الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وافقت على شاب خلوق ومتدين، لكن وضعه المادي متوسط ..فما رأيكم؟

السؤال

السلام عليكم.

البداية أشكر جهودكم الجبارة التي تقدمونها لخدمة الإسلام والمسلمين.

أنا صاحبة الاستشارة رقم: 2118592.
لقد تقدم لي بعد كتابتي للاستشارة العديد من الشباب كان آخرهم شاب متدين وخلوق, وقد وافقت عليه بعقلي لا بقلبي، وقد تمت بحمد الله خطبتي(عقد قراني) على هذا الشاب رغم معارضة أمي، ولكن بتشجيع أبي !!

الصفات الإيجابية لهذا الشاب: ملتزم محافظ على معظم الصلوات في المسجد, طيب جدا جدا, يحبني، وحسن التعامل معي, يتحملني عندما أغضب, متعلم ومعه ماجستير, سبب تمسكي به أنه عرض عليه مبلغ ضخم كجائزة لكنها ربوية، فرفضها على الرغم من حاجته لها وضغط أهله عليه.

النقاط السلبية فيه: أن وضعه المادي متوسط، وأخاف أن أحرم معه من أشياء كنت متعودة عليها.

الشيء الثاني أنه خجول يحمر وجهه بسرعة, ليس سريع البديهة, مولود في دول الخليج، ويعيش هناك وأنا من الأردن، وبالتالي سأعيش معه بغربة، وسأضطر أترك وظيفتي في بلدي من أجله.

علما بأن الوظيفة التي أشتغل بها مغرية، ولا تصح لأي أحد، والكل يعتبرني محظوظة لأجلها، ومجنونة إن تركتها.

في البداية كانت أمي وأختي معارضات من أجل موضوع الغربة، والوضع المادي، لكن تحت إقناع والدي، وافقت أمي, وبالنسبة لي فأنا وافقت بعد الاستخارة رغم كل هذه السلبيات، وخاصة أني بحاجة لرجل ذي شخصية قوية، غير متوفرة فيه لأنه متدين وطيب، ولن يظلمني.

أنا الآن في مرحلة الخطبة بعد العقد مضى أربع أشهر أشعر أني بدأت أحبه فهو كما أسلفت طيب، ويحبني أكثر مما أحبه, ولكني خائفة من المستقبل معه، وأخاف أن أندم لأني لا أشعر معه بالاستقرار المادي.

حتى الآن أستخير الله في البقاء معه, ولكن -لا قدر الله- إذا انفصلت فلن أجد أطيب منه، وخصوصا أني بدأت أحبه كما أسلفت.

أنا متوكلة على الله لأني استخرت الله، ولكن هل كانت موافقتي في محلها آنذاك؟ وخصوصا أني نظرت إلى الدين والخلق والتعليم فقط.

أطلت عليكم، ولكن أرجو منكم رجاءً حارا أن يكون الرد سريعا.

وجزاكم الله كل الخير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ الواثقة بالله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك مرة أخرى، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله العلي الأعلى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك لك في هذا الأخ، وأن يبارك له فيك، وأن يجمع بينكما على خير، وأن يجعلكما من سعداء الدنيا والآخرة، وأن يوسّع أرزاقكما، وأن يرزقكما ذرية صالحة طيبة مباركة تكون عونًا لكما على طاعة الله وحجابًا لكما يوم لقائه.

وبخصوص ما ورد برسالتك - أختي الكريمة الفاضلة - من أنه قد تقدم لك العديد من الخطّاب (الشباب) وآخرهم هذا الشاب المتدين الخلوق الذي وافقتِ عليه بعقلك لا بقلبك، وأنا أقول هذه حقيقة خطوة رائدة، لأن القلب يتقلب، أما العقل فإنه هو الذي يستطيع أن يزن حقيقة السلبيات والإيجابيات.

وتقولين أيضًا بأنه قد تم خطبتك وعقد قرانك على هذا الشاب رغم معارضة أمك، ولكن بتشجيع والدك، والصفات الإيجابية حقيقة رائعة جدًّا، خاصة أنه ملتزم ومحافظ على معظم الصلوات في المسجد، وطيب جدًّا، ويُحبك، وحسن التعامل معك، ويتحملك... هذه حقيقة صفات رائعة قلَّ ما توجد في شاب مع الأسف الشديد في شباب هذا اليوم.

أما النقاط السلبية وهي قضية أن وضعه المادي متوسط وأنك تخافين أن تُحرمي معه من أشياء كنت متعودة عليها، وكذلك هو خجول ليس سريع البديهة، مولود في دول الخليج.

هذه لا أعتقد أنها سلبيات كبيرة، لأن قضية الأرزاق أختي الكريمة الواثقة بالله تعالى لا علاقة لها حقيقة لا بالأعمال ولا بالجمال ولا بالخبرات ولا بالمؤهلات.

نعم أنت تعملين الآن في وظيفة مرموقة، ولكن من الممكن أيضًا أن يُكرمك الله تبارك وتعالى بفرصة عمل طيبة مع زوجك إذا كنتما ستعيشان في بلاد الخليج، ولعلها تكون أبعد من المحاذير الشرعية.

وتقولين أنك في مرحلة الخطبة بعد العقد ومضى أربعة أشهر وتشعرين بأنك بدأت تحبينه، ولكنك تخافين من المستقبل، وتخافين أن تندمي بأن لا تشعري بالاستقرار المادي معه، وأنت إلى الآن تستخرين الله تعالى في البقاء معه، ولكن كما ذكرت تخافين إن فصلت عنه أن لا تجدي أطيب منه.

وتقولين: ماذا أفعل في مثل هذه الحالة، وهل موافقتك به في محلها، وخصوصًا أنك نظرت إلى الدين والخلق والتعليم فقط؟

أقول لك أختي الكريمة الفاضلة: أولاً إن هذا الأخ الذي تقدم إليك لا ينبغي رده بحال من الأحوال، خاصة وأنك أشرت - جزاك الله خيرًا - على أنك اخترته من أجل دينه وخلقه، وهذه وصية النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه) وكذلك هو رجل متعلم ومثقف.

قضية المادي الذي هو مزعج لك إلى درجة بعيدة: هذه مسألة ليست لك وليس لأحد من الخلق، فإن الله تبارك وتعالى قدر المقادير قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، ومن هذه المقادير قضية الأرزاق، وثقي، وتأكدي أنه لا يمكن لأحد كائنًا من كان أن يأخذ شيئًا ليس من نصيبه.

كما أتمنى أيضًا أن تثقي وتتأكدي من أنه لا يمكن أبدًا أن يفوتك شيء قدّره الله تبارك وتعالى لك، فقضية الاستقرار المادي هذه ليست بيد أحد، لا بيدك أنت شخصيًا ولا بيد هذا الأخ، ولا بيد أحد في الكون، والدليل على ذلك أن الله تبارك وتعالى قال: {وفي السماء رزقكم وما توعدون} إذن الأرزاق في السماء وليست في الأرض، ومعنى أنها ليست في الأرض أنه يستحيل لأحد أن يتحكم فيها حتى ولا الأنبياء ولا المرسلين ولا الملائكة الكرام البررة، لأن قضية الأرزاق الذي تولى أمرها وما زال هو الله سبحانه وتعالى، ولذلك ربنا تبارك وتعالى يقول: {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كلٌ في كتاب مبين}.

فالله تبارك وتعالى هو الذي قسّم الأرزاق، والعلماء يقولون بأن الله تعالى جعل لكل عبد خزائن أودع فيها رزقه الذي قدّره الله له خلال فترة عمره، يعني حتى وهو مازال في رحم أمه جعل الله له رزقا، ولكن عندما كنا في عالم الأرحام كانت أرزاقنا مع أرزاق الأمهات، فنحن نأخذ من عصارة حياتهم من عظامهم ومن دمهم ومن غير ذلك حتى تحولنا من وضع إلى وضع، من نطفة إلى علقة إلى مضغة إلى غير ذلك، فلما خرجنا إلى عالم الحياة أيضًا جاءتنا الأرزاق مرة أخرى في صورة لبن مصفى طيب نرتضعه من ثدي الأمهات، فكان هذا أيضًا نوع من الرزق الموجود الذي قدره الله تبارك وتعالى لنا ونحن صغار.

ثم بعد ذلك بدأنا نتعود الأكل والشرب، إلى أن نلقى الله سبحانه وتعالى، وهذه هي الأرزاق التي قدرها الله جل جلاله، فكل ما يأتينا فهو من نعم الله علينا وهو بقدر الله تعالى، قال تعالى: {وما بكم من نعمة فمن الله}.

فإذن إن لك قسطا من الأرزاق قدره الله عز وجل لا يمكن أن يتغير بحال من الأحوال أبدًا تحت أي ظرف من الظروف إلا إذا لجأنا إلى الله تعالى بالدعاء والابتهال إليه، أو بالأخذ بالأسباب التي تبارك في الأرزق، {فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه} وامشوا هنا بمعنى السعي في طلب الرزق.

فأنا أرى أن هذا اختيار موفق، وأرى أن الله تبارك وتعالى فعلاً أكرمك كرما عظيما جدًّا لأنك حسنة الظن به، وأرى أن تتوقفي عن الاستخارة حفظك الله تعالى، وأرى الآن أن تركزي على الجوانب الإيجابية الأخرى، وهي ما يتعلق في مسألة معرفة الحياة الزوجية، وكيفية التعامل مع الزوج، وكيف تكونين زوجة ناجحة، وكيف تكونين أمًّا مثالية.. هذا هو الذي ينبغي أن تفكري فيه الآن.

ولكن موافقتك حقيقة في محلها، وأنت أخت موفقة فعلاً، وأن الله أراد بك خيرًا، وأتمنى أن لا تشغلي بالك بمسألة الوضع المادي مطلقًا، لأن هذه القضية ليست لهذا الأخ ولا لك، واعلمي بأن الله تعالى قال: {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله}.

وأيضًا قد تكونين في وظيفة مرموقة، وقد يأتيك راتب كبير، ولكن الله ينزع منه البركة، أو العياذ بالله قد يُبتلى العبد ببعض الأمراض والعلل التي تجعل هذه الأموال كلها تُنفق على الاستقرار النفسي والصحي، وقد لا يتيسر ذلك.

فاحمدي الله تعالى أن يسر لك هذا الأخ صاحب الخلق والدين، واتركي هذه المسألة - مسألة الأرزاق - ولا تلقي لها بالاً مطلقًا، واعلمي بأنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها، واحمدي الله تبارك وتعالى أن منّ عليك بهذه النعمة العظيمة، وكما ذكرت حاولي أن تذكزي كل جهدك الآن على مسألة تعلم الحقوق الزوجية في الإسلام، حتى تكونين زوجة رائعة وناجحة، فأنت الحمد لله على قدر من الجمال وعلى قدر من التعليم، وتعيشين في بيئة محترمة طيبة فاضلة، وتحبين الله ورسوله، وزوجك زوج صالح، فينبغي عليك أن تحمدين الله وتكثرين شكره وثناءه أن منّ عليك بكل هذه الخيرات وهذه الفضائل.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً