الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زوجتي تعاني من اضطرابات نفسية لا أستطيع تشخيصها

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بعد التفكير بكل ما حدث من أحداث منذ خطبت خطيبتي منذ أربع سنوات، لا أجد تفسيرا إلا الاكتئاب الوجداني ثنائي القطب.

عندما يكون كل شيء مثاليا، وفجأة تتغير من الحب إلى عدم الحب بدون أي سبب، مرة تصبح لا تريد أن تلتزم بأي شيء مما تفاهمنا عليه، وتعود بعده وتعتذر، ونرجع أحسن من الأول، ومرة تقول: إنها لا تحبني، ومنذ شهرين ونصف كانت تحبني أكثر من أي يوم، تتصل بي كثيرا، وتزعجني في العمل، وتتصل في الليل، وتتكلم كثيرا، لدرجة أني أحسست أنها مهووسة بي.

ولكن آخر فترة تعرضت لضغط كبير بالكلية، وأصبح يأتيها نوبات وجع رأس لا تذهب إلا بالمستشفى، وأصبحت فجأة في يوم وليلة لا تحبني وتريد تركي، نحن على هذا الحال منذ شهرين، أهلها لا يصدقوني ويقولون: إنها لم تعد تحبني، أنا أعرفها جيدا ولا أريد تركها.

لدرجة أنها أصبحت لا تقوى على الكلام معي، وتقول: إنها ستقتل نفسها لو أجبرتها على نفسي، وأصبحت فترة ما قبل الخطبة ذنوب، وتشعرها بالضيق، ولم تعد تأكل جيدا، وفي كل مرة يحدث هذا يصبح نومها باكراً.

في العادة شهر وينتهي الموضوع، ولكن الآن صار لها أكثر من شهرين.

سؤالي: لو كان الأمر كما افترضت، وأنه ثنائي القطب، فكم تستمر الكآبة إن لم يؤخذ علاج؟ ولو استمريت بمحاولة إقناعها هل يزيد من الفترة أم يمكن أن يساعدها؟

إني وحيد ولا أجد أي مساعدة من أحد، وأصبت بحزن شديد وكرب، أرجو المساعدة يا إخوتي.

البنت عمرها 23 سنة، وحاملة للأنيميا المنجلية، وتتعرض لأوجاع رأس منذ أن كانت صغيرة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ خالد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فلا شك أن قرار الزواج ليس بالقرار السهل، وملاحظاتك حول هذه الفتاة هي ملاحظات لا بد أن يتم أخذها في الحسبان، وقطعًا أنا لا أريد أن ألصق تهمًا أو مسميات على هذه الفتاة، لا أعتقد أني أملك الجرأة أو الحق لأن أقول: إنها تعاني من اضطراب وجداني ثنائي القطبية أو علة نفسية مشابهة؛ لأن التأكيد حول هذه الأمور ليس بالسهل إذا لم يتم فحص الإنسان وتفحصه، وفي ذات الوقت لا نريد أن نظلمك أنت كزوج، ولا نريد أن نظلمها هي كزوجة - إن شاءَ الله تعالى -.

الاضطراب الوجداني ثنائي القطبية أحد إشكالاته الآن أنه أصبح مرضًا متعدد الجوانب، ومتداخلاً جدًّا، وأصبحت فيه جزئيات كثيرة للدرجة التي أصبح بعض المفكرين والعلماء في الطب النفسي يرون أننا قد انتقلنا من مرحلة التضيق في تشخيص الاضطراب الوجداني ثنائي القطبية إلى التوسّع المخل في تشخيص هذه الحالة، ويظهر أن الوسطية قد انعدمت تمامًا.

كثير من المرضى الذي كانوا يعانون من الاكتئاب الآن أُعيد تشخيصهم واتضح أنهم يعانون من اضطراب ثنائي القطب، وبالمناسبة الاضطراب الثنائي ذات القطبية ليست شريحة واحدة أبدًا، فهنالك حالات بسيطة جدًّا قد لا يلحظها إلا صاحب العين الخبيرة والبصيرة، وهنالك حالات قد تُشابه الاضطراب الوجداني ثنائي القطبية من الدرجة البسيطة مثل: تقلب المزاج العادي، أو اضطرابات الشخصية، وعدم استقرارها في بعض الأحيان، وهناك شخصيات كالشخصيات الحدّية أو الشخصية الوسواسية القلقة، أو الشخصية المندفعة وجدانيًا، هذا كله ممكن، وهذه لا يمكن أن نصفها بأنها أمراض، إنما هي نوع من الظواهر النفسية، لا نتجاهلها، لكن أيضًا لا نستطيع أن نقول: إنها أمراض تمنع الزواج.

في الطب النفسي كل حالة يجب أن تؤخذ وحدها، لا توجد حالات متطابقة، وليس المهم هو التشخيص في بعض الأحيان، إنما الظروف التي تحيط بالشخص، مستوى نضوجه النفسي، تقبله للعلاج، المساندة التي تتوفر له... هذه كلها عوامل وجزئيات تحدد مآلات المرض ومساراته.

قطعًا إذا كانت هناك وسيلة أن تعرض هذه الفتاة نفسها على طبيب نفسي هذا سيكون أمرًا جيدًا، أعرف أن ذلك فيه الكثير من الحرج بالنسبة لك، لا يمكن أن تطلب منها ذلك، لكن بصورة غير مباشرة إن توصلت لطريق ما تقنعها بأن يتم تقييمها، هذا أمر جيد، وفي كثير من الدول الآن أصبح فحص ما قبل الزواج فيه تقييم نفسي للزوجين.

سؤالك حول الافتراض بأنها تعاني من ثنائية القطب كم تستمر الكآبة إن لم يؤخذ العلاج؟
ثنائية القطب ليس من الضروري أن تكون هناك نوبات اكتئاب ظاهرة، قد تكون فقط نوبات انشراح تزداد وتنخفض، وتتخللها نوبات بسيطة جدًّا من الاكتئاب النفسي؛ لذا هناك ما يسمى باضطراب ثنائي القطب الانشراحي، وهناك اضطراب ثنائي القطب الاكتئابي، يعني أن نوبات الاكتئاب تكون متفاوتة، وقد تستغرق نوبات الاكتئاب أربعة أشهر أو خمسة أشهر أو ستة أشهر، وكذلك نوبات الهوس أو الانشراح إن تُركت دون علاج.

لكن الأمور الآن مبشرة جدًّا، حيث إن التشخيص إذا تم تأكيده يُصبح العلاج ليس بالصعب أبدًا؛ لأن مثبتات المزاج الآن كثيرة وفعالة وممتازة جدًّا.

بالنسبة لموضوع الصداع والأنيميا المنجلية: هذه بالطبع يجب أن تُتَابع طبيًّا، ودرجة الأنيميا المنجلية أيضًا مهمة إن كانت من النوع الشديد أو النوع البسيط، وهذا كله -إن شاء الله تعالى– يخضع للعلاج.

أسأل الله لك التوفيق، وأرجو -أيها الفاضل الكريم– أن تعذرني إن كانت إجابتي دون توقعاتك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً