الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

متى أتخلص من الوسواس القهري الذي جعلني في دوامة الضيق والقلق والخوف؟

السؤال

السلام عليكم..

أشكركم على هذا الموقع الرائع الذي عرفني بكثير من الأشياء، وأرجوا منكم جوابي بشكل مفصل بما أمر به.

فقد مضت 10 سنوات على إصابتي بالوسواس القهري، المرض الذي أعاق حياتي، وجعلني دوما بقلق وضيق وخوف، تعالجت مرتين بحبوب انفرانيل، وأحسست بتحسن، وآخر فترة علاج استمرت 7 أشهر، وقطعت العلاج بالتدريج، وأحسست بأن الحياة عادت إلى جسدي، وكانت هنالك وساوس تراودني، وأستطيع طردها، وكانت الوساوس تأتيني بالنظافة والعقيدة والأمراض، ولكن قبل ما يقارب العشرة أيام راودتني فكرة عن رب العالمين، أثقلت كاهلي، وطرحتني أرضا، وانهمرت دموعي، وضاقت الأرض علي، كيف ولماذا أفكر هكذا عن ربي حبيبي؟ وإلهي هو من يسترني ويرزقني، من إذا أخطأت سامحني؟ هو الذي شافاني وعافاني ووفقني، كيف أتحدث عنه هكذا؟ أخاف أن أتكلم عن طبيعة الفكرة خوفا منها.

والله لقد رجعت حياة الضيق إلي، أنظر إلى الناس وأقول هل تراودهم نفس أفكاري؟ والمشكلة أن الفكرة تأتيني، فيبدأ لساني ينطق بها، وأسرع أنا إلى تصحيحها، وأدخل دوامة الأفكار التي لا تنتهي، وإذا أردت الانتهاء، أكون قد أصبت بأعراض خطيرة، كضيق النفس، والخفقان، والخمول، وبرودة الأطراف، والدوخة، وكل هذه الأعراض أقول سوف يعاقبني الله على قولي وتفكيري، وأنهار أكثر.

أرجوكم الأفكار تخص ربي بصورة سلبية، وتخص قدرته وعظمته، وتراودني أفكار على أن أحلف بالقرآن على أشياء تخص قدرة ربي، ولأني أعرف عظمة عدم الحلف بالقرآن، فكيف بي يدفعني التفكير بالحلف بقدرة رب العالمين بصورة سلبية ومكروهة؟

فكرة الحلف دمرتني وأرعبتني، تكلمت مع زوجي بهذا الموضوع، وقال لي: بأنها مجرد وساوس، تجاهليها، بدأت أخجل من أقول لزوجي عن أفكاري، فأنا أعرف بأنها تفاهات، ولكن لا أستطيع التخلص منها، فإذا تجاهلتها تخنس، ولكنها ترجع وتظهر فجأة فتقتلني.

كرهت نفسي، إلى متى سوف أبقى مصابة بهذا المرض؟ لن يهدأ بالي أبدا، كيف ستستمر حياتي مع طفلي الصغير؟ هل سيرى جنون أمه؟ هل سأصاب بالجنون؟ هل سيعاقبني ربي على أفكاري التي أنطق بها؟

أنا أصلي، وأسبح، وأقرأ القرآن، وخريجة من كلية التربية الرياضية، وأمارس الرياضة بالمنزل يوميا، حتى أساعد جسدي الذي ينهكه التفكير.

أرجوكم ساعدوني، لا أريد العودة إلى العلاج النفسي، أريد علاجا سلوكيا، كيف يمكنني أن أكون قوية العزيمة، وأطرد الوساوس وأحتقرها؟

ماذا عن وسوسة الحلف بالمصحف، لأنها الوحيدة التي ترعبني، وكيف أدفع عني الحلف والأفكار السيئة عن ربي؟ ومتى سينتهي عذابي، وترجع حياتي طبيعية، وأمارسها بدون خوف وقلق وضيق؟

والله إنني من شدة الضيق ملامح وجهي تغيرت، وبدأت حياتي بالانطواء، عانيت كثيرا من هذا المرض، تركت أمورا أحبها، وعلاقات بالأهل بسبب مرضي.

فأحيانا أعرف بأنه مرض، وربي لن يحاسبني، لكني أريد التخلص أصلا من هذه الأفكار نهائيا، فقد قضيت 10 سنوات من عمري في هذا المرض، ودخلت حياتي بمطبات وصعوبات وصراعات كأنني أقاتل، وأرى أصدقائي وزملائي بفترة الدراسة يمارسون حياتهم بصورة طبيعية، إلا أنا أعاني من الأوهام.

أرجوكم ساعدوني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ الحائرة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أتفق معك أن الوساوس مؤلمة، خاصة حين تكون من النوع الذي ذكرته، لكن -أيتها الفاضلة الكريمة– إذا تدبرنا ورجعنا بذاكرتنا إلى العهد النبوي، وهو أفضل القرون، ورد أن الصحابة قد اشتكوا إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم– من الوساوس، ففيما معناه أتى بعض أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم– وقالوا: يا رسول الله، والله إن زوال السموات والأرض لخيرٌ لنا من أن نتحدث بما يأتينا في أنفسنا، فرد النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: ذلك صريح الإيمان، وقال: الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة.

كان هذا هو الوسواس ولا شك في ذلك -أيتها الفاضلة الكريمة–، فطمأنهم الرسول -صلى الله عليه وسلم– قائلاً: إن ذلك من صريح الإيمان، ونصحهم -صلى الله عليه وسلم– بأن يقول الواحد منهم (آمنت بالله) ثم ينتهي، وقال لآخر: (فليستعذ بالله ولنتهِ)، أي أن يستعذ بالله ممن يسوس في صدور الناس، وألا يناقش الوسواس، أن يُحقّر الوسواس، وهذا هو المنهج العلاجي الصحيح.

أنا أقول لك أن أهم شيء في مواجهة الوسواس هو تحقيره، وعدم نقاشه، وعدم حواره، بالرغم من إلحاحه وإصراره واستحواذه، الفكرة الوسواسية تخيليها في شكل كرة زجاجية، قومي بالدوس عليها، وضعيها تحت قدمك، وحقّريها، وهذا يحتاج منك لذاكرة بصريَّة، وخيال خصب وجميل، وإصرار على التغيير والتحسن.

أيضًا هذه الوساوس حتى موضوع الحلف على المصحف والذي أزعجك، هذا اربطيه ببعض المنفرات، فكري في نفس الفكرة الوسواسية، لكن لا تناقشيها، وفي ذات الوقت قومي بالضرب بقوة وشدة ليدك على جسمٍ صلبٍ كالطاولة مثلاً، ولابد أن يكون هنالك ألمًا جسديًا شديدًا، اربطي ما بين هذا الألم والفكرة الوسواسية، كرري هذا التمرين عشر مرات.

تمرين آخر: قومي بشمِّ رائحة كريهة قبيحة، وفي ذات الوقت فكري في الوسواس، هذا أيضًا ربط لما نسميه بالربط التنفيري، هذا علاج مهم وعلاج عظيم جدًّا، ويتطلب منك التكرار.

ممارسة تمارين الاسترخاء أيضًا فيها نوع من التخلص من الوساوس من خلال التغلب على القلق.

إذًا هذه هي المبادئ الرئيسية، والعلاج الدوائي مهم - أيتهاالفاضلة الكريمة–، ولا تنزعجي له، مهما طالت مدته هو جيد، والوساوس تعالج من خلال جرعات كبيرة نسبيًا، ومن أفضل الأدوية عقار يعرف علميًا باسم (فلوكستين Fluoxetine)، ويسمى تجارياً باسم (بروزاك Prozac)، أريدك أن تبدئي في تناوله بجرعة عشرين مليجرامًا، تناوليها يوميًا صباحًا أو مساءً لمدة أسبوعين، ثم اجعليها كبسولتين (أربعين مليجرامًا) يوميًا، واستمري عليها لمدة شهر، ثم اجعليها ثلاث كبسولات –أي ستين مليجرامًا– يوميًا، تناولي كبسولة في الصباح وكبسولتين ليلاً، استمري على هذه الجرعة لمدة أربعة أشهر، ثم خفضيها إلى كبسولتين يوميًا لمدة عام كامل –وهذه ليست مدة طويلة–، ثم كبسولة واحدة يوميًا لمدة عام آخر، ثم كبسولة يومًا بعد يومٍ لمدة شهرٍ، ثم توقفي عن تناول الدواء.

إذًا هذه هي الطرق العلاجية، وأنا أؤكد لك أن الوسواس يمكن أن تُقتل وتُفتت وتنتهي تمامًا، التزمي بما ذكرته لك، ولو راجعت الطبيب أيضًا فهذا فيه فائدة وخير كبير لك.

باركَ الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً