الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أريد ترك الدراسة والاتجاه إلى مجال آخر ووالدي يرفض، فكيف أقنعه؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا طالب جامعي في كلية الشريعة في الترم الثاني، وقد فكرت كثيراً في ترك الدراسة، وأن أتجه إلى المجال الذي أستطيع أن أنتج فيه، وأسهر الليالي لأجله، لكن كيف أقنع الوالد بترك الدراسة، وأبدأ في الاعتماد على نفسي وأتجه إلى مجالي؟

والذي أقصده ليس تغيير التخصص الجامعي إلى تخصص آخر؛ لأن التخصص الذي أرغب فيه غير موجود في السعودية؛ والوالد لا يستطيع أن يرسلني للخارج، ولكني أريد الاعتماد على نفسي، وترك هموم الدراسة التي وضعتني في سجن تفكيري.

كيف أقنع الوالد بترك الدراسة؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع.

وبخصوص ما ورد برسالتك – أخي الكريم الفاضل – فاسمح لي أن أقول لك:
الأمر الأول: إن خبرتك في الحياة ما زالت قليلة ومتواضعة، فإنك ما زلت في التاسعة عشرة من عمرك، وتنظر إلى الدراسة على أنها قيد وسجنٌ تفكيري كما ذكرت، ولكن الواقع يُثبت خلاف ذلك، فإن الدراسة ليست مجرد الحصول على شهادة وفقط، وإنما الدراسة هي مرحلة تربية، ومرحلة إعداد وتهيئة.

نعم قد يحصل الإنسان على مؤهل جامعي، ولكنه لا يعمل به إلا أنه قد يكون استفاد فوائد عظيمة في مجالات أخرى، فمسألة الصبر على التلقي، وعلى التعليم، وعلى التعامل مع المدرسين والزملاء، وعلى المذاكرة، هذه أمور لا يمكن أبدًا أن تحصل عليها بغير هذا الطريق.

كما أن المجتمع الذي تعيش فيه الآن ينظر إلى حملة المؤهلات على أنهم من المتميزين، أو أنهم أناس أثبتوا كفاءتهم ونجاحهم في الحياة، فأنت مهما حصلت على أموال، ومهما حققت من إنجازات بعيدًا عن حقل التعليم ستظل يُشار إليك بأنك من الفاشلين، وأنك لم تنجح في العملية التعليمية، وبذلك مهما حققت من إنجازات، فهي متواضعة بالنسبة لغيرك، القضية إذن ليست قضية المؤهل الذي تتكلم عنه، أو الشهادة التي يحملها الإنسان، وإنما كما ذكرت لك هذه نظرة مجتمع.

الأمر الثاني: قد يُزين لك الشيطان بأن العملية التعلمية قيد، وأنك مطالب بأن تفعل وتفعل وتفعل، هذا التفكير – مع الأسف الشديد – ليس تفكيرك أنت وحدك، وإنما هذا تفكير يثيره الشيطان لدى الكثير من الشباب الذين يرغبون في الاتكالية، وعدم الأخذ بالأسباب، ويرغبون في النوم العميق والطويل، ويرغبون في قضاء أفضل مرحلة من مراحل أعمارهم - وهي مرحلة الشباب - في اللهو واللعب والضِّعة.

كونك تريد شيئًا آخر وأنت رجل جاد – وهذا ما يبدو من رسالتك – إلا أنه ما الذي يمنع أن تُتم دراستك حتى تحصل على أكبر قدر ممكن من العلوم الشرعية التي أنت في أمسِّ الحاجة إليها، ثم بعد ذلك تنطلق حيث ما شئت، وتكون بذلك قد حققت عدة إنجازات:

الإنجاز الأول: أنك انتهيت من عملية تعليمية ضرورية.
الإنجاز الثاني: أنك أصبحت على قدر لا بأس به من العلم الشرعي الذي هو زادك في الدنيا والآخرة.
الإنجاز الثالث: أنك أرضيت والديك.
الإنجاز الرابع: أنك أصبحت غير منبوذ في المجتمع، أو لا يُشار إليك بأصابع الاتهام بأنك فاشل، أو غير ناجح، أو غير موفق، أو غير جاد.

وفوق ذلك كما ذكرت لك: ما تتلقاه من عملية التربية والصبر على التعلم والصبر على التعامل مع الناس، هذه مسائل يتعذر جدًّا حقيقة عليك أو على غيرك أن يصل إليها بعيدًا عن هذا الأمر؛ لأن العملية التعليمية ليست فقط مجرد تلقي علوم، أو شحن الرأس بمعارف وخبرات أو دراسات، وإنما العملية التعليمية أكبر من ذلك بكثير، فهي مرحلة إعداد وتهيئة في جميع الجوانب وجميع الميادين.

أنت تقول بأنك لا تريد أن تغيّر التخصص، إذن القضية عندك أنك تريد أن تتخلص من العملية التعليمية كلها بالكامل، وهذا أمر في الواقع أنا لا أقرك عليه، ولا يُقرك عليه أي عاقل من العقلاء.

ولكن دعني أقول لك (يا ولدي): عليك بإتمام المرحلة التعليمية، خاصة وأنك -الحمد لله- الآن انخرطت فيها، عندما تنتهي منها بإذن الله تعالى لك أن تبحث عن المجال الذي تريد، إن شئت أن تعمل في مجالك الذي تخصصت فيه، وحصلت فيه على المؤهل العلمي، أو إن شئت أن تبحث عن غيره لا حرج في ذلك.

كثير من الناس الذين يعملون في الحياة لا يعملون في تخصصاتهم العلمية، بل لعل بعضهم يكون في تخصصه العلمي متواضع الأداء جدًّا، في حين أن لديهم بعض المهارات الأخرى التي جعلته يتميز بين أقرانه، بل وجعلته مطلوبًا في سوق العمل.

فإذن انته – بارك الله فيك – من العملية التعليمية، وإذا كان لك رغبة شديدة في شيء آخر غير العملية التعليمية، فأمامك فرصة في العطلات والإجازات حاول أن تنمي مهاراتك في الجوانب الأخرى التي ترغب فيها، وبذلك تجمع بين الحسنيين.

أسأل الله أن يوفقك لكل خير، وأن يشرح صدرك إلى ما فيه الخير، وأن يجعلك من سعداء الدنيا والآخرة، إنه جواد كريم.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً