الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

يؤرقني أن دراستي توصلني للعمل في بنك ربوي..فهل أستمر فيها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

أود أن أشكر جميع القائمين على هذا الموقع، وأسأل الله أن يجزيكم الخير.

أنا طالب أدرس العلوم المالية، والمصرفية في السنة الثالثة، وعند تخرجي سيكون عملي في البنوك، وهذه المشكلة التي أصبحت تؤرقني لماذا؟ لأنني من عائلة فقيرة، فقد فعلوا المستحيل، ودفعوا ما فوقهم وما تحتهم وحرموا أنفسهم من كثير من الأشياء من أجل أن أكمل دراستي، وشهادتي وعملي في المستقبل هو الأمل الوحيد لهم، ويتأملون أنني أنا من سأعوضهم عن سنين الحرمان التي عاشوها، وهذا شيء يجعلني أفقد صوابي؛ لأني الآن، وبعد أن التزمت -والحمد لله- لا أريد أن آكل مالا حراما.

حاولت أن أغير تخصصي، ولكني لم أفلح، الآن قطعت ثلاث سنوات يعني بقيت لي سنة واحدة فقط للتخرج، ماذا أفعل بين خوفي من الله عز وجل، وبين حاجتي وحاجة أهلي الملحة إلى دخل جيد من عملي الذي على الأرجح سيكون في البنك؟

أنا أخاف الله، ولا أريد أن آكل حراما، أنا وأهلي، ولكن شهادتي هي الأمل الوحيد للعائلة، وخصوصا أني أعيش في بلد من الصعب جدا أن تجد فيها عملا جيدا بغير شهادة، هل أتخلى عن دراستي؟ هل أعمل في البنك، وأطعم أهلي من الربا؟

أنا محتار جدا، وهذا الأمر أثر علي بشكل كبير، فأرجو من مشايخنا الكبار مساعدتي، وشكرا جزيلا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم.

كما نسأله تبارك وتعالى أن يجعل لك من لدنه وليًّا ونصيرًا، وأن ييسر لك عملاً صالحًا طيبًا حلالاً مباركًا بعيدًا عن الربا وأشكاله وشبهاته وهيئاته وصوره.

وبخصوص ما ورد برسالتك - أخي الكريم الفاضل – فالذي أراه أن تجتهد الآن في إكمال دراستك، ومن الممكن بارك الله فيكَ أن تجتهد اجتهادًا قويًّا حتى تحصل على درجات عالية، فعساك أن تكون معيدًا في الجامعة، وبذلك تخرج من دائرة إطعام أهلك الربا، لأنك ستكون مدرسًا، ثم تتحول إلى دكتور في الجامعة، وبالتالي تستطيع أن تحول هذه الحالة إلى حالة إيجابية في تطوير أدائك، وتحسين صورتك في المستقبل.

إذن أقول: الآن اجتهد قدر الاستطاعة، وتوجه إلى الله عز وجل بالدعاء، والإلحاح على الله تعالى، وخذ بالأسباب الممكنة إلى أبعد حد في أن تكون متميزًا، وأن تكون من أوائل دفعتك، عسى الله تبارك وتعالى أن يوفقك للحصول على درجات عالية لتكون معيدًا في الجامعة كحال كثير من إخوانك الذين يعانون كل عام.

وفرضًا أنك لم تصل إلى هذه الدرجة، فيكفيك أنك قد فعلت الذي عليك، وأنا أقول لك: عليك أن تفعل هذا وعليك أن تترك الأمر كله لله تبارك وتعالى جل جلاله، لأن الله تعالى كما قال: {ولو علم الله فيهم خيرًا لأسمعهم} بمعنى أن الله تبارك وتعالى لو علم أنك صادق فعلاً في نيتك، وأنك لا تريد فعلاً ويقينًا أن تُطعم نفسك، وأهلك من الحرام، فثق وتأكد أن الله سيجعل لك ألف مخرج ومخرج، لأن الله قال: {ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب}.

فأنا لا أستطيع أن أقول لك اترك دراسة ثلاث سنوات الآن، وتوقف عن الدراسة خاصة مع ظروفك الصعبة، وإنما أقول أحسن الظن بالله وخذ بالأسباب، واجتهد في مذاكرتك، وحاول أن تكون من أوائل دفعتك، لعل الله أن يمنّ عليك بالعمل في الجامعة بعيدًا عن البنوك ومشاكلها.

إذا قدّر الله ولم تتحقق هذه الأمنية أو تلك الرغبة، فبإذن الله تعالى ثق وتأكد أن الله سيجعل لك مخرجًا، كما وعدك في كلامه سبحانه وتعالى وكلام نبيه - صلى الله عليه وسلم – حيث قال: (من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه).

فاستعن بالله - أخي الكريم الفاضل – ولا تشغل بالك الآن بهذه المسألة، واترك الأمر لله الواحد الأحد، وخذ بالأسباب، ودع النتائج على الله جل وعلا، واعلم أن الله تبارك وتعالى قال: {ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرًا}. فدعنا نتوقف الآن عن النظر في هذا المستقبل، لأننا لم نعشه، وهو بيد الله تبارك وتعالى وحده، ونحن لا ندري هل الله تبارك وتعالى سيعيننا ويكرمنا – وهو كذلك – على أن يطيل في أعمارنا حتى نصل إلى تلك اللحظات أم لا، ولكن مع أخذك بالأسباب، وصدق نيتك، واجتهادك في الدعاء أنا واثق - إن شاء الله تعالى – أن الله سيجعل لك مخرجًا رائعًا وعظيمًا بإذنه تعالى، فتوكل على الله، ولكن كل رجائي - أخي الكريم الفاضل – أن تجتهد وأن تبذل قصارى جهدك في أن تكون من الأوائل، رُبَّ هذا الظرف الذي أنت تعانيه الآن يكون سببًا في تحويل حياتك تمامًا إلى وضع لم تكن تتوقعه، ولم تكن تحلم به، وهو أن تكون أستاذًا في الجامعة، وتصبح بذلك - بإذن الله تعالى – رجلاً معلِّمًا وموجِّهًا وأستاذًا رائعًا بعيدًا عن هذه الشبهات كلها.

وعليك أيضًا بطلب دعاء والديك لك بالتوفيق والسداد، اشحن كل هذه الجهات والجبهات في اتجاه الدعاء لك أن تكون متميزًا، اطلب من والديك أن يدعوَا لك أن تكون أستاذًا في الجامعة، قل لهم هذا الكلام، وإن شاء الله تعالى سوف يكرمك الله تبارك وتعالى بما لا يخطر ببالك، ولا يدور بخلدك.

أسأل الله تبارك وتعالى أن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يوفقك إلى كل خير، إنه جواد كريم. هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات