الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أخي يرفع صوته على والداي ويهينهما أمامنا...فكيف نتعامل معه؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة لله وبركاته.

قال الله تعالى:{ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً } { وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً }.

نعرف مكانه الولدين وبرهما، ولكن مشكلتي أن من إخواني من يرفع صوته، ويهين أمي وأبي أمامنا ويقلل من احترامهما، أيضا لم يكلمه أحد بأن يخفض صوته، ولا يسيء لهما خوفا منه، واحترما له، ولعمره الذي تجاوز الأربعين عاما، أو لنقص دينه وتعلمه.

في يوم من الأيام صرخ في وجه أمي أمام أبي، وبعدها أمي جاءت والدموع تملأ عيناها، لم أتمالك نفسي، ذهبت إليه وقلت له بصوت منخفض: هذه أمك لا ترفع صوتك عليها، فقام بتوبيخي، ورفع يده ليضربني، ولكن أبي صرخ عليه، وطرده من البيت، لم يأت بيتنا لمدة يومين، وبعدها جاء وسلم على والدي، ولكن نفس الحالة يصرخ على أمه وأبيه.

لم أكلم أخي من وقتها، ولا يكلمني، اعتبرته غير موجود، وجاءه مولود ولم أبارك حتى له، حاولت لكني لم أقدر، فلا أنسى صلة الرحم ورضى ربي، فماذا أفعل؟

مازال يرفع صوته على أمي، ويسمعها كلاما مثل: أنت ما عندك عقل، عجوز لا تفهمين، ولا يبالي، يأخذ المسألة بشكل عادي جدًا؛ لان طبعه كذا، والأمور رجعت، ولكنه لم يتوقف عن هذه الإساءة لها، وجميع إخوتي وإخواني قالوا: هو كذلك، وطبعه هكذا اتركيه، وأنا الوحيدة أقف بوجهه عند الإساءة لأمي وأبي، وأذكره بعقوق الولدين، هل أتوقف أم أستمر خوفا من وقوع غضب لله علينا؛ لأنه يعتبر عقوقا لنا أيضا عندما لا ندافع، وننصح، وهو سوف يسبب المشاكل لي ولأسرتي؟ فما الحل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مها حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

بداية نرحب بابنتنا الكريمة في موقعها، ونسأل الله أن يصلح لنا ولها النية والذرية، ونشكر لها حرصها على الخير، وهذا الحرص على البر، ونشكر لها هذه الغيرة على والديها، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يلهمها السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.

لا شك أن عقوق الوالدين من الجرائم الكبيرة التي يقع فيها الإنسان – عياذًا بالله – ومن واجبكم أيضًا أن تنصحوا لهذا الأخ، ولكن هناك حكم وآداب لابد للإنسان أن يراعيها عندما ينصح لمن هو أكبر منه سِنًّا، فعليكِ أن تختاري الأسلوب المناسب، والتوقيت المناسب وتجتهدي في أن تقدمي له النصيحة بأسلوب طيب، بل ربما كان الأفضل أن يقدم من هو أكبر منك سنًّا حتى يعينوه على الصواب، وعلى العودة إلى الطريق الذي يُرضي الله تبارك وتعالى.

لاشك أن رفع الصوت على الوالدين من العقوق، ولذلك الإنسان ينبغي أن يتجنب مثل هذه الأشياء كرفع الصوت، والنظر إليهم بنظرة حادة، كما قالت أمنا عائشة: (ما بر أباه من حدَّ إليه النظر من غضب) والتقى أبو هريرة رجلا يمشي مع رجل، قال: من هذا الذي معك؟ قال: أبي، قال: (فلا تمشي أمامه، ولا تجلس قبله، ولا تدعه باسمه، ولا تسْتَبَّ له)، إنها معان عظيمة جدًّا ينبغي أن نتذكرها ونذكر بها من أجل أن نؤدي هذا البر على الوجه الذي يُرضي الله تبارك وتعالى.

ولا شك أن هذا الأخ يسيء، وكون الوالدة غضبت حتى رؤيت الدموع في عينيها هذا دليل على أنها تأثرت غاية التأثر، والله تبارك وتعالى نهى عن مجرد الأف، مجرد أن نقول أف وإظهار التضجر، فكيف بما هو أعلى من ذلك كالصراخ والصياح، أو الإساءة، أو اتهامهم بالخرف، أو نحو ذلك كما مضى في السؤال.

إن هذا الأخ على خطأ عظيم جدًّا، ولكننا مع ذلك ندعوكم إلى أن تهتموا بالنصح له، وتجتهدوا في إرضاء الوالدين، وتجتهدوا في الدعاء له لعل الله تبارك وتعالى أن يهديه.

وليته علم أن عقوق الوالدين من الجرائم والذنوب التي يعاقب الله تعالى صاحبها في الدنيا مع ما ينتظره في الآخرة، فإن الذي يكون عاقًا لوالديه يُحرم التوفيق، ويُحرم الخير في هذه الحياة، مع ذلك فإنا لا ندعوك إلى أن تقابلي قطيعته بالقطيعة، أو تقابلوا الإساءة بالإساءة، ولكن إذا عصى الله فيكم فأطيعوا الله تبارك وتعالى فيه.

وقد تبيّن من خلال الكلام أن هذه القطيعة، وهذا البُعد لا يزيده إلا عدوانًا، فهو لا يبالي بمن يُقاطع، ولا يبالي بمن يعود إليه، ولذلك ينبغي أن نعينه على الطاعة لا أن نعين الشيطان عليه.

وكذلك ينبغي أن نقترب منه، إذا كنا نعرف أن هذه الأخلاق التي يتعامل بها مع جميع الناس، فعلينا أن نخفف على الوالدة، وأن نخفف على الوالد عندما تصلهما الإساءة منه، وليس من المصلحة أن تقفي في وجهه، لأن هذا الوقوف في وجهه لن يغير شيئًا من الحقيقة، بل يزيد الأمر سوءً؛ لأنه أصبح ينفر منك، وأصبح يقاطعك، وأصبح يبتعد عنك، ومثل هذه الأحوال عندما يبتعد فإن الشيطان يتمكن منه أكثر وأكثر.

قد تكون المصلحة في أن نكون إلى جواره، نقدم له النصيحة ليلاً ونهارًا، نتلطف به، إذا أساء للوالدة، نخفف على الوالدة بأن نكون نحن لها البررة، وبأن نلتمس له الأعذار، ونطلب من الوالدة أن تدعو له بدلاً من أن تدعو عليه.

ولا تعتبرون أنتم عاقين إلا إذا كنتم راضين بما يقوم به من عمل، أما إذا كنتم مستنكرين لذلك رافضين له – وهذا هو الذي يظهر ولله الحمد – فإنه لا شيء عليكم في هذه الحالة، فإن الله يقول: {ولا تزر وازرة وزر أخرى}، وقال: {كل نفس بما كسبت رهينة} فهذه الإساءة للوالدين هو الذي سيتحمل آثارها في الدنيا والآخرة – عياذًا بالله - .

لذلك أرجو أن تنتبهوا لهذه المسائل، وكونوا عونًا لهذا الشقيق على الطاعات، وتقربوا إلى الله تبارك وتعالى باحتماله، بالصبر عليه، ثم بالنصح له، وأرجو أن تعلموا أيضًا الأسباب التي تجعله يتوتر، ما هي الأمور التي تجعله يحتك مع الوالد أو مع الوالدة، فإن معرفة السبب تعيننا على إصلاح الخلل والعطب.

المهم بالنسبة للوالدة أمرها عظيم، والسلف فقهوا هذه المسألة، وكان فيهم من يكلم أمه بخضوع، كما كان من ابن سيرين، والحسن البصري وغيرهم، كان يُرى أمام الأم ذليلاً لا يكاد الصوت يُسمع إلا بعد أن تطالبه برفع الصوت من شدة الأدب مع الأم.

وكان منصور بن المعتمر – رضي الله عنه ورحمة الله عليه – تأتي أمه فتسيء إليه، فكان يضع لحيته في صدره ولا يرفع بصره إليها، وهو يقول: لبيك أماه، لبيك أماه، لبيك أماه، فلما كلموه في ذلك، قال: أخشى إن نظرت إليها أن يكون في عيني ما يدل على الغضب عليها فأقع في العقوق، فما بر أباه من حدَّ إليه النظر عند الغضب.

والإنسان لا يجوز له أن يقول للوالد أو للوالدة: (أنت عجوز، أنت مخرف، أنت لا تفهم) ومثل هذه الكلمات، حتى إن فرضنا أن الوالد فعلاً قال كلام بعيد عن واقع الناس فإن الصواب هو أن نحسن الاستماع، ثم نفعل ما يُرضي الواحد التواب سبحانه وتعالى، لكن نرضيهم بالظاهر ونحتمل منهم، نشكر لهم، نستمع إليهم، وعند ذلك نفعل ما يُرضي الله تبارك وتعالى وما يقرب إلى الله تبارك وتعالى، وفي ذلك رضى لهم وكفاية.

فإن الإنسان إذا أرضاهم بظاهره عندما يُخطئوا، فإن ذلك لا يضره إلا إذا كان هناك أمرًا شرعيًا محظورًا، فعند ذلك ينبغي أن يكون للإنسان موقف آخر، ولكن أيضًا ينبغي أن يُنصح الوالد بلطف، وكذلك الوالدة {يا أبتِ} {يا أبتِ} {يا أبتِ} فقدوة الناس بهذا الخليل.

نسأل الله أن يفقهكم في الدين، ونستغفر الله العظيم لنا ولكم.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • العراق الحزين

    سؤال جميل واجابة جميلة كذلك ولكن الشخص لا يستطيع التحكم باعصابه عندما ينهار الولدان وانت تقف لا تفعل شيئ

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً