الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل قلة التوفيق دليل على عدم رضا الرب عن العبد؟

السؤال

أنا فتاة أبلغ من العمر 32 عامًا، تقدم لخطبتي شاب أصم وأبكم، وقد قمت باستشارة أهلي وأصدقائي ونصحوني بالتوكل على الله والموافقة، لا سيما أن الشاب (وسيم، ومتعلم، وحالته المادية ممتازة)، وفي حقيقة الأمر شعرت بالارتياح الشديد تجاه الخاطب، وراودني قلق من أن يكون المرض وراثيًا؛ خشية إنجاب أطفال يحملون نفس الإعاقة، ولقد قمت بسؤال أهله, فأجابوا: أنه بسبب حمى تعرض لها منذ الصغر، فارتحت كثيرًا، وحددت موعدًا لزيارتهم لنا، وقبل الموعد المحدد اتصلت إحدى أقربائه بأن كل شيء قسمة ونصيب، وحينما سألنا عن السبب قالوا: (قسمة ونصيب).

فقلت: لعله اختيار من رب العالمين، ثم تقدم لي هذا الشاب مرة أخرى بعد مضي عام، واستخرت وشاورت وقالوا لي: اقبلي فقد يكون لك فيه خير، وبالفعل وافقت, وحددت موعدًا مع أهله, وقبل الموعد أيضاً قالوا: كل شيء قسمة ونصيب، وسألنا عن السبب قالوا: (بأنه يريد من بني جنسه)، على الرغم من أنهم يعرفون جنسيتي وكل شيء عني، ولقد شعرت بالإحباط، فأنا أخشى ذهاب عمري سدىً، ماذا أفعل؟
هل أخطأت بالمشورة؟
وهل كان علي أن لا أستشير أحدًا؟
وهل قلة التوفيق دليل على عدم رضا الرب عني؟

أفيدوني، جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حلا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحابته ومن والاه.

نرحب بك - ابنتنا الفاضلة - في موقعك، ونسأل الله أن يقدر لك الخير حيث كان, ثم يرضيك به، وأن يلهمك السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه، ونحسب أنك قد أديت ما عليك، وليس هناك داعٍ للانزعاج، والأمر بيد الله تبارك وتعالى، وأنت قد أديت ما عليك, وكل شيء بأجل ومقدار، ولن يحدث في كون الله إلا ما أراده الله تبارك وتعالى، وطالما بدأ الإنسان بالاستشارة والاستخارة وتوكل على الله تبارك وتعالى فإنه ينبغي أن يوقن أن اختيار الله له أفضل وأولى وأحسن من اختياره لنفسه، فالإنسان لا يدري أين يكون الخير.

ولذلك نحن ندعوك إلى أن تحشري نفسك في زمرة الصالحات، وتشتغلي بطاعة رب الأرض والسموات، وإذا جاء الشاب الذي فيه خير - صاحب الدين والخلق - فلا تترددي في القبول به، ولابد أن تدركي أن الأمور هذه بقضاء وقدر، وأن المؤمن ينبغي أن يرضى بقضاء الله تبارك وتعالى وقدره، وليس منعه أو عطاؤه دليلا على رضى الله تبارك وتعالى، فالدنيا من أولها إلى آخرها لا تزن عند الله جناح بعوضة، ولو كانت كذلك ما سُقي كافر منها جرعة ماء، فالله تبارك وتعالى يعطي الدنيا لمن يُحب ولمن لا يُحب، ويعطي الدنيا لمن يؤمن ومن لا يؤمن، ولكن التوفيق والسداد والدين لا يُعطيه الله إلا لمن أحب سبحانه وتعالى.

فاجتهدي في التوجه إلى الله تبارك وتعالى، واعلمي أن الأمر بيد الله تبارك وتعالى، (وعجبًا لأمر المؤمن، إنَّ أمره كله له خير، وليس لذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، أو أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له), فأنت في كل الأحوال - إن شاء الله تعالى – رابحة وعلى خير، ولا يضرك هذا الذي حدث، وهذا ابتلاء من الله تبارك وتعالى، فكوني راضية، وكوني سعيدة، وأقبلي على الحياة بأمل جديد وثقة بالله تبارك وتعالى المجيد.

ودائمًا نحن ندعو البنات من أمثالك إلى أن تحشر نفسها في زمرة الصالحات، وتشهد مراكز الخير، ومراكز تعليم القرآن ودور التحفيظ، وأماكن المحاضرات؛ لأن هذه الأماكن مجتمع الصالحات، ولكل صالحة منهنَّ ولد أو أخ أو محرم يطلب الصالحات من أمثالك، فنسأل الله أن يقدر لك الخير حيث كان ثم يرضيك به.

ونحن سعدنا بهذه الروح, وبهذه الرغبة في القبول بذلك الشاب, رغم أنه أبكم أصم، والإنسان ينبغي أن يقدم الخير وينوي الخير، ويحرص على الخير، ونية المرء عند ذلك خير له من العمل، فلا يزال الإنسان بخير ما نوى الخير وعمل الخير.

فليس فيما حصل دليل على غضب الله أو عدم رضى الله تبارك وتعالى، ولكننا ندعوك إلى كثرة اللجوء إلى الله، وإلى عدم إعطاء الموضوع أكبر من حجمه؛ لأن هذا يحدث دائمًا، بل هناك من تكرر خطبتها مرارًا – كما مر معنا في كثير من الاستشارات – ثم يوفقها العظيم سبحانه وتعالى في آخر المطاف.

فالإنسان يرضى بقضاء الله تعالى وقدره، وهذا باب واسع من أبواب الإيمان، بل هو باب واسع أيضًا من أبواب السعادة في هذه الدنيا، فلا يمكن للإنسان أن يسعد إلا إذا كان راضيًا بقضاء الله تبارك وتعالى وقدره, وقسمته بين عباده سبحانه وتعالى، فاحرصي على طاعة الله تبارك وتعالى، ولا تشتغلِي – أكرر – بهذا الموضوع كثيرًا، ولا تعطيه أكبر من حجمه، وسوف يأتيك ما قدره الله تبارك وتعالى لك في الوقت الذي أراده الله، ونسأل الله أن يقدر لك ولنا الخير ثم يرضينا به، هو ولي ذلك والقادر عليه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • ألمانيا محمد

    وفقكم الله بما تفيدونا وتفيدو الصالحين

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً