الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

طموحي يتراجع شيئا فشيئا بسبب تثبيط والديّ لي، ما توجيهكم؟

السؤال

السلام عليكم.

أرغب في إرشادي مشكورين، هناك استفهام أقلقني وكاد أن يجعل حاجزا بيني وبين حياتي، أنا طموحة جداً وأعشق دراستي وأكملتها -ولله الحمد-، وتخرجت من المرحلة الجامعية بتخصص إدارة عامة، مسار خدمات صحية وإدارة مستشفيات، كنت أريد أن أتعلم الإنجليزي لأكمل مستلزمات الطموح لأصير مديرة كبيرة، وكنت أتمنى أن أصبح عضوة في مجلس الشورى، وأكمل الماجستير والدكتوراه، كنت أحلم أحلاما كثيرة كلها أحلام نبيلة، كنت أحب الحياة وشغوفة بالعيش فيها، كنت منتعشة أنتهز الفرصة ولا أترك شيئا يفوتني، أحب أن أقرأ كتبا وأتلذذ في القراءة، كنت أنتهز الفرصة لحضور أي دورة، أول ما أسمع عن شيء أحضر وأتعلم استماعاً وحضوراً، شغوفة بالتعلم والصعود لأعلى المراتب.

أحب أن أرضي ربي وأحب أن أعمل الخير، ولا أحب أن أظلم ولا أحب أحدا يظلمني، وأحب المبادئ والقيم وأحب السير على نهجها، ولا أرضى بالظلم، وأحب العدل والنظام، ولا أحب أن أكون حملا ثقيلا على أحد، وإذا لم أنفع لا أحب أن أضر، وأتألم لما يضطرني أحد أن أسيء له بسبب ضغطه عليّ وأذيته المتمادية. واجهت عدة عوائق وأنا أقاوم كل ما يواجهني ولا أستسلم، لا أطلب العون سوى من الله وأعلق آمالي به، ولكن أجد ممن حولي بالمنزل إحباطات وكلمات لا تحمل من التفاؤل ذرة، على العكس تماماً، خصوصا والدي وأحيانا والدتي.

أخرج لحضور بعض الدورات وذلك يغضب الوالد، يقول يجب أن تذهبي وتعملي وتحضري المال أو لا تذهبي لأخذ الدورات، وتمتد سلسلة من الكلمات المثبطة وتصاحبها بعض الدعوات الموجعة، مع العلم أن الإنجليزية ومهارات الكمبيوتر ضرورية الآن وكذلك الدورات، مع أنني لا أطلب منه مالاً، عندما يجازف الإنسان ويواصل في هذه الحياة لا يهمه أي مثبط، ولكن الله قرن حق الوالدين بحقه، ولن يستطيع الإنسان أن يخطو خطوة بدون رضاهما، والتوفيق حليف رضاهما، وأنا لا أفعل شيئا محرما بل أطلب العلم النافع، ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله به طريقا إلى الجنة.

الآن أشعر بألم وأسى ووجع وحرب مشتعلة بداخلي، أرغب في إكمال طموحي ولا أرغب في غضب والدي ووالدتي، لا توجد وظائف مناسبة فالبعض منها بائعة في الأسواق، والبعض عاملة إنتاج في المصانع، وجميعها لا تناسب قدراتي ولا تتوافق مع مؤهلاتي، والوظائف التي تناسب مؤهلاتي تحتاج لخبرة إن وجدت، وطلاقة في تحدث الإنجليزية وهي لا توجد لدي، حالتنا المادية -ولله الحمد- جيدة، ولكن لا أحد يعلم بمقدار ما أشعر به سوى خالقي، ولكن ما خاب من استخار ولا ندم من استشار.

والألم الأكبر الذي بداخلي هو خمول طموحي وتراجعه شيئا فشيئا، لا أستطيع حتى البكاء فقط أشعر بألم لا يوصف، حيث أني لا أرغب بشيء سوى تحقيق طموحاتي بما يرضي الله والصعود لأعلى المراتب، عندما لا تجد من يشجعك تستطيع المضي قُدما بتعليق ثقتك وكل آمالك بالله، والاعتماد عليه وحده فهو نعم المولى ونعم النصير، عندما لا تجد من يشجعك وتجد أقرب الناس لك يكسرون مجاديفك، ويطمسون طموحاتك بكلمات بائسة ودعوات قاسية، كيف تستطيع السير؟ كيف تجري عكس التيار؟ كيف تقف في مواجهة السيل الجارف لكل ما حاولت بناءه في سنوات تزينه بالأمل والتفاؤل والحب والخير وأجمل الأمنيات؟ كيف تهرب ممن حولك ممن يعيشون معك ممن هم عليك بدلا من أن يكونوا معك؟ هنا أقول وأفوض أمري إلى الله، إن الله بصير بالعباد.

هل عيب أن تعبر عن خلجات نفسك؟ هل عيب أن تعيش كما تريد وكما تطمح؟ هل حرام أن تقول أحب أن أكون في أعلى المراتب وسأجتهد وأواصل المشوار ومن سار على الدرب وصل؟ هل منكر أن أطلب العلم وأسعى في تحصيله؟ هل من واجبي التخلي عن طموحاتي ليرضى غيري بلا سبب وبلا مبرر؟ هل يعقل أن أعيش بلا إحساس وبلا تذوق لطعم الحياة؟ هل يعقل أن أعيش وأضع رغباتي في طريق وأسير في طريق آخر؟ هل أتجرد من ذاتي؟ وإن فعلت ذلك كيف أكون إنسانة؟ كيف يكون لي كيان؟ كيف أكون أنا ذاتي؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ياسمين حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك -أختنا- في موقعك إسلام ويب، وإنه يسرنا تواصلك معنا في أي وقت، ونسأل الله أن يحفظك من كل مكروه.

وبخصوص ما سألت عنه –أختنا- فإننا نحب أن نحاورك فيما يلي:

أولا: كم سعدنا بتلك الصفات الطيبة التي تتمتعين بها، وبهذه الروح الوثابة التي لا تقنع بما دون النجوم، وهذا شأن المؤمن الحق الذي لا يرضي الدون لنفسه، كما قال أحدهم:

إذا غامَرْتَ في شَرَفٍ مَرُومِ فَلا تَقنَعْ بما دونَ النّجومِ
فطَعْمُ المَوْتِ في أمْرٍ حَقِيرٍ كطَعْمِ المَوْتِ في أمْرٍ عَظيمِ
ستَبكي شَجوهَا فَرَسي ومُهري صَفائحُ دَمْعُها ماءُ الجُسُومِ
قُرِينَ النّارَ ثمّ نَشَأنَ فيهَا كمَا نَشأ العَذارَى في النّعيمِ
وفارَقْنَ الصّياقِلَ مُخْلَصاتٍ وأيْديهَا كَثيراتُ الكُلُومِ
يرَى الجُبَناءُ أنّ العَجزَ عَقْلٌ وتِلكَ خَديعَةُ الطّبعِ اللّئيمِ
وكلّ شَجاعَةٍ في المَرْءِ تُغني ولا مِثلَ الشّجاعَةِ في الحَكيمِ
وكمْ من عائِبٍ قوْلاً صَحيحاً وآفَتُهُ مِنَ الفَهْمِ السّقيمِ
ولكِنْ تأخُذُ الآذانُ مِنْهُ على قَدَرِ القَرائحِ والعُلُومِ

فنحمد الله إليك –أختنا- أن رزقك الله تلك النفس الطموحة المتفائلة.

ثانيا: لا يعرف الذكاء إلا عند الاختبار، ولا يعرف الصابر إلا عند الابتلاء، ولو ادعى رجل أنه لم يكذب وهو مقيم وحده في الصحراء، لم تكن له ميزة لعدم وجود من يكذب عليه عند الحاجة، ولذلك نقول لك: لا يصنع التفاؤل والأمل ويصنع الإبداع إلا في مثل هذه البيئة التي فيها جذب وشد، ولو كانت الأمور طبيعية والجميع معك ما شعرت بلذة المغامرة في طلب العلم والحث على التقدم.

ثالثا: اعلمي -أختنا الفاضلة- أن ما تعانينه نحن نتفهمه تماما، وندرك أن السلوك الخاطئ الذي حدث معك من الوالد -حفظه الله- هو الذي دفعك إلى مثل هذا الحديث، لكنّا نؤكد لك أن الأمر مجرد اختلاف رؤى واختلاف طرق التعامل فقط، وإلا فليس في الكون أحد يحبك مثلهما، هكذا قضت الفطرة، فإن الفطرة التي خلقها الله وجعلها بمثابة الثوابت التي لا تتغير تأبى أن يكون على وجه الأرض أحد يحبك مثل والديك، تذكري هذا الكلام وستعرفينه حين تكوني أما، وحين تتعبي وتحملي وتلدي وترضعي وتمسحي قذارة ابنتك الصغيرة وأنت مسرورة، ساعتها فقط ستعلمين كم كانا يحبانك ويحرصان عليك، تذكري أن تلك المحبة فطرة الله التي جبلهما عليها لا يملكان من أمرها شيئا.

رابعا: إننا نريد منك –أختنا- أن تمنحي نفسك وقتا كافيا للحديث مع والديك، فإن المشكلة مشكلة أفكار وعقول ووسائل، هم يريدون لك الخير وأنت كذلك، لكن لكل منكما وجهة نظر، قد تكوني أنت مثالية في التفكير وطموحة جدا إلى درجة تقترب من الخيال، وهم يرون أن بحكم الخبرة والمعايشة أن هذا قد يؤثر سلبيا عليك، لا بد أن يسمعا منك وتسمعي منهما، ولكن بقلب منفتح وهدف واضح، نرجو أن يبدأ الحوار بعد تعميق فكرة الأبوة في ذاتك، وترجمتها على الواقع كلاما يقال لهما فيه من الود والمشاعر ما ينبغي أن يسمعاه منك، ثم يليه الحوار.

خامسا: نحن نقسم لك بالله أن أحدا على وجه الأرض لن يفرح بنجاحك مثلهما، حتى أنت لن تفرحي بنجاحك مثلهما، واعلمي أنهما فاكهة بين يديك اليوم، فاحرصي على الاقتراب منها قبل أن يأتي اليوم الذي لا تستطيعين أن تقومي بالوفاء بحقهما، نخشى ساعتها أن يكون الحزن والألم بلا نتيجة.

وأخيرا: ثقي أن أحدا لا يريدك مثبطة ولا يتمناك ضعيفة الحجة أو الفهم، ولن يقف أحد أمام طموحك، والمتفائل الحق هو من يثق في الله، ويتخطى الصعاب التي تواجهه، ثقي أن الله سيجعل لك بعد عسر يسرا، المهم الحوار بينكم.

نسأل الله لكم التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً