الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الدراسة في الجامعات المختلطة طاعة للوالدين..ما توجيهكم؟

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد: أنا شاب تونسي، مقيم بفرنسا، وأدرس في الجامعة في مرحلة متقدمة ، وأنا لست راضٍ عن حالتي هذه لأن الاختلاط لا يجوز، وخاصّةً هنا في فرنسا الاختلاط شيء عظيم جدًا، ولكن لم أجد حلا آخر.

والداي يُريدانني أن أُواصل الدراسة رغم أني أخبرتهما بأن الاختلاط شيء عظيم، ثم إن أمي قد تأثرت كثيرا عندما أخبرتها بالمسألة هذه، وأخشى أن يُصيبها شيء ما بسببي، وكانت ردّة فعل أبي قوية وعنيفة بحيث أنه وصفني بصفات أنا بريء منها، وهددني بالضرب إن لم أكف عن هذا الفكر، وقال إن هذا الفكر مخالف للدين، وأنه لن يسامحني، وأن الله سيحاسبني إن لم أكف عن هذا.

لكني حاليا عدت أتحدث مع أبي كأن لم يحدث شيء لكي أحسن التصرف معه، فما علي فعله؟ وبماذا تنصحوني؟ فإني والله حائر من أمري ولم أعد أعرف كيف أكون بارًّا لوالديّ ومطيعًا لله.

يُضاف إلى هذا مسألة الإقامة في بلاد الكفر التي لم أُخبرهما بها؛ لأني لم أعد أستطيع التحدث كثيرا معهم في المسائل الشرعية؛ لأنهم يأتون بالكثير من الشبهات التي لا أستطيع الرد عليها.

بارك الله فيكم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أنور الفورتي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه:

نسأل الله العظيم أن يعيننا وإياك على الخير، وأن يلهمك السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.

نشكر لك ابننا الكريم هذا التواصل مع موقعك، ونسأل الله أن ينفع بك البلاد والعباد، وأن يكثر من أمثالك من الحريصين على الخير والتمسك بهذا الدين الذي شرفنا الله تبارك وتعالى به.

أما بالنسبة للمسألة المطروحة: فكم تمنينا أن تذكر لنا المرحلة التي وصلت إليها؟ نوع الدراسة التي تدرسها؟ المصالح المتحققة من إكمال الدراسة؟ المفاسد المترتبة من الاختلاط؟ هل بالإمكان أن تتزوج، وتكمل دراستك؟ هل في هذه البيئة التي فيها اختلاط هناك أخيار صالحين ينزوون بأنفسهم، يحيطون بأنفسهم، يتعاملون مع بعضهم؟ هل يمكن أن يكون لكم تأثير دعوي في هذه البيئة التي أنتم فيها؟ ثم ما هو المستقبل إذا أردت أن تترك الجامعة، فهل معنى ذلك أنك ستترك البلد أيضًا؟ وإذا تركت البلد الذي تعمل فيه فما هي البدائل المتاحة؟

كنا نتمنى أن نأخذ الصورة كاملة، ثم بعد ذلك نأتي لهذه المسألة: هل أنت في هذا الاختلاط تتيقن من الانهيار؟ أم أنك تستطيع أن تصمد بالصيام وبالطاعة وبغض البصر؟ فإن الإنسان يملك عينه، صحيح البيئة قد تكون فيها اختلاط لكن الإنسان يملك عينه ويملك بصره، أم أن المسألة على حافة الانهيار؟ أم أنك فعلاً تتيقن من السقوط؟ لأن كل هذا يؤثر على الإجابة.

أريد أن أقول: لا شك أن بر الوالدين من الأمور العظيمة، وكنا نتمنى أن نسمع تفاصيل عن رأي الوالدين، وكنا نتمنى أن نسمع منك الإجابات عن هذه الأسئلة، وحقيقة نحن لا ندعوك للاستعجال بترك الدراسة طالما أنك تستطيع الصمود والتمسك بدينك والحفاظ على نفسك، والإسهام في نشر الدعوة إلى الله تبارك وتعالى على الأقل الرجال من زملائك - دعك من النساء – فنحن نتمنى دائمًا أن يقمن بدعوة النساء النساء، خاصة في مثل هذه البيئات الموبوءة.

أرجو أن تعلم أن مسألة التعليم – حتى في بلاد المسلمين بكل أسف – أصبح فيها هذا اللون من الاختلاط وإن كانت الدرجة متفاوتة، والفرق كبير، ولكن هذا هو الوضع الذي يواجه الإنسان في كل حياته، ونحن نتمنى فعلاً من أمثالك أولاً ألا يطيل المكث في بلاد المشركين، أن يحرص على أن يعفّ نفسه بالزواج، أن يقيم شعائر هذا الدين العظيم، أن يحشر نفسه في رفقة صالحة تذكره بالله إذا نسي وتعينه على طاعة الله إن ذكر، أن يحرص على إكمال مشوار الدراسة خاصة إذا كان التخصص مفيدا ونافعا، فإن هذا سيخدم الأمة كثيرًا لما يتأهل في التخصصات، ويتعلم المتمسك بالدين من أمثالك، فإن هذا إذا عاد إلى بلده سيكون له موضع وسيكون له قدرة على التغيير، وإفادة الناس.

لذلك نحن نتمنى أن تنظر للأمر بطريقة شاملة، وقد أسعدني وأفرحني أن الأمور عادت إلى مجاريها، فاحرص دائمًا على إرضاء والديك، وإذا ناقشت في أمر ولاحظت أن الوالد غضب - أو الوالدة غضبت - فعليك أن تتوقف ثم تحاول أن تسترضيه، لكن في النهاية الشرع لا يلزمك أن تفعل أمرًا فيه معصية لأجل أي إنسان، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وإنما الطاعة في المعروف، ولذلك قال الله تعالى: {وإن جاهداك على أن تُشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما} ثم قال بعدها: {وصاحبهما في الدنيا معروفًا} وهذا الذي قمت به جيد من حسن التصرف مع الوالد، وحسن التفاهم معهم.

نحن نتمنى أن تتواصل معنا لتصلنا رؤية الوالد كاملة، وترسل إلينا بالوضع الذي يحصل عندك تفصيلاً، حتى نستعين بالله تبارك وتعالى في إعطاء إجابة واضحة تحقق المصلحة وتعينك على الطاعة وتعينك على بر الوالدين، لأن أمر الوالدين وطاعتهما من الأهمية بمكان.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يلهمك السداد والرشاد، ونحن في انتظار التوضيحات (الأسئلة) التي أشرنا إليها، ونسأل الله أن ينفع بك البلاد والعباد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً