الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نحن في غربة وزوجي يمنعني من الجلوس مع صديقاتي..فما الحل؟

السؤال

السلام عليكم..

أود أن أطرح عليكم مشكلة قد تكون صغيرة، ولكنها تؤرقني كثيرا، وهي أني أنا إنسانة متزوجة، ومتعلمة ولدي طفلين، والمشكلة هي أن زوجي لا يحب الخروج، والسفر، والتنزه إطلاقا.

انتقلت للعيش معه في هذا البلد الذي لا يوجد فيه أصدقاء لي ولا أهل.

وعندما علمت أن به هذه الصفة من عدم حبه للخروج إلا حين يذهب لأصحابه، فيجلس معهم بالساعات، وفي نفس الوقت هو طيب معي، ويحبني، ويحترمني ولا يرفض لي طلبا، ولم أكن أشتكي من هذه الصفة فيه؛ لأن به كل الصفات التي تتمناها أي امرأة من اهتمام، وحب، وتقدير، وصبر، وكنت أجلس في البيت، أو أخرج مع أبنائي لكي يلعبوا.

ولم أكن أشتكي، بل صبرت؛ لأني أنا بطبعي أحب الخروج، والتنزه لأرفه عن نفسي فكثرة الجلوس في البيت تجعلني إنسانة أخرى، وعصبية.

زوجي لم يقل لي في حياته هيا نذهب لنتعشى في مطعم، أو هيا لنذهب للمتنزة القريب، ولكن المشكلة بدأت حين تعرفت على نساء، وبنات من عمري في معهد لدراسة اللغة الألمانية، وليسوا مسلمات، بل ملحدات، ومسيحيات، ويسكن بجوار منزلي، فأصبحت أقابلهن، وأخرج معهن، وأزورهن في بيوتهن ويزورنني، وبدأت العصبية والملل بالاختفاء من شخصيتي، وأصبحت أعرف الكثير من هذا البلد، وكذلك الكثير من الديانات والجنسيات المختلفة، ولكن زوجي أصبح ينتقدهن، وينتقد ملابسهن، وكلامهن، وأصبح يقول لي: لماذا تصاحبين نساء بهذا الشكل؟ وأصبح يقول لي: لا تخرجي مع هذه الأشكال.

مع العلم أنهن لم ولن يؤثرن علي، بل أصبحت أنا المؤثرة فيهن، وأصبحن يقرأن عن الإسلام، ويسألنني كثيرا، وأصبحت أقرأ الكثير لكي أجيب عليهن، فأجد متعة في مصاحبتهن، والكلام معهن في مواضيع كثيرة، ولكن زوجي أصبح ينتقدني كثيرا، فقلت له: أنا أتملل من الجلوس والخروج وحدي، وأنت لا تحب الخروج معي، فكيف تريدني أن لا أكلم أحدا؟

وهكذا أصبح حوارنا الآن كله عن الخروج، ومن أصاحب، ولا أعرف ماذا أفعل؟

فأشيروا علي هل أنا مخطئة؟ مع العلم أني تركت الدراسة، وقللت زيارتي، وكلامي معهن، وقلت لزوجي لننتقل من البيت حتى لا يزورنني لأني لا أستطيع أن أطردهن، وفي نفس الوقت أشعر بأنه يظلمني بتصرفه هذا، لأنه لا يريدني أن أصاحب أحدا، ولا يريد الخروج معي؟

وكثيرا ما أشعر بالحزن، ولا أعرف ماذا يريد مني؛ لأنه هو نفسه له أصدقاء ملحدين ومسيحين، ومن كل نوع، ويجلس معهم ويقابلهم، وأنا لا أطيق الجلوس في البيت وحدي، أخاف أن أمرض نفسيا، أو أكتئب لا سمح الله ..لأن الإنسان دائما يحب الترفيه عن نفسه، ومقابلة الناس، وهو لا يريد الخروج معي، وتعبت من محاولاتي معه .. فما الحل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ salwa حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه.

نرحب بك في موقعك، ونسأل الله أن يسهل أمرك، ونشكر لك حسن هذا العرض، ونشكر لك الثناء العاطر على زوجك، وأن فيه من الخيرات، والصفات الجميلة، فهنيئًا لك بتلك الصفات التي أرجو أن تكون حاضرة عن كل نقاش، وحاضرة قبل اتخاذ أي موقف، كما نتمنى منه أن يذكر لك ما فيك من إيجابيات ومحاسن، وأن يؤدي الدور الذي عليه، وأن يقوم بمساعدتك في الترفيه، ولعب البنات، أو مشاركتهنَّ في اللعب، وأرجو أن تذكريه بلطف أن رسولنا - عليه صلوات الله وسلامه – سابق عائشة فسبقته، ثم سبقها لما حملت اللحم، وكيف أنه كان يدافع عائشة عند الباب، ويسابقها إلى الشراب، وإلى ماء الغُسل، في مواقف طريفة منه - صلى الله عليه وسلم – الذي ما شغلته المهام الكُبرى عن أن يُدخل السرور، والبهجة إلى نفوس وقلوب أهله.

ونتمنى أن يتفهم زوجك هذا الوضع عندما تكلميه بهذه الطريقة الشرعية، وأرجو أن تلتمسي له العذر أنه ربما كان الرجال غيره لا يذهبون مع زوجاتهم، أو كان من عادة أهله، أو من عادة أصدقائه ألا يذهب الواحد منهم مع زوجته، فإن الخروج عن المألوف يحتاج إلى وقت، ولا نقول هذا مستحيلاً، ولكن قد يحتاج إلى بعض الوقت، وبعض التفهم لما يحدث منه.

وإذا أبدى الزوج أي ملاحظة على صديقات الزوجة، أو على علاقاتها، فإن العاقلة تستجيب لزوجها، وتحاول أن تخرج بلطف من تلك العلاقات، أو تجعلها محدودة في أضيق الحدود، فليس من الصواب أن تقولي (لماذا أنت تذهبين، وأنت كذا)، ولكن الصواب أن تحاولي، وتعديه خيرًا، وتقولي له كلاما جميلا، فإن المرأة تستطيع أن تسترضي زوجها بلطف الكلام، وبعد ذلك تفعل ما تستطيع، ففرق بين أن نقول (لا، لماذا أنت، ولماذا أنت، ولماذا أنا) وفرق بين أن نقول (إنْ شاء الله، لن ترى إلا ما يُرضيك، ونسأل الله أن يسهل الأمر، وأن يكتب لهنَّ الهداية، ونحن دورنا أن ننصح للجميع)، ومثل هذا الكلام اللطيف، فإن مثل هذا الكلام يُرضي الرجل، ويرضي أي إنسان، أن يقول الإنسان كلاما جميلا، ثم بعد ذلك يفعل ما يستطيعه، {لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها} ، {لا يكلف الله نفسًا إلا ما آتاها}.

لكن المشكلة أن الكثير من الزوجات هو أنها تبدأ في العناد، والمقارنة، والكلام والسؤال (لماذا أنت وأنت) هذا ما ينبغي أن يصدر من الزوجة لزوجها، ولا تعامله بالند والمقارنة، فالرجل عندما يمنع زوجته من أي مكان، أو من أي امرأة ربما لأنه سمع عن تلك المرأة – أو تلك الصديقات – مقالة السوء، ولا يريد زوجته أن تكون معها – أو معهنَّ – ربما علم أن فيهم محرضات من يشجعنها على الخروج على زوجها، وهو لا يريد ذلك، وربما سمع عن شباب يتعرضون لأولئك النسوة، ولا يريد زوجته أن تكون بينهنَّ، فما كل الأسباب يستطيع الرجل أن يحصيها، ولكن الدرة الغالية (المرأة) إذا كره زوجها أقوام، فإنها لا تذهب إليهم، ولذلك قال الزوج لزوجته: ماذا تحب أن يزورنا؟ قال: قوم فلان قوم صالحون، وقوم فلان قوم سوء.

ونحن قطعًا لا نؤيد هذا الرجل فيما يفعل، ولا فيما يحجر عليك، ولا في عدم خروجه معك، لكن دائمًا ينبغي أن نتذكر أنه لن نجد رجلاً بلا عيوب، وطوبى لمن غمرت سيئاته في بحور حسناته، وإذا صبر الإنسان، واستخدم الحكمة، فإنه سيأتيه الخير، ويأتيه التوفيق من الله تبارك وتعالى.

فلا تستعجلي النتائج، ولا تجعلي هذه المسألة سبب لخراب البيت، أو سبب لاحتداد النقاش بينك وبينه، وليس من الضروري أن تنسحبي من الصداقة فجأة، ولكن قللي العلاقة، وأسمعيه الكلام الطيب، وقولي له (أبشر سأحاول، أنت عندنا غال) وحاولي أن تسترضيه بالكلام الجميل، وبعد ذلك لا تقصري فيمن تأتي، قد لا تذهبين أنت، وتلتمسي الأعذار، فإذا جاءوك فقدمي لهنَّ النصح، والدعاء، والدعوة لهذا الدين العظيم الذي شرفنا الله تبارك وتعالى به.

ونحن نقدر حاجتك، وحاجة كل امرأة إلى الترفيه، لكن أيضًا لابد أن ندرك أن الرجال طبائع وأشكال، وخاصة عندما يكون الرجل كبيرا في السن، فإنه قد يزهد في مسألة الخروج، ولكننا نقول أن النبي - صلى الله عليه وسلم – رغم كبر سنه تزوج من أمنا عائشة فداعبها، ولاعبها، ولاطفها، وتزوج من العاقلة، فحاورها، ومن الكبيرة، فشاورها، - عليه صلوات الله وسلامه – فالإنسان ينبغي أن يراعي ظروف الزوجة، وتزداد أهمية الخروج من البيت، والترفيه فعلاً عندما يكون الإنسان خارج بلده، فله علاقات محدودة جدًّا، وفي مكان محصور جدًّا، فإن الإنسان يحتاج إلى شيء من الترفيه، وهذا الترفيه يكتمل عندما يكون الزوج مع زوجته.

وكنا نتمنى أن نعرف ما هي الحجج التي يريدها؟ ما هي الأجوبة التي يعطيها عندما يُسأل لماذا لا تذهب معنا؟ ولا تمرح معنا؟ ولا تشاركنا في الخروج؟ ما هي الإجابات التي تصدر منه؟ لأن تلك الإجابات – التي نتمنى أن تصل إلينا – هي إجابات كاشفة لشخصية الرجل، نستطيع بعد ذلك أن نتعاون جميعًا بحول الله وقوته في الوصول إلى الحلول المناسبة، شريطة أن نضمن للأسرة وحدتها وتماسكها.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يلهم زوجك الخير الصواب والسداد، ونوصيك بتقوى الله تعالى، ثم نوصيك بالصبر، ثم نوصيك باللجوء إلى الله، ثم ندعوك إلى ذكر محاسن هذا الزوج، واحتمال ما يصدر منه، وتغليب المصلحة العليا للبيت وللأسرة على مثل هذه المواقف التي ربما حضرها الشيطان ليُشعل العداوة بين الذين آمنوا وليس بضارهم شيئًا إلا بإذنِ الله.

نسأل الله تبارك وتعالى لك التوفيق والخير، ونكرر ترحيبنا بك، ونتمنى أن نسمع عنك كل الخير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً