الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تعرفت على فتاة تريد التبرؤ من أهلها.. فكيف أوجهها؟

السؤال

السلام عليكم

تعرفت على فتاة في المدرسة، فهي بعمر 14عاماً، كلمتني عن أهلها، وعن نفسها، وهي عنيدة الطبع، ومتمردة على أهلها تكرههم، وتحقد على أبويها، وتعتقد أن ما تفعله هو الصواب، وأهلها يتدخلون بها، وبكل تفصيل في حياتها، وكثيرا من الأحيان تبدي وقاحتها وفجورها عليهم، وتوجه لأبويها كلاما قاسيا وجارحا نابعا عن قلب أسود! لكن الغريب في الموضوع أنها وفي هذا العمر يخرج منها هذه التصرفات فكيف إذا كبرت؟

علما أن لديها أخت أكبر منها متدينة وتلبس العباءة، وهذه الفتاة ذات الـ 14 عاما تحب الموضة، والأزياء والاكسسوارات بل تعشق هذه الأمور ووالدها من عائلة ملتزمة محافظة، ومعروفة بين الناس، وتحب البنطلونات الضيقة والقمصان القصيرة، والأحذية ذات الكعب 12!

لما رأى أبوها هذه الملابس عليها، والناس من حولها ينظرون وباعتقاده أنها ملفتة لأنظار الشباب قرر أن يلبسها العباءة كأختها، فجن جنونها وانهارت بالبكاء، بل لم يتم شخص إلا وفضحت نفسها إليه من معارفنا!، وكاد الأب أن يستخدم مع ابنته العنف لكن الأم تدخلت ومنعته من ذلك.

هي حاليا تكره أهلها ولديها صديقة سيئة جدا تصاحبها، وأنا كنت قد نصحتها بالابتعاد عنها، لكنها رفضت، وأيضا هناك مشكلة أخرى أن هذه الفتاة عندما كانت في 12 من عمرها تعرفت على شاب أكبر منها بكثير، ووقعت في حبه، وهو حقير جدا لدرجة أنه أخبرها بماذا يحصل بين الأزواج والحياة الزوجية عموما! وهي في ذلك العمر صارت تعرف كل شيء عن أشياء قد تسمعها العروس في ليلة الدخلة!

رجاء ما هو الحل الأنسب لتلك المشاكل كلها! مع العلم أن هذه الفتاة هددت بالتبري من أهلها عندما تتزوج، وأبوها صار أيضا يكرهها، ووعدها بأن أول من يتقدم لها سوف يعطيها إياه!

ما هو الحل الأنسب رجاء ساعدوها؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ meme meme . حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه..

نرحب بك وبصديقتك في هذا الموقع، ونشكر لك هذا الحرص على الخير، ونسأل الله تبارك وتعالى لك التوفيق والسداد، ونحن سعداء بهذه المشاعر النبيلة التي حثتك لكتابة هذه الاستشارة، ونتمنى أن تواصلي النصح لهذه الفتاة، فأنت طرف محايد، والفتاة تأخذ عن الفتاة، وبيّني لها أن هؤلاء الأهل رغم أننا لا نوافقهم على الضغوطات والأسلوب الذي اتخذوه إلا أنهم يريدون في النهاية مصلحتها، وهم أحرص الناس عليها، وبيّني لها أن أي شاب مهما كان تافهًا لا يمكن أن يقبل بفتاة من غير أهلها، وأن الفتاة إذا جاءت بالشاب من غير أهلها فإن مصيرها أنه يحتقرها ويُهينها ولن يكرمها بعد ذلك.

الإسلام أراد للفتاة أن تكون مطلوبة عزيزة لا طالبة ذليلة، كرام الرجال بل كبار الناس إذا أرادوا بنتا فإنهم يضطروا إلى أن يطرقوا الباب، ويطلبوا ويقدموا وساطات، ويبذلوا الصداق ليدل على صدقهم، ولكن الفتاة إذا ركنت هذا الإكرام الإلهي، وبدأت تقدم التنازلات وتجري وراء الشباب، فإنهم يحتقرونها، والرجل عمومًا يجري خلف الفتاة ويلهث خلف الفتاة التي تلوذ بحجابها وإيمانها وعفتها وأسرتها، ويحتقر الفتاة التي تقدم له التنازلات، والشاب الذي يأخذ الفتاة من الكافتيريا أو من الشاطئ أو الحديقة أو غيره سيُرجعها إلى نفس المكان، والذي يأخذ الفتاة عن طريق أهلها سيُدرك أن ورائها رجال، وأن لها مكانة رفيعة.

إذن هذه الفتاة أرجو أن تصل إليها هذه النصائح واضحة، وعليك أن تبيني لها أن أولياء الفتاة هم مرجع الفتاة، فالفتاة لا يمكن أن تخسر أسرتها، فغدًا حتى لو تزوجت قد يموت الزوج، قد يطلقها الزوج، قد يحدث بينهما خلاف، فإلى أين ترجع إذا كانت هي مخاصمة لأسرتها، معاندة لوالديها، مخالفة للهدي الذي يسيرون عليه.

لذلك أرجو أن تكوني معها ناصحة، وأن تصلها هذه الأمور واضحة جدًّا، لأن مشكلة الفتاة ومشكلة أي امرأة أنها لا تنظر إلى عواقب الأمور، وأنها لا تبصر نهايات الطريق، وهذا أمر بالأهمية بمكان، عليها أن تُبصر نهايات الطريق، والأشياء المتوقعة إذا هي تمادت وأصرّت وخالفت أمر الله، فهي قبل أن تعصي والديها تخالف شريعة الله، والله تبارك وتعالى يُمهل لكنه لا يُهمل، يستر على الإنسان ويستر عليه، فإذا عاند ولبس للمعصية لبوسها وقابل الله بالعصيان فضحه وهتكه وخذله، وربما حال بينه وبين التوبة والرجوع إلى الله تبارك وتعالى.

على هذه الفتاة أن تُدرك هذه الحقائق، وكم تمنينا لو أن أسرتها أيضًا غيّرت أسلوب التعامل معها، فاستبدلوا الحوار بدل الأوامر، واستبدلوا الكلام العنيف بالكلام اللطيف واللين معها، وأثنوا على الجوانب الإيجابية فيها، واتخذوا مدخلاً إلى نفسها، ولاحظوا كذلك طبيعة هذه المرحلة العمرية التي ينفع فيها الحوار ولا ينفع فيها الأوامر التي يقابل فيها العناد بالعناد، هذه المرحلة التي تحتاج فيها الفتاة إلى تحمل المسؤوليات، وإلى إعطائه جزء من الثقة، والاعتراف بمكانتها ومشاورتها في الأمور، على الأقل الخاصة بها في مستقبلها، ثم الاقتراب منها والتشاور معها والمحاورة معها، وتقديم الخدمات المطلوبة لها، هذه معاني لابد أن تكون واضحة.

علينا كذلك أن ندرك أن هذه المرحلة فيها رغبة في الظهور ورغبة في إظهار المفاتن، ورغبة في بعض الأمور التي ربما يرفضها الكبار.

نحن ينبغي أن نتحاور في هذه الأمور قبل أن نتخذ فيها قرارات إدارية، فمن حق الأسرة ومصلحة الفتاة أن تلزمها بالعباءة مثلاً، لكن ينبغي أن يسبق ذلك حوار ونقاش، وإظهار الحب لها، ومشاعر الود لها، والخوف عليها، وبدل أن نقول أنت سيئة نقول (أنت كالثوب الأبيض والبياض قليل الحمل للدنس، وهذا من حبنا لك، لأنك فيك خير، ولأنك بنتنا الغالية) وكذا، وبعد ذلك في النهاية نقرر، وعند ذلك لن تضرر، لأنها ستدرك أن الأسرة لها مبررات، وقد لا تُظهر لنا ويصعب أن تظهر لنا أنها اقتنعت وكذا، لكن من داخلها ستعرف حقائق الأمور، ودائمًا ينبغي أن يدرك الآباء أن الفتاة – خاصة في هذه السن – القناعات الأسرية تتبناها من الخارج.

قد يصعب عليها أن يقال لها أنها جاهلة وأنها لا تعرف وأنهم علموها، وأيضًا نحن لا ينبغي أن نشعرها بهذا حتى لا يدفعها هذا للمزيد من العناد والمزيد من التمرد على الضوابط الأسرية الموجودة عندنا.

أرجو كذلك أن يحرص الأب والأسرة على التحاور معها، والتعامل معها بشيء من اللطف، شيء من الحوار، شيء من النقاش، الأخذ والعطاء، وأرجو أن يجعلوا همهم إصلاحها، ليس همهم ماذا يقول الناس عن سمعتنا وكذا، لا، نحن ينبغي أن نحرص على أن نضعها في الطريق الذي يُرضي الله، لأنها قبل أن تفضح الأسرة وقبل أن تفعل هي تقع في معاصي لله تبارك وتعالى، فلنصلح نيتنا ونجعل هدفنا الإخلاص، وهذا بالنسبة لك أيضًا اجعلي همك إصلاح هذه الفتاة، والنصح لها، وذكريها بأن الذي سيحاسبها هو الله وليس الوالد ولا الوالدة، والله لا تخفى عليه خافية، وإذا كان عندها جمال وميزات فهي هبة من الوهاب، وهذه النعم من الله إنما تدوم بشكرنا، لأننا إذا كفرنا هذه النعم فإن الله يهددنا بسلبها وتعذيبنا بها والعياذ بالله.

نسأل الله أن يعينك على مواصلة النصح لها، وأرجو أن تشجعيها أيضًا على التواصل مع الموقع لتعبر عما في نفسها حتى تسمع منا النصائح والتوجيهات، كما أرجو أيضًا إذا كانت لك علاقة بالأسرة أن تشجعيهم على حسن التعامل معها، والحرص على حوارها وإعطاءها شيء من الثقة، ونسأل الله لك ولها التوفيق والسداد، ونكرر ترحيبنا وشكرنا لك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً