الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من أحب شيئا غير الله عذب به... فهل هو مطلق الحب أم ماذا؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قرأت لبعض ما قاله ابن القيم في أعظم أسباب ضيق الصدر، وذكر أربعة أمور، ومنها:
(ومحبة سواه، فإن من أحب شيئا غير الله عذب به)، ولكني لم أفهم هل يحرم على المسلم محبة غير الله؟

الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يحب زوجاته، وقال في السيدة خديجة (إني رزقت حبها).

وكان أحب الرجال إليه أبوبكر.

وقد قال الله تعالى: (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء)، وقال الله تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة).

فهذا يدل على أن الإنسان يمكن أن يحب غير الله، فأرجو المزيد من التوضيح.

جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عمرو حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبًا بك - أيهَا الولد الحبيب – في استشارات إسلام ويب، ونشكر لك تواصلك معنا، ونسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير، كما نشكر لك اعتناءك بتعمير قلبك بمحبة الله تعالى والاهتمام بتفريغه من محبة ما سواه، فإن بحثك في هذه المسألة دليل على حرصك على أن يكون المحبوب عندك هو الله جل شأنه، وهذا أصل السعادة ومدارها – أيهَا الحبيب – فمتى رزق الإنسان محبة الله تعالى وملأت قلبه فقد فُتحت أمامه أبواب السعادة في الدارين، نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياك من السعداء.

ما قرأته من كلام لابن القيم – رحمه الله - كلام صحيح، وهو مأخوذ من كلام الله تعالى وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم – فإن الله جل شأنه يقول في كتابه العزيز: {فلا تُعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا}، فمن أحب شيئًا غير الله تعالى عُذب به، هذا معنى كلام ابن القيم - رحمه الله - وليس معناه حرمة حب شيء غير الله تعالى، فإن الأحاديث والآيات دلت على جواز محبة الإنسان لأشياء كثيرة، من الإنسان ومن غير الإنسان، وأنت قد أوردت شيئًا من ذلك، وحل المسألة التي يزول به عنك الإشكال - بإذن الله تعالى – أن تعلم أن المحبة أنواع:

النوع الأول: المحبة لله تعالى، أي أن تحب الأشياء من أجل الله، فيكون حبك لها فرعًا عن حب الله تعالى، وهذه المحبة لا تنافي التوحيد، بل هي من كمال التوحيد ومن أوثق عُرى الإيمان، فتحب الناس من أجل الله، وتحب البقاع التي يحبها الله، ونحو ذلك.

النوع الثاني: المحبة الطبيعية، أي التي هي بمقتضى طبيعة الإنسان، كمحبة الزوج لزوجته، والزوجة لزوجها، والولد للوالد، والعكس، وهذه المحبة جائزة إذا لم يُفضلها الإنسان على محبة الله تعالى، فإذا لم يفعل ذلك فإنها لا تزال في طورها الطبيعي الذي فطر الله عز وجل عليه الناس، وجبلهم عليه.

النوع الثالث: المحبة مع الله تعالى، أي المحبة التي تنافي محبة الله تعالى، وهي أن تكون محبته لغير الله كمحبته لله تعالى أو أكثر، بحيث إذا تعارضت محبة الله تعالى ومحبة غيره قدّم محبة غير الله، وهنا يكون قد جعل محبة غير الله تعالى نِدًّا ومساويًا لمحبة الله، بل بعضهم قد يحب غير الله تعالى أشد من حبه لله.

وإذا علمت هذه الأقسام زال عنك الإشكال - بإذن الله تعالى – وعلمتَ أن هناك أنواعا من المحبة لا يأثم الإنسان بها، وهي: محبة لغير الله، وهناك أنواع أيضًا من المحبة لغير الله، أي من حب الأشخاص أو الذوات أو البقاع، وهي محبة يؤجر عليها الإنسان لأنها فرع عن محبة الله تعالى، أما الحب المذموم الذي توعد الله عز وجل أصحابه فهو خاص بمن أحب غير الله تعالى كحبه لله.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا حبه وحب كل عمل صالح يوصلنا إليه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • الجزائر هشام

    جزانا واياكم الله خيرا

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً