالبة جامعية أبلغ من العمر 19 عاما، حدث منذ فترة أن تعلقت بأحد المعيدين في الكلية، وسبب هذا التعلق الإعجاب بشخصيته، وثم اهتمام هذا المعيد من جانبي من ناحية الدراسة، ولأول مرة أتعلق بشدة بشخص هكذا، إنني أفكر به دائما، وأدعو الله في صلاتي أن يجعله زوجا لي، ولكن أنا متأكدة أن هذا المعيد لا يفكر بي نهائيا، حيت أني أفتقر للجمال، حياتي كئيبة خصوصا أني أعلم أن الله غير راض علي بسبب ذلك، كنت دائما أحب الحياة بكل ما فيها، لكني أصبحت أعيش بلا هدف.

إني متعلقة بهذا المعيد بشدة، دعوت الله أن يبعد التفكير فيه عني، لكن لا شيء حدث، أنا خائفة جدا، أرجوكم أرشدوني، ماذا أفعل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ المشتاقة لله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله العلي الأعلى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يمنَّ عليك بزوج صالح طيب مبارك، وأن يعافيك من هذا التعلق الذي يبدو أنه غير موفق وغير مناسب، كما نسأله تبارك وتعالى أن يرزقك رضاه والجنة، وأن يعيذك من غضبه والنار.

وبخصوص ما ورد برسالتك -ابنتي الكريمة الفاضلة- أقول لك: إن المرحلة السنية التي أنت فيها مرحلة حرجة وخطيرة، لأنها مرحلة خروج من عالم الطفولة المتقدمة إلى عالم الأنوثة الكاملة، والأنوثة الكاملة تعني تفجر رغبات داخلية في جسد المرأة لم تكن موجودة من قبل، هذه الرغبات منها على سبيل المثال الرغبة في الميل إلى الطرف الآخر، خاصة وأن البنت تكون في هذه المرحلة ما زالت لم تعرف التعلق بالرجال غالبًا، فما أن تُعجب بشخص ما إلا وتشعر بأنه قد ملك قلبها وملأ عليها حياتها، وأصبح هو الهدف الرئيسي لحياتها وينصب تفكيرها كله عليه وعلى الارتباط به.

وبالتالي تظل حتى في خلواتها تفكر فيه، وتتأمل صورته من خيالها، وتحلل حركاته التي تراها، سواء كان يتعمدها أو لا يتعمدها، وتتخيله وهو يمشي وهو يتكلم وهو يناقش وهو يحاور، بل أحيانًا وهو يأكل وهو يشرب وهو ينام، فتُصبح تعيش حياة بعيدة عن الواقع، وتخرج من الوضع الطبيعي إلى الوضع الخيالي الذي يؤدي إلى ضياع العمر في شيء قد يكون غير مناسب وقد يكون غير حقيقي أو طبيعي.

فهذه مرحلة سنية وأنت فعلاً قدر الله تبارك وتعالى لك عندما أطلقت العنان لنظرك ونظرت إلى هذا الشاب وخالفت أمر الله تبارك وتعالى أصابك سهم في قلبك وهو التعلق به، رغم أنك بعقلك الطبيعي تدركين ومتأكدة أنه لن يفكر فيك مطلقًا، حيث إنك لست مثلاً فائقة الجمال مما قد يلفت نظره لك، ومما لا شك فيه أن هناك في مقاعد الدراسة المئات من أمثالك، ولعل بعضهنَّ أكثر جمالاً منك، إلا أنهنَّ لم يلفتن نظره، لأنه ليس من المعقول أن كل أستاذ بالجامعة أو كل مدرس بالصف كلما نظر إلى فتاة فأعجبته تزوجها أو تعلق بها، وإلا كانت حياته صعبة وقاسية وغير مستقرة، ولذلك هذا الذي حدث لك إنما هو نوع من شؤم المعصية، إذ أنك أطلت النظر إلى ما لا يجوز لك النظر إليه؛ لأن نظرك قطعًا كان يختلف عن نظر بقية الطالبات، فإن الطالبة قد تنظر إلى المعلم على أنه والد وعلى أنه صاحب رسالة، وعلى أنه ينبغي أن تركز على كلامه باعتبار أنها ستستفيد منه علميًا، أما أن تنظر إليه بنظرة التشهي والرغبة الخاصة والميل القلبي فهذا هو المحظور، ومن هنا فإني أقول لك:

إن العلاج ابنتي الفاضلة أولاً: في محاولة تشتيت هذه الفكرة وعدم الاستسلام لها كلما مرت بخاطرك، فكلما جاء بخاطرك ذكراه حاولي قدر الاستطاعة أن تشتتي هذه الفكرة بأن تستعيذي بالله من الشيطان الرجيم، وأن تنظري يمينًا أو يسارًا، أو أن تشغلي نفسك بأي أمر آخر، وأن تجتهدي في تغيير واقعك، بمعنى أنك إذا كنت نائمة فقومي من النوم فورًا ولا تستسلمي للأفكار، وإذا كنت جالسة فقفي، وإذا كنت وحدك فتحركي واخرجي من الغرفة أو المكان الذي أنت فيه، وحاولي أن تتكلمي مع أي أحد أو تنظري من النافذة مثلاً، أو أن تنظري في كتاب أو في أي شيء يشغلك، مع الاستعاذة بالله نم الشيطان الرجيم، والدعاء والإلحاح على الله أن يعافيك الله من ذلك.

فحاولي بارك الله فيك المقاومة بشدة للأفكار، لأن هذه المسألة مسألة فكر ذهني، والفكر الذهني يمكن إخماده بالمقاومة، ولكننا لو تركنا الأمر واستسلمنا له فإنه سوف يتأكد ويتقوى ويتعمق في ذاكرتك وفي قلبك، أما إذا حاولت مقاومته والنفور منه والتصور بأنه شخص عادي وتذكرين سوءاته التي مثلاً يعيشها وأنه شخص عادي من الممكن أن تكون له أخطاء وأنه ليس معصومًا من الخطأ، وأنه ليس هو الشخص الذي يناسبك مثلاً، إلى غير ذلك من هذه الأفكار التي تزودين بها عقلك فسوف تستطيعين التخلص من هذه الأفكار.

أنا لا أقول لك بأن المسألة سوف تنتهي ما بين عشية أو ضحاها، وإنما الأمر يحتاج بعض الوقت، ولذا عليك بالدعاء والإلحاح على الله تعالى أن يعافيك منه، وحاولي قدر الاستطاعة أن لا تتواجدي في الأماكن التي يوجد بها، حتى ولو وصل الأمر إلى ترك المحاضرات التي يشرحها فأرى أن ذلك مناسب، وإن كان هناك تفويت لبعض المصالح الدراسية، إلا أن في ذلك نجاة لقلبك ولحياتك من هذه الكآبة التي تعيشينها أنت الآن، وحاولي أن تقنعي نفسك بأنه ليس لك، وقولي بكل صوت عالٍ (إنه ليس لي، لن يصلح زوجًا لي) حاولي أن تقولي هذا بينك وبين نفسك، وعليك بالدعاء وأبشري بفرج من الله قريب.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً