الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مشاكلي الدراسية جعلتني أشك بأني مريض نفسيًا، ما صحة ذلك؟

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:

فأنا طالب مصري في السنة الأولى في الجامعة، كنت أدرس وأعيش في السعودية لمدة 17 عامًا، فقد عشت فيها حياتي كلها، ونشأت فيها، مع أني ولدت في مصر، وفي أيام الثانوية كنت طالبًا متميزًا، وكنت الأول على مدرستي على مدار السنوات الثلاث، كانت لدي ثقة كبيرة بالنفس، كنت قويًا، وكان عندي أمل كبير.

لسوء الحظ لم أقبل في جامعة سعودية؛ فاضطررت للرجوع إلى مصر، ومن هنا بدأت مشاكلي، فأنا لم أكن أرغب في إكمال دراستي هناك، فكما توقعت تمت معادلة شهادتي الثانوية، وقبلت في كلية الآداب التي تقبل درجات أقل من درجتي بكثير، ظلمت واضطررت إلى التقديم في كلية خاصة، وبدأت دراستي متأخرًا بسبب التحويل؛ فلم أستطع التحصيل؛ فقلَّتْ درجاتي، ورسبت في مواد أخرى، كنت غريبًا في بلدي، الناس هنا مختلفون تمامًا؛ السّبّ، والتدخين، والغش، والأخلاق السيئة، والنفوس المملوءة بالضغينة، الكل يريد أن يثبت أنه على صواب، حتى وإن كان مخطئًا، حتى صوت الأذان لا أسمعه!

قابلت أصدقاء جيدين، ولكن في أغلب الأحيان، وبدون خوض في التفاصيل، كنت في كل شيء أفعله تأتي مشكلة تصعّب عليّ ما أريد أن أفعله، ولم أكن أنا السبب في ذلك، وكنت أمُرُّ بحالات اكتئاب وضعف، ففكرت وقلت: أين التوفيق من الله عز وجل؟ هل أذنبت ذنبًا لم أتب منه؟ لقد تشاجرت مع والديّ في يوم من الأيام، لكني تصالحت معهما وتبت، كنت أحب مساعدة الناس ولا زلت، كنت أساعد زملائي أيام الثانوية وأشرح لهم الدروس وأساعدهم.

كنت في كل لحظة أتمنى أن أنهي هذه السنة، على أمل أن أرجع إلى السعودية في الإجازة، -ولله الحمد- نجحت في جميع المواد ورسبت بمادة، بعد كل هذه الأحداث ثقتي بنفسي قلّتْ؛ لدرجة أني لم أعد أستطع أن أقف على قدميّ بدون خوف!، صرت أتردد في كل خطوة، صرت ضعيفًا، الآن بعد ما رجعت إلى السعودية لم أعد أشعر بذلك، ولكني أخاف من السنة القادمة.

عزمت على أن أنظم وقتي، وأواظب على الصلاة، وأن أمارس الرياضة؛ للتغلب على الاكتئاب، ولكني أخاف أن تظهر هذه المشاكل مرة أخرى.

لماذا يحدث لي هذا؟ هل هذا عدم توفيق من الله -عز وجل-؟ هل هو من الحسد؟ فكلية الهندسة تعتبر من الكليات المرغوبة في مصر، هل لأنني في غربة؟ مع العلم أن لدي أهل في مصر، ولكنني لم أكن أراهم قبل سفري للدراسة إلا نادرًا في الزيارات السنوية.

كيف أزيد من ثقتي بنفسي وأتحمل المشاكل؟ كيف أتغلب على الاكتئاب؟

شكرًا جزيلًا على هذا الموقع الرائع والمجهود العظيم، أسأل الله أن يعينكم ويسكنكم فسيح جناته.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ إسلام حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكرًا لك على التواصل معنا والكتابة إلينا.

إن ما تمرّ به لا يعود لضعف في الشخصية أو مرض فيها، وليس عدم توفيق من الله تعالى، وإنما -ربما- هناك عدة عوامل تفسر ما يحدث، ومنها مثلًا:

الأول: وكما ذكرت في سؤالك بسبب الغربة، وتحديات التكيّف مع المجتمع الذي تدرس فيه وهو مصر، صحيح أنك ولدت في مصر، إلا أنك ولحدّ كبير غريب عن هذا الجو؛ حيث عشت 17 عامًا -تقريبًا- في السعودية، والحياة في المجتمعين مختلفة تمامًا، وفي كثير من الجوانب.

أضف إلى هذا تحديّ التكيّف مع الدراسة الجامعية، فكثير من الشباب يجد صعوبة في هذا التحديّ والتكيّف، حتى ولو كانت الجامعة في المدينة التي ولد وعاش فيها، وكما تعلم أن حياة الجامعة غير الحياة المدرسية الثانوية.

الأمر الثالث: إنه لا شك أن طبيعة الأحداث التي تجري في مصر ومنذ الثورة، قد أثرت في الكثير من الناس، وأنت واحد منهم، فمن الصعب جدًا أن يعيش الشاب في بلد فيه كل هذه التغيّرات والتحديات، وأن لا يتأثر بهذا الجو.

الأمر الرابع: ربما له علاقة بافتقاد أسرتك، وهذا أيضًا أمر طبيعي مُتوقع، ويمرّ به معظم الناس، وهو في الأصل ليس شيئًا سلبيًا، ويمكن مع الوقت أن تتكيّف وتعتاد عليه.

أحسنت بإحداث التغيير أو التصميم على القيام به، فعلى بركة الله، ولكن من الطبيعي أن تتخوّف عند العودة للجامعة وللبلد، تتخوف أن تعود تلك الحالة من الشعور بالعزلة، وشيء من الاكتئاب، إلا أنك اليوم لست كما كنت منذ سنة عندما سافرت لأول مرة، وبدأت الدراسة الجامعية، فعلى العكس من هذا، أنت اليوم أكثر خبرة وقدرة على تقييم المخاطر وعلى التكيّف والسير للأفضل، وهذا ما يحدث عادة مع طلاب السنة الثانية، حيث يكون تكيّفهم أفضل بكثير من طلاب السنة الأولى.

وفقك الله، وكتب لك النجاح والتفوق، ونفع الله بك في مجالات الهندسة.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • مصر ندى

    الله يوفقك وشكرا جزيلا

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً