الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ليس لدي خلطة وعلاقة بالرجال، فهل هو سبب تأخر زواجي، وما نصيحتكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لا أدري كيف أشكركم على جهودكم وعلى سعة صدوركم، وصبركم على مشاغل ومشاكل الشباب من أجل الأخذ بيدهم إلى بر الأمان، ولا يسعني إلا أن أقول لكم جزاكم الله عنا كل خير، ونفع الله بكم الأمة اللهم آمين.

أما بعد:

فإن المشكلة تدعو إلى العجب وتدعو إلى الحيرة، لقد أثارتني وأثارت أركان نفسي، فأسرعت إلى مراسلتكم رغبة في أن أسمع ردا يريح نفسي مما حل بها وعلي أن أسمع إلى رد أتزود به لأواصل الطريق في هذه الحياة.

لن أطيل عليكم مشكلتي أيها السادة الكرام أنني فتاة رأت أنه في حزمها في معاملاتها، وفي طريقة مشيها وذهابها وإيابها، وجديتها في تعابير وجهها في الجامعة أو في الشارع حصن حصين بعد فضل الله وحمايته من كل عين جريئة، ونفس مريضة وشباب عابث.

مشكلتي أنني مقتنعة بأن قطع صلتي بالشباب في الجامعة أو خارجها وعدم التواصل معهم إلا للضرورة، وهذا الأمر صار غريبا عند من حولي فصار حزمي وحشية، وصارت نظراتي الجادة حين أتحدث وأنظر في الطريق، وكأنني إنسان عابس مقطب ولأني أفعل ذلك في مشيي، وأثناء سيري فهم يقولون لي: إن طريقتك هذه وكأنك ستصارعين أحدهم أو ستضربينه، وقالوا لي: إنه بذلك سيضحكون مني، ومن خشونتي التي تسلحت بها ومبالغة في تصرفاتي وأنهم سيضحكون وسأجلب انتباههم بهذه الطريقة.

بالنسبة لأولئك الذين يضحكون مني؛ هم يضحكون على الدوام! فليضحكوا من خشونتي وحزمي خيرا من أن يضحكوا من تهاوني وانحلالي.

الآن وقد تزوجت كثيرات ممن حولي وتم خطبة معظمهن بدأوا يقولون أرأيت يجب أن تتدبري أمرك، فأقول: ضاحكة كفى للفتاة أن تتدبر أمرها في هذه الأمور؟ فيقال لي: كفى مبالغة في تصرفاتك الخشنة وكفى جفاء وصلفا.

أنا مقتنعة كل الاقتناع بما أفعل، ثم إنني أبتسم في وجوه أخواتي وصويحباتي وزميلاتي، وأنا حسنة التعامل معهن، فما الضير في أن أكون حازمة مع الشباب؟

أنا أؤمن بما أفعل، وأن ذلك حصن لي، وأن زواجي لن يعطله حزمي إن شاء الله، وأن الله هو رازقي وليس لدي ما أسعى به.

لقد صارت هذه الأحاديث تصدر من أقرب الناس لي، بل فيهم من قال تحدثي إلى زملائك وكوني علاقات طيبة معهم.

لقد تعبت واهتزت أركان نفسي في داخلي، فأرجو أن تسلحوني بكلام ونصائح تثلج صدري، وكلمات أحاجج بها هؤلاء، وطمئنوني هل أنا أبالغ إن لم أحدث الشباب إلا عند الحاجة؟ وإنني أتسلح بالحزم في مشيي، هل ما أفعله أصبح موضة قديمة، وأن الزواج يكون بالطريقة العصرية الفظيعة التي نراها الأن من علاقات بين الفتيات والشباب؟

وهنا أقصد علاقات الزمالة والتحدث والمزاح البسيط، ولا أقصد المصاحبة وإن كان هذا سيان عندي، ولكني أرجو أن تنصحوني وترشدوني.

آسفة على الإطالة، وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمة الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه..

بداية نرحب بك - ابنتنا الفاضلة - في موقعك، ونسأل الله أن يلهمك السداد والرشاد، وأن يعينك على الخير، وأن يستخدمنا وإياك فيما يُرضيه، ونشكر لك هذا التواصل مع موقعك، ونشكر لك كذلك حسن العرض لهذه المشكلة التي تواجهينها في مجتمع بدأ يتخلى عن كثير من الفضائل، وأرجو أن يعلم الجميع أن الفتاة ينبغي أن تكون قليلة المزاح مع الرجال، بل قليلة الكلام، بل لا تتكلم إلا في ضرورة، إلا عند الضرورة، هذا أمر ينبغي أن يكون واضحًا لفتياتنا الكريمات، وواهمة من تظن أن الرجال يُعجبوا بالفتاة التي تتكلم معهم، لأنهم يريدون قضاء الوقت معها، لكنهم لا يرضون بأمثال مثل هذه الفتاة أُمًّا لعياله أو أمينة على داره، ولو حصل أنها تزوجت من هؤلاء الذين كانت تحادثهم، وكانت تكلمهم فإن الثقة تكون معدومة.

ودائمًا هؤلاء لما يتزوجوا بالفتاة يكونوا مجبرين على هذا لوقوعهم في أخطاء أو لتعلقهم، يقول أحدهم:(ماذا يقول الناس، لذلك لا نستطيع أن نترك) فإذا تزوجها بعد ذلك استهان بها، ثم بدأت الشكوك تدخل، فإن الشيطان يقول: (هذه التي ضحكت معك ما المانع أن تضحك مع آخرين) هذا إذا سلمنا جدلاً أن الزواج يمضي سريعًا في المتبرجات، ولكن هذا الكلام لا تصدقه الإحصاءات والأرقام، والدليل على ذلك ما قالته الطالبة الجامعية التي انفجرت مرة في وسط زملائها وزميلاتها، قالت: (إنهم يخدعوننا، إنهما يثنون على تسريحة شعرنا، وعلى جمال ثوبنا، وعلى ظرفنا، لكنهم يتزوجون بغيرنا) وهو تعبير صادق جدًّا، لأن الشباب حتى الذي فيه تقصير في دينه عندما يريد أن يتزوج يختار العفيفة التي لا تخالط الرجال ولا تكلمهم، العفيفة الطاهرة التي تجتهد في الابتعاد عن الرجال، والشريعة تريد المرأة التي تبتعد عن الرجال.

ودائمًا نحن نقول: المرأة التي تهرب من الرجال وتلوذ بعد الله بإيمانها وحيائها وحجابها وأسرتها، هذا الشاب يجري ورائها، ويحرص على الزواج منها، ويحرص على الارتباط بها، بخلاف الفتاة التي تقدم تنازلات، فإن الشباب يهربون منها عندما تأتي لحظة الجد ولحظة الحقيقة يهرب منها جهده، فإن أجبر وحوصر فإنه بعد ذلك يتزوجها، ومن أول خلاف يقول: (أنا ما كنت أريدك، لكن خفت عليك وخشيت عليك من كلام الناس، وخفت على سمعتك، وأنت ما كنت محترمة ولم تكوني محتشمة) هذا جانب.

بعضهم بعد أن يتزوج يُغلق عليها الأبواب، ويمنعها من الهاتف، ويمنعها من الخروج، لأنه يتذكر أنها كانت تضحك مع الجميع، وأنها ضحكت معه دون أن يكون هناك غطاء شرعي أو باب شرعي لتلك العلاقة.

بل وهناك دائمًا تكون الشكوك والظنون، فإن الشيطان الذي جمعهم على الضحكات، وجمعهم على الكلام، وجمعهم على المجاملات، وجمعهم في المقاهي والكافتيريا وعلى الشواطئ، هو الشيطان الذي يأتي لكل طرف يقول: (كيف تثق فيها؟ كيف تصدقها بعد أن فعلت وفعلت، أَمَا علمتَ أنها فعلت كذا؟ ما المانع أنها ستخونك؟ ما المانع أن لها علاقة) ثم يأتي الشيطان إليها فيقول: (كيف تصدقي هذا المجرم؟ وما المانع ربما تكون له صديقات، وربما تكون عنده أخريات، وربما يكون مستمرًا في نفس العلاقات، أَمَا إذا تذكرتِ أنه كان يضحك هناك وكان يفعل كذا، وكان ينظر لما كان يجلس) يأتي الشيطان بمثل هذه الأمور حتى يشوش عليهما.

ولذلك نحن نحي عندك هذه الروح، ونحسب أن الأمر فيه اعتدال طالما أنت ظريفة مع الزميلات، تضاحكي البنات زميلاتك، وتتواصلي معهن، وحتى الرجال تتكلمي معهم عند الضرورة عندما تحتاجين إلى الكلام، فإننا نعتقد أنك على خير، وأن الأمر ليس فيه ما يُزعج، فاستمري على ما أنت عليه، واعلمي أن القضية ليست أن تتزوج الفتاة بسرعة، لكن الأهم هي أن تسعد، وأن يحصل الانسجام، وأن يكون هذا الزواج لم تكن فيه مخالفات شرعية، أو علاقات عاطفية خارج الأطر الشرعية، لأن هذا مِعول هدم في الأسرة، أن تكون هناك علاقات، وأن يكون هناك تعارف طويل وعلاقات وضحكات قبل وجود الغطاء الرسمي للعلاقة، والشريعة حريصة على أن تؤسس بيوتنا على تقوى من الله ورضوان، وعلى هذه الأسس الثابتة، فأنت ولله الحمد على خير، وأرجو ألا تلتفتي لكلام هؤلاء، فإن الناس لا يُعجبهم شيء، لو أن الفتاة توسعت في الكلام وضحكت فإنهم يقولون (ما عندها حياء، وهي التي فعلت وفعلت) وتلكوها الألسن، ولو أن فتاة أيضًا أرادت أن تلوذ بدينها وحجابها تُصبح غريبة، ولكن طُوبى للغرباء، وكلام الناس لا ينتهي، لكن الذي يهمنا هو إرضاء الله تبارك وتعالى، فالمؤمنة تسعى في كل أمر يُرضي الله، ولا تبالي بعد ذلك إن رضي الناس أو سخطوا، لأن هدفها ولأن غايتها هو رضى الله تبارك وتعالى.

فنسأل الله أن يلهمك السداد والرشاد، وأن يستخدمك فيما يُرضيه، وأن يرزقنا جميعًا الإخلاص في أقوالنا وأفعالنا وأحوالنا، وسوف نكون سعداء في حال تواصلك مع الموقع، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يهيأ لك الزوج الصالح الذي يُكرمك، ونبشرك بأنه من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا، ونبشرك بأن من تريد أن تطبق شرع الله تكون حازمة، تكون صارمة، تكون قليلة الكلام مع الرجال، ولذلك العرب ما كانوا يُحبون المرأة المضيافة التي تُرحب بالضيوف التي عندها كرم زائد مع الأجانب، لأن هذا خصم على حيائها، خصم على حشمتها، خصم على عفتها، أما أن تكون كريمة مع زميلاتها مع أرحامها – إن شاءَ الله مع زوجها في المستقبل – هذا هو المطلوب، الابتسامات الغالية، والزينة الجميلة، هذا أصلاً للزوج، فكيف تُبذل هذه في الشارع، وهل هذه الفتاة المتبرجة التي توزع الضحكات تريد أن تتزوج كل من في الشارع؟!

نسأل الله أن يهدي بناتنا إلى الصواب، وأن يلهمنا جميعًا السداد والرشاد، وأن يقدر لك الخير حيث كان ثم يرضيك به، وأن يرزقنا وإياك الثبات والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً