الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بات الحزن يلازمني دائماً من إهمال أبي وفراغي العاطفي، ما الحل؟

السؤال

السلام عليكم

أنا فتاة في الرابعة والعشرين، متعلمة -والحمد لله- وحاصلة على شهادات عليا، مشكلتي أني أعاني كثيراَ من الوحدة والفراغ العاطفي، قبل عامين أصبت بمرض السرطان وتعافيت -والحمد لله-، منذ ذلك الوقت بدأت معاناتي، فخلال رحلة علاجي لم يقف والدي بجانبي أبدا، حتى عندما كنت تحت العلاج الكيميائي لم يسأل عني بالرغم من أننا نعيش بذات المنزل، تجاهله وعدم اهتمامه بمعاناتي سبب لي الكثير من الألم النفسي، وبعد انتهاء العلاج بدأت followup وأذهب للطبيب من وقت لآخر مع أمي، ولم يفكر أبداً أن يذهب معنا أو أن يسأل.

إحساسي بأني وأخواتي ليس لنا سند أتعبني كثيراً، أفكر دائماً في حالنا كيف سيكون إذا فقدنا أمي -لا قدر الله-؟ تأتيني هذه الأفكار كلما رأيت والدي، فهو الذي لم يسأل عنا حتى ونحن في أمس الحاجة له، ماذا سيقدم لنا؟ هو إنسان يفكر بنفسه دائما وعديم الثقة بنفسه وبنا، يعرضنا دائماً للإحراج بسبب طريقة تعامله معنا أمام الآخرين، وأصبحت أتجنبه دائماً ولا أتكلم معه إلا عند الضرورة.

أمنيتي أن أتزوج من رجل صالح يحترمني ويحبني ويحتوي أوجاعي، ولكن لا أدري كيف سيحدث ذلك ومتى؟ فنحن نعيش في بلد أجنبي وفرص إيجاد شريك للحياة تكاد تكون معدومة، وفي آخر زيارة لنا لبلدنا الأم رأيت شابا وأعجبت به، ولم أصرح له بأي شيء لأن قلبه كان معلقاً بغيري، أهله لم يريدوا أن يزوجوه تلك الفتاة، وتكلم معنا والده بشأن الزواج منه فوافقت أمي، لكن الشاب عندما علم بما حدث ذهب وتزوج الفتاة التي أحبها بالرغم من اعتراض أهله، أتمنى له السعادة، ومؤمنة أن كل شيء قسمة ونصيب، ولم أكن أود أن أكون سببا في تعاسته أو حبيبته، لكن لا أدري لم أنا محبطة وحزينة وكثيرة البكاء منذ أن علمت بزواجه!

لا أدري إن كنت أحببته أم لأنه كان فرصتي لملأ الفراغ العاطفي والوحدة التي أعاني منها! أدرك تماماَ أن زواجي به كان سيكون تعيساً وجافاً، لكن قلبي يؤلمني بسبب فقدانه وأصبحت أحس بألم في صدري، ولا أتكلم ولا آكل كثيراً، حتى أني أهملت دراستي كثيراً في الآونة الاخيرة، لا أدري ماذا أفعل؟ فالحزن فعلا يعصر قلبي كثيراً.

أعلم أن الحياة مؤقتة ويجب أن نرضى بقضاء الله وعطائه، ولكن ماذا أفعل؟ تحدثني نفسي بأن حياتي لن تتغير للأفضل وأن شيئاً سيئاً سيحدث، وأصبحت أخاف كثيراً من غضب ربي.

قرأت كثيراً عن الصبر والثقة بالله، وعدم الخوف من كربات الدنيا لأن الله معنا، أحس بعد أن أقرأ هذه الكلمات بالراحة المؤقتة ثم أعود للحزن والبكاء مجددا، أرجوكم أشيروا علي ماذا أفعل؟ وادعوا لي أن يرزقني بالزوج والذرية الصالحة، جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة/ Sarah حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك -ابنتنا الكريمة- في الموقع، ونهنئك على بلوغ العافية، ونسأل الله أن يُديم عليك فضله، ونحب أن نؤكد لك أن وقوف الوالدة معك دليل على أن لك مكانة عند الأسرة، وما حصل من الوالد من التقصير في حقك وأنت مريضة لا ينبغي أن يؤثر عليك، لأن الوالد ينبغي أن نسعى في إرضائه، ونلتمس له الأعذار، وعلى كل حال فإن الإنسان ينبغي أن يؤدي ما عليه من البر، وإن قصر الوالد أو الوالدة في الواجبات الأخرى.

ونحب أن نؤكد لك أن مسألة الزواج قضاء من الله وقدر، وهذا الكون ملك لله، ولن يحدث في كون الله إلا ما أراده الله، فلا تحزني على ذلك الشاب الذي فاتت الفرصة وتزوج بأخرى، ونحن نؤكد أنه لا خير في ودٍّ يجيء تكلفًا، وهذه مسألة لا بد أن يكون فيها القبول من كل الأطراف، فعليك بطي تلك الصفحة، واعلمي أن ما يُقدره الله للإنسان هو الخير، ونتمنى أن تكوني على تواصل بأسرتك، لأن الإنسان فعلاً إذا كان بعيدًا عن الأسرة فإن فرص الزواج تقل، لأن الأسرة هي التي تعرف الإنسان، وإذا كان هذا هو انطباع الأهل فإن هذا يبشر بخير كثير، فرغم مجيئك المتأخر إلا أن أهلك رغبوا في أن يتزوج بك، فكيف إذا كان التواصل مستمرا مع الأسرة (الأم) في مسقط الرأس؟ لذلك ينبغي أن تعرفي أن هذا جانب إيجابي، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يقدر لك الخير ثم يرضيك به، وأن يلهمك السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.

وأرجو كذلك أن تهتمي بالإقبال على الله تبارك وتعالى، فإن قلوب الناس بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها سبحانه وتعالى، وخير سبيل للنجاح والفلاح في هذه الحياة هو أن يُقبل الإنسان على طاعة الله تبارك وتعالى الذي بيده مقاليد الأمور سبحانه وتعالى.

فأصلحي ما بينك وبين الله، ولا تفكري بهذه الطريقة السلبية، واعلمي أن عدونا الشيطان همّه أن يحزن أهل الإيمان، وليس بضارهم شيئًا إلا بإذنِ الله، فأقبلي على الله، وكوني أكبر من مثل هذه المواقف التي تحدث، واعلمي أن الحياة لا تخلو من الجراح، وأن الإنسان المؤمن في كل الأحوال في خير، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، أو أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له).

نسأل الله أن يزيدك خيرًا وفضلاً، هو ولي ذلك والقادر عليه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً