الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحمل هم العالم في قلبي.. فهل هناك نصيحة أنتفع بها في هذه الحالة؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله
أشكركم على كل ما تقدمونه من خدمة للجميع.
مجال استشارتي حول نقطتين:

• النقطة الأولى هو أني أعاني من وقت لآخر من الخوف من المستقبل، وأحزن كثيرا عندما أفكر بأني سأفقد أحد أحبابي، أو أقاربي؛ لأن ذلك سيحدث لا محالة بسبب الوفاة خصوصا أمي وأبي الطاعنين في السن، وزوجتي وأطفالي الذين هم أغلى ما في حياتي.

كما أن نظرتي للمستقبل أصبحت متخوفة كثيرا، وأشعر أن المستقبل سيكون مظلما بعد ما حدث من مشاكل سياسية في بعض البلدان العربية، ومشاكل اقتصادية في بعض الدول المتقدمة.

وأشعر بالغبطة عندما أرى من حولي لا يهتمون بهذه الأمور، وأود أن أعيش مثلهم لا أحمل نفسي هم المستقبل، وأسلم أموري لله، ولكن لا أستطيع المداومة على ذلك.

• النقطة الأخرى هي أني أهتم بما يعانيه أي شخص في العالم بشكل غير منطقي في رأيي فمثلا أشعر بكآبة وحزن عندما أرى ضحايا الحروب والأمراض والمجاعات، خصوصا الأطفال.

وأشعر بتلك الكآبة عندما أرى أحوال إخواننا في غزة وسوريا خصوصا ما يعانيه الأطفال.

صحيح أن الجميع يحزن لحالهم، ولكني أحزن على حالهم بشكل ينعكس على حياتي بشكل سلبي جدا،بل لا أخفيكم أني لا أطيق رؤية أي حيوان يتألم.

باختصار لم أعد أستطع أن أحمل هم العالم في قلبي، فهل هناك نصيحة انتفع بها في هذه الحالة؟

وهل حالتي هذه مرضية، أو لها مسمى أو تشخيص طبي؟

أتمنى لكم التوفيق، والله يحفظكم ويرعاكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد السليمان حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فإن الخوف من المستقبل أمر شائع جدًّا، وهو يتفاوت من إنسان إلى إنسان، وهنالك حالة طبية نفسية نسميها بالقلق التوقعي، أي تجد الإنسان يفترض افتراضات ليست منطقية، وتجده يقلق كثيرًا حيال تبعات ما سوف يحدث في المستقبل، هذا النوع من التفكير قد يكون مزعجًا جدًّا لصاحبه، وهنا يعتبر حالة مرضية، ولكن في حالتك لا أعتقد أنك أبدًا وصلت إلى هذه المرحلة.

نعم تنتابك بعض المخاوف الوسواسية المستقبلية حول وفاة الأقرباء، وشيء من هذا القبيل، لكن هذا الأمر محسوم حسمًا أبديًا، وهو أن الموت آتٍ ولا شك في ذلك، وأن لكل أجل كتاب، وأن كل نفس ذائقة الموت، وعلى الناس أن تعمل لما بعد الموت، ومن يتوفى من المسلمين ندعو له بالرحمة والمغفرة، وأن لا يفتنا بعده، هذا هو العلاج لهذا الأمر، ولا يوجد أي علاج آخر.

بالنسبة لاهتماماتك الأخرى وما يشغلك حول المتغيرات في البلدان العربية، والحروب هنا وهناك، والمجاعات، أعتقد أنك على صواب تمامًا أن تتأثر بهذه الأوضاع، لماذا تريد أن تحيد، أو تبلّد نفسك عاطفيًا ووجدانيًا؟!

هذه أمور تستحق التفكير، ومن لم يهتم بأمر المسلمين ليس منهم، فأنت على صواب، وأنت على حق، لكن لابد أن تكون هنالك شيء من الوسطية في التفكير في هذه الأشياء، يجب أن لا يصل بك الألم إلى درجة أن يعطلك عن العمل، وقل لنفسك: (أنا إذا قلقتُ وتألمتُ وتفاعلتُ وجدانيًا بصورة فظة حول هذه الأحداث لن أقدم شيئًا، ولن أساهم بأي شيء فيما يحدث من حولي).

أقنع نفسك منطقيًا أن اهتمامك بشأن العالم، بشأن من هم حولك، بشأن المستقبل، هذه أمور طبيعية جدًّا، بل هي مطلوبة حتى يحفز الإنسان نفسه ويزودها بما تتطلبه هذه المراحل من مواجهة، لا تبحث عن الحياد أو التبلّد العاطفي، هذا ليس مطلوبًا، وهذا يُضعف الهمة، وأنا من وجهة نظري أن هذا خطير، لكن لا تحمل نفسك فوق طاقتها أبدًا.

وهنالك أدعية واردة في السنة المطهرة، كيف يدعو الإنسان في حالة الأزمات، في حالة الكوارث، كيف يطلب الرحمة، ماذا يقول الإنسان إذا خاف من شر الآخرين، وهكذا .. هنالك أخي الكريم أمور ومقتطفات في السنة النبوية المطهرة إذا لجأت إليها سوف تفيدك كثيرًا.

حالتك ليست حالة مرضية، ولا أعتقد أنك مريض، هو مجرد نوع من التعبير الوجداني، ربما تكون أنت حساس بعض الشيء، فيك شيء من الرحمة والوجدانية أكثر مما يجب، وهذا ليس عيبًا أبدًا، لكن تذكر أنك يجب أن تكون متوازنًا في هذه الأمور، وهذا موجود في السنة كما ذكرت، مثلاً: (إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليُحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته).

حقيقة سوف يحدث لك نوع من الإشباع النفسي إذا انخرطت في العمل التطوعي، انخرط في العمل التطوعي، ساعد أهل الصومال، ساعد أهل أفغانستان، أهل غزة، وهكذا، وكل ما يصيب هذا العالم الإسلامي اهتم به، ساهم أي نوع من المساهمة. أخي الكريم: هذا يُشعرك بالرضى.

والأمر الآخر هو: أن تجتهد في أمورك الحياتية، تطور وضعك الاجتماعي، تزيد من مهاراتك، من تواصلك الاجتماعي، تسعى لما يساعد في تنشئة أبنائك بالصورة السليمة، وأن تعيش مع زوجتك حياة سعيدة، وهكذا، كل هذا مطلوب وأنت لست مريضًا أبدًا.

وللفائدة يمكنك مطالعة الاستشارات حول علاج الخوف من المجهول سلوكيا برقم: 261797 - 263284.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً