الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أنتصر على ذاتي وأقهرها على ما أراده الله؟

السؤال

أنا طالب احترت كثيرا من تصرفي تجاه مواقف عدة, ولا أبالي بكلام الآخرين, ومن أهم هذه المواقف ما يلي:

أبي يريد تزويجي من ابنة عمي, وأمي تريد تزويجي من ابنة خالي, وتقول: أنت لك القرار, وأنا محب لوالديَّ, ولكني أرفض زواج الأقارب, تنفيذا لنصيحة الرسول صلى الله عليه وسلم:\" تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس\" ولا أفكر فيها حتى أبني ذاتي, وأصون نفسي عن أن أمد يدي إلى غيري, وأن يكون لي حال مع الله حتى أربي أولادي على خلق الصحابة, علما بأن أبي أعد لي شقة للزواج, وأنا رفضتها بحجة أني رجل, وأريد الاعتماد على الله, ثم نفسي, وأبي يغضب من هذا السلوك.

ثانيا: لا أهتم بمظهري, وأهلي وأقاربي يلومونني, ولا أهتم بذلك, وأعد ذلك من الأمور التافهة, وعموما لا أحب أن أمشي طبقا لعادات أو تقاليد المجتمع مهما كلفني ذلك, الناس يدعون الزهد, وهم أشد حرصا على الدنيا, بئس ادعاؤهم.

ثالثا: أنا أحب العزلة؛ لأنها معينة على العلم, والعبادة, وأتهم معظم الناس لأنهم يعملون وفق مقاييس زمنهم, ولا يعملون وفق مقاييس الصالحين والزاهدين.

رابعا: بُهِرْتُ بعلماء ومشايخ, ومشكلتي أنني أراني أقل منهم بكثير, وهذا يحزنني, ويجعلني منتقدا لذاتي دائما, وأبكي عليها.

أشد شيء يحزنني هو حب الدعاية للذات, وكثرة الاختلاف, مع التحيز للنفس, وحب الشهرة والسلطة, وجمع المال, والتفاخر, والسخرية من سلوك المؤمنين, وتقليد الغرب في العادات السيئة فقط, ونسيان اللهو, والسعي وراء الشهوات؛ مما يجعلني متهما لنفسي, وساخطا على المجتمع, وأمنيتي أن أعيش في انتصار على الذات, وأن أقهرها على ما أراده الله.

وأخيرا أسعى للنبوغ في مجالات كثيرة, ولا أرضى عن نفسي أبدا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عماد حمدي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فإن الأساس في الزواج هو وجود التوافق, والارتياح, والقبول بعد الدين والخلق -كما هو توجيه حبيبنا الرسول صلى الله عليه وسلم- وذلك لأن الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف, وما تناكر منها اختلف, ولم يصح عن رسولنا نهي عن زواج الأقارب, وليس فيه أضرار إلا إذا كانت الدائرة مغلقة بحيث يكون الزواج بين القرابة الشديدة, ولعدة أجيال فنجد الجد ابن عم الجدة, والأم بنت عم الأب, وهكذا، وحتى في هذه الحالة لا يحصل الضعف غالباً إلا في الأسر التي يتربى فيها أبناء العم والعمة مع بعضهم، فتضعف الجاذبية حتى إنك لتسمع من يقول أنها مثل أختي, ومن هنا يتضح لنا أن في زواج الأقارب أيضاً بعض الفوائد.

وأرجو أن تعلم أن ما قام به الوالد والوالدة فيه دليل على حبهم لك, وإذا كان في بنات العم أو بنات الخال فتاة صاحبة دين وأخلاق, ووجدت في نفسك ميلا وارتياحاً فلا تترد في القبول, وقد أسعدني قول الوالدة لك الخيار.

ونحن ننصحك بأن تشكر الوالد على اهتمامه بك, وننصحك بعدم التأخر في مسألة الزواج؛ لأن الأصل هو التبكير في مسألة الزواج, فنحن في زمان الفتن والشهوات، وأكثر الشباب يتمنون لو وجدوا مثل هذا الأب – حفظه الله -وليس في هذا رفض لمبدأ بناء نفسك, والسعي من أجل الحصول على المال الحلال.

أما مسألة الاهتمام بالمظهر فهي من الأمور التي جاء بها الشرع الحنيف، وما أجمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في حلة حمراء مخططة بالأسود, هكذا قال الصحابة، المسلم يهتم بمخبره ومظهره, والله جميل يحب الجمال, والزهد هو زهد الواجدين, وليس ما يظنه الناس.

ولاشك أن المسلم محتاج إلى شيء من العزلة, ولذلك شرع الاعتكاف, ولكن الأصل هو المخالطة مع الصبر, فالمؤمن الذي يخالط الناس خير من الذي لا يخالط, ولا يصبر.

أما حبك للعلماء والدعاة فأمر تمدح عليه وتشكر، وليس هناك داع للحزن؛ لأنك تستطيع أن تصبح مثلهم, بل ربما أفضل, وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء, ومشوار المليون يبدأ بخطوة، فتوكل على الله, ولا تعجز, وتذكر أن الموفق هو الله، وفي علماء الشرع من هو متخصص في الطب, أو الصيدلة, أو الهندسة, ولكنهم اجتهدوا في دراسة الشرع الحنيف, ووفقهم العظيم سبحانه.

وقد أفرحني سعيك للنبوغ, وهذا أمل, والأمل يحققه العمل بعد توفيق الله عز وجل، وقد أحسن من قال :

وإذا كانت النفوس كبارا ** تعبت في مرادها الأجسام

فاشغل نفسك بأهدافك النبيلة, واترك الناس, وما هم فيه, واجتهد في النصح, والعبرة ليست في سلوك الناس, ولكن الحكم والهدى في شرع الله, وفي الأمر الذي تركنا عليه رسول الله عليه صلاة الله وسلامه.

وإذا طلب الناس الشهرة والارتفاع, فكن أنت على التواضع, وإذا تنافس الناس على الدنيا, فنافس على الصلاح، وإذا انشغل الناس باللهو فاشغل نفسك بالذكر.

وهذه وصيتي لك: بتقوى الله, ثم بكثرة اللجوء إليه، ونسأل الله لك التوفيق والسداد.

وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • أوروبا عبدالقادر حميدة

    همتي همة الملوك ونفسي@
    نفس حر ترى المذلة كفرا@
    أنا إن عشت لست أعدم
    قوتا@
    وإذا مت لست أعدم قبرا

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً