الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

معاناتي في الحياة كدّرت عليّ صفو حياتي!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سأكتب لكم قصتي ومعاناتي بشكلٍ موجزٍ.
أنا شابٌ أدرس في الجامعة، وبدأت قصتي عندما كنت صغيراً، حيث كنت أتعرض للسخرية من الأهل لكن بقصد المزاح، دائماً كانوا يقولون لي إنني خجولٌ ولا أعرف كيف أتعامل مع الناس، وقلّلوا من قدراتي مع أنني ذكيٌ ولساني سليطٌ، والحمد لله جميل المظهر، ولكني تغيّرت عندما تغيّرتْ طريقة مشيي، وأصبحت أمشي بطريقةٍ غريبةٍ عندما أخرج من المنزل حيث أبقى طبيعياً حتى خروجي من المنزل، أمشي بطريقةٍ غريبةٍ أشعر بالجمود في أكتافي، لا أستطيع تحريكهما كالرجل الآلي، وأمشي بترنحٍ ولا أستطيع المشي ثابتاً، وأحياناً عند خروجي من المنزل أشعر وكأنني لوحٌ خشبيٌ ثابتٌ لا أستطيع تحريك رقبتي وأكتافي، وكل هذا يحصل لي أمام الناس عند اختلاطي بهم.

لقد سبب لي ما ذكرتُ مشاكلَ في حياتي، فابتعدت عن الناس وأحاول أن أتجنبهم، ولكن الجامعة تجبرني على الاختلاط فلم أعد أشعر بالثقة بالنفس، وأشعر بأنني أقل من الناس مع أني شابٌ متميزٌ عن غيري، وأصبحت كسولاً ولا أبالي، وأصبحت أخاف الخروج من المنزل حتى لا يرى أحد مشيتي، وصرت أخاف من كل شيءٍ، وتحوّلت حياتي إلى جحيمٍ.

وأحياناً يقول لي أهلي بأنني خجولٌ، أو لا أعرف التعامل مع الناس، أو بأنني اختبئ من الناس، فيشعرني هذا الكلام بجرحٍ داخلي، وأحس بالضعف الشديد، ولا أعرف ما العمل سوى البكاء كالطفل؛ وازداد هذا الشعور، فعندما أريد أن أقوم بعمل شيءٍ معينٍ كالخروج من المنزل أشعر وكأن هناك عقلين في رأسي؛ وأشعر أنني أفكر بطريقتين: تفكيرٌ سلبيٌ وإيجابيٌ، فأقول لنفسي إنني أريد عمل كذا وكذا وأرجع وأقول لنفسي ماذا لو تحركت بطريقةٍ غريبةٍ مضحكةٍ؟ ماذا لو تجمدت أمام الناس؟ أشعر بأني موسوسٌ بشكلٍ كبيرٍ جداً.

وعندما يحصل لي موقفٌ مع أحد الأشخاص أرجع وأفكر فيه وأقول هل تصرفت بشكلٍ جيدٍ؟ ماذا سيقول عني الناس؟ ولا أستطيع أن أتحدث وأن أناقش أمام الناس، حتى فمي وشفتاي أحياناً وأنا أتكلم أحسهم ثابتين ولا أستطيع تحريكهم بشكلٍ طبيعيٍ عندما أتكلم أمام الأشخاص.

لا أعرف ما الذي يحصل لي، ولا أعرف إن كان هناك دواء يساعدني؟
فأرجو منكم الاهتمام بهذه الاستشارة، ومساعدتي وإرشادي، وجزاك الله كل الخير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحباً بك في استشارات الشبكة الإسلامية، ونتمنى لك دوام الصحة والعافية.

أخي الكريم: ما تعاني منه هو نوعٌ من الرهاب الاجتماعي، وقد يكون سببه أسلوب التنشئة الاجتماعية الذي تعرضت له منذ الطفولة.
فلا بد أن تعلم أن -الله تبارك وتعالى- خلقك في أحسن تقويم، واحمد الله على نعمة العقل فهي أعظم النعم.

لذلك لماذا الخوف؟ ولماذا الرهبة من الناس المخلوقين مثلك؟ فكل الناس لها محاسن ولها عيوب والكمال لله وحده، فتقديرك غير الواقعي للآخرين ولنفسك هو سبب الخوف والتوتر؛ لأن هذا ناتج عن النظرة السلبية لنفسك، والتقييم المتضخم للآخرين، فحاول تعداد صفاتك الإيجابية، ولا تقارن نفسك بمن هم أعلى منك في الأمور الدنيوية، وغيّر المقياس أو المعيار الذي تقيّم به الناس، فأفضل المقاييس على الإطلاق هو المقياس المستمد من الكتاب والسنة، فتقوى الله عزّ وجلّ هي المحك الحقيقي لتقييم الشخصيات، فالمظهر الخارجي، والوضع الاجتماعي، والاقتصادي، وغيرها من الأمور الدنيوية ليست هي الأصل الذي يجعلنا نحترم الناس أو نخاف منهم.

أخي الكريم: ربما يكون هناك تشوهٌ حدث للصورة الذهنية عن نفسك وشكلك بصورةٍ عامةٍ، وربما تكون هناك أسبابٌ ظاهريةٌ أو باطنيةٌ في الصغر أو في الكبر أدّتْ لتكوين هذا المفهوم، وظل راسخاً في ذهنك لا يتزحزح مما أثّر على تصرفاتك أمام الآخرين.

فنقول لك: هل المظهر الخارجي هو المعيار والمقياس لشخصيتك؟ أم أن هناك العديد من الصفات غير مرئيةٍ هي التي تعبّر عن شخصيتك؟ أين العقل؟ أين الأخلاق؟ أين التديّن؟ أين الثقافة والمعرفة؟ وأين .. وأين؟

الذي نريده منك هو أن تفكر في الجوهر وليس في المظهر، فالمظهر قابلٌ للتغيير ولكن يبقى الجوهر كما هو، فالمولى عزَ وجلَ ينظر إلى قلوبنا لا إلى صورنا وأشكالنا فالمعيار الحقيقي هو التقوى.

لذلك نقول لك -أخي الكريم- مشكلة تجنب الآخرين وعدم الاحتكاك بهم لا بد من التفكير في حلها بالطرق الواقعية: وأولها المواجهة وعدم الانسحاب والتعذر بأسبابٍ واهيةٍ، فحاول رفع شعارٍ مفاده التحدي والاقتحام بالزيارات المتكررة للأهل والأصدقاء، وإجابة الدعوات، والمشاركة في المناسبات، ولو بالصورة المتدرجة في المدة الزمنية، فهذه تكسبك الثقة بالنفس وتزيدها، فإذا انكسر الحاجز النفسي فسيكون الأمر طبيعياً -إن شاء الله-.

فالإنسان يتعلم بالممارسة والتدريب شيئاً فشيئا، في البداية تعلم كيفية المحادثة مع الآخرين بالاستماع الجيد لما يقولونه، ثم كيفية إلقاء الأسئلة بالصورة المبسطة والاستفسار بطريقةٍ فيها احترامٌ وتقديرٌ للشخص الآخر، وإظهار الإعجاب والتعليق على حديثهم ومقتنياتهم بالطريقة التي يحبونها.

وإذا أتيحت لك الفرصة للتحدث عن نفسك اغتنمها ولا تتردد، بل انتهج نهج المبادأة وكن أول من يبدأ دائماً بالتعريف أو الحديث عن النفس، مارس ذلك مع من تعرفهم من الزملاء والإخوان الذين تألفهم فسترى -إن شاء الله- تغييراً واضحاً في زيادة مهارة الكلام.

وإليك بعض الإرشادات ستساعدك -إن شاء الله- في التغلب على المشكلة:

1- تذكرك -أخي الكريم- أنك لم تفعل شيئاً فاضحاً حتى تنطوي وتستحي وتبتعد عن مخالطة الناس في المناسبات، بل فسّر نظرة الناس إليك تفسيراً إيجابياً.

2- التزم بفعل الطاعات وتجنب فعل المنكرات لتقوى العلاقة بينك وبين المولى عزَ وجلَ، فإذا كنت مع القوي فستكون -إن شاء الله- أقوى، ولا تخاف من أي مخلوقٍ مهما كانت مكانته أو جنسه.

3- قم بتعديد صفاتك الإيجابية، وحبذا لو كتبتها وقرأتها يومياً، ولا تحقر ما عندك من قدراتٍ وإمكانياتٍ.

4- ابتعد عن مقارنة نفسك بالآخرين الذين لهم صفاتٌ وخصائصُ لا تملكها أنت، بل انظر إلى من هم أقل منك واحمد الله على نعمه، وتطلع إلى الأحسن والأفضل.

5- عرّض نفسك للمواقف التي تخاف منها إذا لزم الأمر ولا تنسحب، فإن ذلك يساعد في التغلب على المشكلة ويقلل الخوف والتوتر.

6- إذا استمر الأمر كما هو عليه حاول زيارة أقرب طبيبٍ نفسيٍ لمعرفة المزيد من تشخيص الحالة وأخذ العلاج المناسب الذي يساعد في إزالة الأعراض.

وفقك الله تعالى، وسدد خطاك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • ألمانيا زكريا

    الله المستعان اخي والله انا كمان تعبانا نفسيتي نفس اعراضك بل ظبط بس شو بدنا نساوي الله يشفينة ويشفي امة محمد

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً