الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الوساوس تقتلني والشك يدمرني.. أرشدوني

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم

أنا شاب أبلغ من العمر 28 عاما، أعمل مهندسا بإحدى الدول العربية، كان كثيرا ما يأتي إلى ذهني بعض الأفكار الخبيثة، ولكنها سرعان ما تذهب عني، وكان معظمها يتعلق بالجنس، مثل أني أقوم بزنا المحارم، أو أرى أحدا من أقاربي يقوم بالزنا، وما إلى ذلك، ولكن كانت هذه الأفكار تذهب عني.

منذ ثلاثة أعوام، وأنا خارج بلدي، وأعيش في بلد عربي آخر، وبعد سنة من انتقالي لهذا البلد تركت نفسي لشيطاني، وفعلت المحرمات لمدة عام كامل، وأنا أعيش بعيدا عن رب العباد، ولكن -الحمد لله رب العالمين- منذ عام تقريبا امتنعت عنها، وتبت إلى الله، وعزمت على ألا أعود إليها أبداً، وواظبت على الصلاة، بل أشعر بالذنب إن تأخرت عن صلاة، وقررت الزواج ليكون لي عفة.

منذ ثلاثة أشهر تقريبا خطبت فتاة في قمة التدين، والأدب، ولها قلب أنقى من الثلج الأبيض، أحببتها منذ أول مرة رأيتها، وتوسمت بها خيرا، ولكن منذ شهر تقريبا، وبدأت الشكوك، والوساوس تتملكني، بدأت أفكر في أنها ستخونني مع أي أحد، وتطورت تلك الأفكار إلى أن بدأت أفكر أنها ستخونني مع أخي، وبدأت أقاوم تلك الأفكار الخبيثة؛ لأنه لا أساس لها إطلاقا، ولكني لا أستطيع، لقد كنت أدخن، ولأني أحببتها أقلعت عن التدخين منذ ثلاثة أشهر تقريبا، وكنت كلما أشكو هما تسمعني هي وتهون علي.. إنها بحق نعم الزوجة.

بدأت أظن أني لا أحبها، ولم أشعرها بذلك، ولكني أعرف تماما أنها وساوس.

حياتي أصبحت جحيما بهذه الأفكار الخبيثة، مرة من المرات ظننت أن الله سبحانه وتعالى لم يقبل توبتي، وأني أرائي الناس فيما أفعل، وأني لم أتب حقا، وظننت أن عملي كله مردود علي، وكدت أختنق، وركضت إلى المسجد، وحاولت البكاء كان جسدي يبكي بشدة، ولكن لم تنزل مني دمعة واحدة، وجاءت إلى رأسي تلك الأفكار بأن عيني لم تبك، وأني من أهل النار لأن من يبكي من خشية الله هم فقط الذي يرضى الله عنهم، وشكوت لخطيبتي وظلت تواسيني، وسمعتني وخففت عني كثيرا.

الآن أشعر بالذنب تجاهها؛ لأني كثيرا ما أكون فاترا معها غير ذي قبل، وأنا أعرف أنه ليس شعورا حقيقيا، بل هو من أفكار خبيثة في عقلي.

أرجوكم ساعدوني حياتي تتحول إلى جحيم حقا، ولا أدري ماذا أفعل؟

أغيثوني يرحمكم الله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد عبد العال حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

مرحباً بك أيها الوالد الحبيب في استشارات إسلام ويب، نسأل الله تعالى أن يذهب عنك ما تجده من هذه الوساوس، ونحن نبشرك أيها الحبيب بثواب الله تعالى الذي أعده للتائبين، فإن من تاب إلى الله عز وجل توبة صادقة بأن ندم عما كان منه من الذنوب والمعاصي، وعزم على أن لا يرجع إليها في المستقبل، وتركها في الحال، فإن الله عز وجل يرده إلى الخير.

وقد أخبر سبحانه في كتابه بأنه يقبل التوبة عن عباده، {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات}، وأخبر سبحانه وتعالى أنه يحب التوابين، وأخبر سبحانه أنه يبدل سيئات التائب حسنات إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة التي فيها بشارات عظيمة للتائب.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له)، فأبشر برحمة الله تعالى، وأمل فضله وإحسانه، وأحسن ظنك بربك، واصرف ذهنك لما ينفع حياتك في المستقبل، ودع عنك ما كان منك من ذنوب في الماضي.

فإن هذه الوساوس التي تجدها سوف تذهب عنك بإذن الله تعالى إذا جاهدتها وبذلت وسعك للتخلص منها.

وخير علاج للوساوس أيها الحبيب أن تدرك كامل الإدراك أنه لا علاج لها إلا بتركها والإعراض عنها، فجاهد نفسك بالإعراض عن هذه الوساوس، وعدم الاسترسال، واستعذ بالله تعالى حين ترد عليك، واصرف ذهنك عن التفكر فيها، والاسترسال معها والانشغال بشيء آخر، فهذا هو العلاج الأمثل لهذه الوساوس والأطباء النفسيين عادة ما يرشدون المريض لتحقيرها، وأن يقرن بين ورود هذه الوساوس وبين تصرف يؤذيه ويزعجه، كأن يضرب نفسه بشدة أو نحو ذلك، وكل هذا حتى يسهل عليه الإعراض عن هذه الوسوسة، والانصراف عنها.

والفقهاء يقررون أن الوساوس علاجها الإعراض عنها، ووصية النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لمن يشكو أنه ترد عليه الوساوس، قال: (فليستعذ بالله ولينته)، فالانتهاء عنها والانصراف إلى غيرها هو العلاج الأمثل لها، فاستعذ بالله، واسأل سبحانه وتعالى أن يصرف عنك ما تجد من شرورها، وأكثر من ذكر الله، وداوم على أذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم، والاستيقاظ، ودخول الخلاء والخروج منه، واشغل نفسك بما ينفعك من أمر دينك ودنياك، ونصيحتنا لك أن تسارع وتبادر إلى الزواج ما دمت قادرا عليه، فإن ذلك فيه صلاح الدين والدنيا.

ونحن نوصيك خيراً بهذه الفتاة التي خطبتها وذكرت ما ذكرت عن أخلاقها ودينها، وهذا رزق الله تعالى الحسن الذي ساقه إليك، وربما يكون ثواباً عاجلاً لتوبتك، فاشكر نعمة الله عليك وبادر بالزواج.

وقبل أن تعقد على هذه الفتاة ينبغي أن تعلم أنها أجنبية عنك، ومن ثم يجب عليك أن تلتزم حدود الله تعالى، فلا تتجاوز حدود الله، المخطوبة قبل العقد عليها هي أجنبية، فلا يجوز لك أن تختلي بها، ولا أن تكلمها كلاما فيه خضوع ولين إلا إذا دعت الحاجة إلى الكلام، فيكون الكلام حسب ضوابط الشرع، كما لا يجوز لك النظر إليها بعد أن نظرت إليها النظرة الشرعية التي دعتك إلى خطبتها، وحتى تتخلص من الوقوع في كل هذه المخالفات ننصحك بالمبادرة بالعقد، فإذا عقدت عليها صارت زوجة لك يحل لك ما يحل للرجل من امرأته.

نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى الله أن ييسرك أمرك، ويذهب عنك ما تجد من الوساوس، وأن يقدر لك الخير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً