الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أجعل نيتي خالصة لله وابتغاء رضاه؟

السؤال

السلام عليكم

كيف أجعل نيتي خالصة لله؟ إني أفعل الخير وفي بعض الأحيان تكون نيتي لله، وفي أحايين كثيرة لكي أكون محترماً أمام نفسي وأمام الناس!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الابن الفاضل/ AMR حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلك من عباده الصالحين، ومن أوليائه المقربين، ومن المخلصين الصادقين، وأن يجعلك من أحب عباده إليه، وأن يتقبل منا ومنك سائر الأعمال والأقوال والأفعال، إنه جواد كريم.

بخصوص ما ورد برسالتك فإن قضية النية من القضايا الكبرى فعلاً، ومع الأسف الشديد فإن معظم الناس لا يهتمون بها ولا يلتفتون إليها، رغم أن الأعمال كلها متوقفة عليها، فقبول العمل متوقف عليها، وكمال العمل متوقف عليها، وكذلك صحة العمل متوقفة عليها، إلا أن الناس – مع الأسف الشديد – خدعهم الشيطان بالمظاهر الخارجية فاهتموا بالظاهر على حساب الباطن، وأصبحت ترى بعض الناس ظاهره الرحمة وباطنه من قِبله العذاب والعياذ بالله تعالى، ترى في ظاهره صلاحًا واستقامة وديانة ولكنه يحمل قلبًا خربا -نسأل الله العافية-.

لذلك سؤالك حقيقة يدل على أنك فعلاً تريد النجاة لنفسك، لأن الله تبارك وتعالى كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم، ولا إلى أجسامكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) فأول ما ينظر المِلك سبحانه وتعالى ينظر إلى قلب العبد، فإذا أراد بعمله وجه الله تعالى فقط نظر الله تبارك وتعالى إلى عمله، فإذا كان موافقًا لسنَّة النبي - صلى الله عليه وسلم – قبله.

أما إذا كان لم يُرد بعمله وجه الله فإن الله لا ينظر إلى عمله حتى ولو كان مطابقًا للسنة تطبيقًا دقيقًا، لأن النية والإخلاص هما أساس قبول جميع الأعمال، والله تبارك وتعالى قال: (وما أُمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) وقال لنبيه وحبيبه محمد - صلى الله عليه وسلم -: (فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّين) [الزمر:2] وقال: (قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي) [الزمر:14] وقال: (قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ) [الرعد:36] وقال: (بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِين) [الزمر:66] بمعنى الإخلاص، وقال: (أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ) [الزمر:3]

الخلوص هو أن يكون العبد لا يريد بعمله غير وجه الله وفقط، لا يريد مدحًا ولا ثناءً ولا إطراء ولا حتى حظّ نفسٍ، بل ولا يريد حتى أن يشكره الناس على ما صنع من المعروف، ولذلك كان عبد الله بن عباس إذا أعطى إنسانًا عطية أو فعل معه معروفًا قال له (جزاك الله خيرًا) ردَّ عليه وقال: (جزاك الله خيرًا)، وإذا قال له (أحسن الله إليك) ردَّ عليه وقال: (أحسن الله إليك) لأنه لا يريد مكافأة في الدنيا، فكان كل مَن يُثني عليه كان يرد عليه بنفس العبارة التي قالها؛ حتى لا يكون له فضل عليه، وحتى يكون عمله كله خالصًا لله الواحد الأحد.

حقيقة هذا أمر عزيز وليس أمرًا سهلاً، مهما حاولت أنا أن أتكلم فيه فإنه يحتاج إلى مِران وتدريب عظيم، وأعظم ما يُعينك على هذا الأمر أعمال السر التي لا يطلع عليها إلا الله تبارك وتعالى، فإذا كنت وحدك سواء كنت في النهار أو كنت في الليل بعيدًا عن أعين الناس، فإذا ما قدمت عملاً فاجتهد على أن يكون مُطابقًا للمواصفات، وأن يكون خالصًا لوجه الله تبارك وتعالى، وأن تعلم يقينًا أنه الآن معروض على الله تبارك وتعالى، وأن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا لوجهه وابتغيَ به رضاه.

كذلك أيضًا تتصور نفسك وقد عرضت أعمالك على الله يوم القيامة فرد الله هذه الأعمال وقال إني لا أقبل منك صرفًا ولا عدلاً لأنك لم تُرد بذلك وجهي، أو يقول: اذهب فخذ أجرك ممن كنت ترائي في الدنيا.

كذلك عليك بقراءة صفات المخلصين والمتقين من عباد الله تعالى، وهم كثر بارك الله فيك، اقرأ عن سير الصالحين المخلصين، واقرأ في كتاب (مختصر منهاج القاصدين) عن الإخلاص، فإنك ستجد - بإذن الله تبارك وتعالى – كلامًا عظيمًا مفيدًا ونافعًا.

توجّه إلى الله تبارك وتعالى بالدعاء والإلحاح على الله عز وجل أن يرزقك الإخلاص في القول والعمل، لأن الإخلاص عزيز جدًّا.

أكثر من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (اللهم إني أعوذ بك أن أُشرك بك شيئًا أعلمه، وأستغفرك لما لا أعلمه) فإن هذا من كفّارة الرياء.

أسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا وإياك لطاعته ورضاه، وأن يستعملنا وإياك فيما يُرضيه، إنه جواد كريم، وكما نصحتك أكثر من الدعاء، وأكثر من الصلاة على النبي - عليه الصلاة والسلام –.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • السودان ليلى سليمان

    بارك الله فيكم ربنا يوفقكم على عمل الخير ربنا يتقبل منا ومنكم صالح الاعمال

  • أمريكا فاعلة خير

    بارك الله فيكم وجزاكم خير

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً